TODAY - March 09, 2011
صفحات عراقية من حياتي الحلقة الثانية 2_4
بين الصحافة والسجن
مراد العماري
وهكذا واصلت العمل في صحيفة الأهالي مسؤولا عن الشؤون الخارجية ولو اني لم أكن عضوا في الحزب. غير ان هذا العمل في الصحيفة لم يستمر طويلا فقد اعتـُقـِِلت مع من اعتقل من رجال الحزب الوطني الديمقراطي وزعماء احزاب المعارضة في العراق مع بعض محرري الصحف التي كانت تصدرها هذه الأحزاب. وقد تمت هذه الإعتقالات بعد انتفاضة تشرين في شهر تشرين الثاني عام 1952. وبعد تشكيل حكومة الفريق نور الدين محمود وإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء العراق مساء يوم 23 تشرين الثاني، إلا أنه تم إطلاق سراحي من معتقل أبو غريب بعد مضي شهرٍ دون محاكمة.
مقاطعة الإنتخابات وأعتقالي
كانت هناك خلافات واضحة بين الأحزاب حول المشاركة في الإنتخابات العامة التي كانت ستجرى في العراق في نفس العام او مقاطعتها. وكانت هذه الأحزاب تسعى في نفس الوقت إلى المحافظة على تماسكها، غير أن الجادرجي اتصل بي هاتفيا في إحدى الليالي، وقال لي إنه يميل إلى مقاطعة الأنتخابات، غير أنه لا يعرف تماما ما إذا كان اعضاء اللجنة الإدارية للحزب سيوافقون على مقاطعة الأنتخابات، ولما وجدت ان الجادرجي اخذ يصرعلى فكرة المقاطعة، قلت له إذا كان هذا ضروريا بالنسبة لك، ويبدو انه ضروري، فبالإمكان الإدلاء بتصريح لي (أي لوكالة الصحافة الفرنسية) حول ضرورة مقاطعة الانتخابات. فقال إنه إذا وافق على ألإدلاء بمثل هذا التصريح فإنه يفضل أن يكون بإسمه فقط دون الإشارة إلى انه زعيم الحزب الوطني الديمقراطي، وهكذا كان. وقال لي الجادرجي أنه يفضل أن أبقى تلك الليلة في الصحيفة إلى ان يملي علي بتصريحه الخاص بمقاطعة الأنتخابات. ولذلك نُشرَ التصريح في اليوم التالي بأعلى الصفحة الأولى من صحيفة الأهالي وعلى ثلاثة أعمدة. ثم غادرت الصحيفة إلى دائرة البرق لإرسال البرقية الخاصة بتصريح الجادرجي عن مقاطعة الأنتخابات إلى وكالة الصحافة الفرنسية التي فضل الجادرجي أن يخصها بهذا
التصريح. ولما نُشر تصريح الجادرجي في اليوم التالي وأذيعَ من قبل مختلف محطات الإذاعة العربية, اثار موجةً من النشاط السياسي الذي رافقه بعض التذمر من الأتجاه الذي يتبناه الجادرجي لحمل الحزب على مقاطعة الأنتخابات. وقد اجتمعت اللجنة الإدارية للحزب في نفس اليوم وأصدرت بيانا بمقاطعة الأنتخابات العامة. وقد علمت مديرية الأمن العام بأنني كنت السبب في صدور هذا التصريح فانتقمت مني بالأعتقال.
وقال لي مسؤول كبير إن موضوعَ المقاطعةِ مهمٌ جداً فهو يشمل العراق كله وينطوي على رجّة سياسية واسعة. وهذا ما حمل السلطة الأمنية على ان تلجأ الى إعتقالي.
فترة الإعتقال الأولى- 1952
جاءت شرطة الأمن الى بيتي فجراً وقالوا: "صحفي كوم" وقادوني معهم. وبصفتي صحفيا سياسيا كنت أتوقع هذا الإجراء. قادوني الى السراي – مركز الشرطة. وجدت هناك زملائي الصحفيين السياسيين. وبعد ساعة من الزمن نقلوني الى معتقل "ابو غريب". وبعد وصولنا،، وزعونا بين غرف صغيرة في بعضها 22 سجيناً. كنا ننام على الأرض إذ لم يكن لدينا فراش مريح. بعد اسبوعين نقلت الى سجن الكوت حيث امضيت ليلتين. قضيت الليلة الأولى مع مجرمين وقضيت الليلة الثانية مع صديق معتقل. وفي اليوم التالي أعادوني الى بغداد ونقلوني إلى سجن السراي لليلة واحدة. ثم نقلوني الى سجن "ابو غريب" في بغداد حيث امضيت عشرة ايام. وكان بإمكاني ان اسمع الراديو وقراءة الجرائد. وبعد تحقيق قصيراطلق سراحي فذهبت الى بيتي واهلي.
