قال تعالى في كتابه الكريم ((زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ))آل عمران: 14..

هنا إشارة الى انّ هناك من يزيّن للناس وهذا المزيّن هو أحد اثنين إما الله سبحانه وتعالى أو الشيطان اللعين..
ونحن نعلم بأنّ الله سبحانه وتعالى يزيّن للناس الطيبات من الرزق
فقد قال تعالى ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ))الأعراف: 32، أما الشيطان الرجيم فهو يزين لهم حب الشهوات ويغويهم بها ليبعدهم عن ذكر الله تعالى، لذا يكون الشيطان هو المزيّن الذي قصدته الآية محل البحث..
على انّنا نعلم بأنّ تزيين الشيطان هو باذن الله تعالى وغير خارج عن إرادته ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ))الحجر: 39، لذا جعل الله تعالى هذه الدنيا محلّ امتحان وابتلاء..

اذن هل انّ النساء والبنين والذهب والفضة والخيل وغيرها من النعم التي جعلها الله سبحانه وتعالى في الأرض هي محرمة على الانسان؟
طبعاً تأتي الاجابة بالنفي، فالله سبحانه وتعالى قد خلقها للانسان وبامكانه الاستمتاع بهذه النعم، ولكن الذي يريده الله تعالى هو أن يكون الاستفادة منها ضمن حدود قد رسمها وبيّن قوانيها..
فهذه النعم يمكن الاستفادة منها في تقوية المجتمع الاسلامي لتكون العماد الرئيسي له، حيث انّ الاسلام لابد له من الأموال والتزاوج وانجاب الأولاد وغيرها من النعم التي تقوّي شوكة الاسلام، كما اعتمد عليها النبي صلّى الله عليه وآله في بداية الاسلام (من حيث الاستفادة من أموال خديجة عليها السلام ووجاهة أبي طالب عليه السلام وسيف وقوة أمير المؤمنين عليه السلام)، حيث لابد من هذه الأمور إذا ما أردنا مجتمعاً قوياً يقف أمام التحديات..

اذن يمكن أن تكون هذه النعم مصدر قوة للمجتمع الاسلامي إذا مااتخذت بصورتها الصحيحة من أجل إعلاء كلمة الاسلام، فتكون سبيلاً الى نيل رضوان الله تعالى، وهذا ما يدعو اليه الله سبحانه وتعالى ((إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا))الكهف: 7..

أما إذا كانت مصدراً لقضاء الشهوات والملذات المبعدة عن الله تعالى تكون هذه النعم فتنة ومصيدة ينصبها الشيطان يصيد بها أتباعه ويوقعهم ويغرقهم بها ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))الأنعام: 43، فبدلاً من أن تكون للانسان نعمة تكون عليه نقمة
فتكون له طريقاً مؤدياً الى نار جهنّم، لأنه احبّ هذه النعم لنفسها ولذاتها لا انّها طريق الى نيل القرب الالهي ورضوانه..

نستخلص من ذلك انّ الله سبحانه وتعالى جعل هذه الدنيا محطة للتزود منها للآخرة، أي انّها مزرعة للآخرة فتكون معبراً الى جنانه الواسعة، أي انّ هذه النعم في الحقيقة هي امتحان وابتلاء لعباده المؤمنين لتكون لهم سلماً يرتقون به ليصلون الى رضوانه تعالى، أما لغير المؤمنين فتكون هذه الابتلاءات نقمة واستدراج لهم ليصلوا الى نيرانه المعدة لهم..
أي انّ الانسان باختياره أن يحوّل هذه النعم الى سلم يرتقي به نحو الكمالات الالهية، أو الى نقم تهوي به الى حفر جهنّم، فيكون مصداقاً لمن زيّن له الشيطان حب هذه الشهوات..
منقوول