استئناف عملي الصحفي
وبعد إطلاق سراحي، استأنفت عملي في وكالة الصحافة الفرنسية، وانضممت إلى صحيفة "لواء الجهاد" التي أصدرها المحامي فائق توفيق في ربيع عام 1953 غير أن هذه الصحيفة لفظت انفاسها بعد بضعة اشهرمن صدورها. وفي شهر تشرين اول من نفس العام، انضممت إلى صحيفة الإيراك تايمس (الأوقات العراقية) التي كانت تصدر باللغة الأنكليزية، مسؤولا عن الشؤون البرلمانية ومحررا في قسم الشؤون المحلية. وكان انضمامي إلى هذه الصحيفة بسبب قرار اتخذته إبان اعتقالي بالأمتناع عن العمل في الصحف التي تصدر باللغة العربية لأسباب تتعلق بسلامتي.
حكومة الجمالي
قررت حكومة فاضل الجمالي، التي تألفت في شهر ايلول من عام 1953 السماح للأحزاب بالعمل وللصحف المعارضة بإستئناف صدورها، وعندها اتصل بي بعض محرري صحيفة "الأهالي" يلتمسون مني العودة للعمل في صحيفة الأهالي بناءاً على رغبة الجادرجي. غير أني لم أستجب لهذه الدعوة رغم الإلحاح. ثم اتصل بي الجادرجي هاتفيا طالبا مني أن أزوره في منزله، ففعلت. وهناك عرض علي الجادرجي مرة أخرى ان أستأنف عملي في الصحيفة غير أني أوضحت للجادرجي سبب امتناعي عن ذلك وعدم الأستجابة لطلبه بالرغم من أنني أكنّ له كل الإحترام والتقدير والإعجاب. وأكد لي من ناحيته أنه يعتبرني عضوا دائما في الحزب.
مع الحاكم العسكري العام
وبالإضافة إلى ذلك شرحت للجادرجي أنني لا يمكن أن أنفصل يوما ما فكريا عن الحزب وعن صحيفته، غير ان هناك أسبابا خارجة عن إرادتي تمنعني عن ذلك. ومنها أن سكرتير الحزب، المحامي حسين جميل اكد لوالدي، بعد أن أطلق سراحي من معتقل أبو غريب، أنه مستعد للمراجعة من أجل تسهيل إطلاق سراحي من المعتقل. وكان يطلق وعوده بأنه سيتصل بالحاكم العسكري العام من أجل ذلك. ولما تم إطلاق سراحي، فضلت ان اشكر الأثنين حسين جميل والحاكم العسكري العام اللواء الركن عبد المطلب الأمين وهو صديق عزيز لي وضابط مثقف ثقافة عالية. فذهبت إلى منزل الحاكم العسكري العام في الأعظمية وأبلغته شكري الجزيل على الجهود التي بذلها من أجل إطلاق سراحي. كما أبلغته أنني مدين للأستاذ جميل بسبب جهوده المستمرة مع دائرة الحاكم العسكري العام لتسهيل إطلاق سراحي. فاستغرب الحاكم العسكري العام ذلك وقال لي أن حسين جميل لم يطأ مبنى وزارة الدفاع، فكيف استطاع ان ييذل الجهود من أجل تسهيل إطلاق سراحك؟ فقلت له إن هذا ما أكده حسين جميل لوالدي.
كوني يهودياً
أما بقية الأسباب التي منعتني من استئناف عملى في صحيفة الأهالي فتتعلق بكوني يهوديا في بلد ينص قانونه على إسقاط الجنسية عن اليهود العراقيين لأسباب حددها القانون. وقلت للجادرجي أن الحكومة إذا أرادت ان تنتقم مني بسبب نشاطي الصحفي والسياسي فإنها لن تتهمني بالوطنية لأن أسهل شيء بالنسبة لها أن تتهمني بالصهيونية وفي هذه الحالة هل هناك في الحزب من له الشجاعة الكافية لأن يدافع عني بنزاهة وتجرد؟ وقد حاول الجادرجي أن يبدد مخاوفي من ذلك غير أن موقفي ظل ثابتا ولم استأنف العمل في صحيفة "الأهالي" ومع ذلك فأن اتصالاتي وزياراتي للجادرجي استمرت سنين طويلة بعد ذلك.
انتظروا الحلقة الثالثة 3_4
أقرا المزيد: الحلقة الأولى:
http://www.dorar-aliraq.net/showthread.php?t=16683