TODAY - 07 March, 2011
قالوا انه كان بمثابة «سجن» منعهم عن التواصل مع الاقرباء والجيران
بغداديون يوزعون الحلوى وينحرون الذبائح احتفالا بازالة 2500 قطعة من «جدار برلين»
صبية عراقيون يلعبون على ما كان يشكل جدارا كونكريتيا لمنع التفجيرات في مدينة الصدر شرق بغداد
بغداد- جاك هيلي
انه حائط واحد في مدينة فيها آلاف الحيطان الرمادية اللون الملساء غير ذات الملامح، انها تبدو مثل ندوب في واحد من اكثر الاحياء بغداد عنفا.
وتحولت هذه الجدران بعد نصبها في مدينة الصدر الى جداريات وغطتها الرسوم. لكنها خنقت الاعمال المحلية وعزلت السكان وحركت الغضب وسط الناس.
وتم وضع هذه الكتل الخرسانية قبل ثلاث سنوات لمنع الهجمات على القوافل العسكرية المارة من هناك. ويبلغ طول الحائط ثلاثة اميال في هذا الحي الشيعي الذي يواجه سكانه الاحباط من حياتهم. واصبح الجدار محطا للغضب واليأس في سنوات الاحتلال العسكري والقتل.
ولربما يكون الحائط قد عزز الامن لكنه بالمقابل اغلق موارد التجار والحلاقين وعزل حوالي 1500 شخصا من سكنة المدينة في زاوية وراء ستارة خرسانية. واغلقت المحال وهُجِرت البيوت. وقام الفنانون العراقيون وبتمويل اميركي برسم جداريات تصور الاهوار والانهار والنخيل على الجدار، لكن سكان المنطقة وباصباغ السبراي قاموا بكتابة رسالتهم: القتل هو الرد.
وفي الفترة الاخيرة سمع السكان قرقعة رافعة وجرافة وعلى قرع الموسيقى بدأت هذه الالات تنفيذ مهمة ادهشت الصغار والكهول الذين تجمعوا لمراقبة ما يجري من على الرصيف، لقد رفعوا الجدار الخرساني!
ويقول سعد خلف 41 عاما الذي كان يقوم بمسح الارض الخالية التي كان فيها الجدار وكانت الارض مضغوطة وشاحبة مثل جلد كان تحت الضمادة «لقد كنا نسميه جدار برلين. ويمكننا الآن أن نتنفس الصعداء، وبالامس شعرت بالنسيم وهو يهب عبر المكان واقسم بالله على ذلك».
وكانت الحكومة العراقية قد بدأت بإزالة الجدران شيئا فشيئا منذ أواخر عام 2008 في محاولة منها لاستعادة مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية لهذه المدينة التي تعد ملاذا لستة ملايين شخص.
وقد دفعت الموافقة المبدئية للجامعة العربية بعقد اجتماع سنوي للقادة العرب والذي ارجئ لشهر ايار (مايس) بسبب الوضع العام في المنطقة، الحكومة العراقية لتكثيف جهودها استعدادا لاستضافة الاجتماع. وقامت الحكومة برفع العديد من الحيطان الكونكريتية من المنطقة الخضراء شديدة التحصين وهدمت شبكة (ابراج) القناصين الموزعة على الطريق السريع على امل تقديم العاصمة بالقليل من المشاهد العسكرية للزعماء الزائرين.
وتم رفع الحيطان من شارع فلسطين الذي تم انتقاؤه والواقع في شرق بغداد، وهناك خطط للاستمرار في هدم الجدران في بقية الاحياء الشيعية الواقعة شمال بغداد.
وقالت سيدة تُدعى أم قاسم فيما كانت تعبر الشارع المزدحم الذي كان يشطره الحائط في مدينة الصدر»اننا سعداء من اعماق قلوبنا. ونتمنى ان تصدر الاوامر برفعها كلها». وهناك احتمال ضعيف ان يتم رفع الجدران من بغداد التي اصبحت متاهة من الحيطان. وقد استغل المهاجمون محاولات الحكومة ازالة الموانع الواقعة قرب المواقع الحكومية او الامكنة التي تمثل اهدافا قيمة. ففي اب (اغسطس) انفجرت شاحنة ضخمة محملة بالمتفجرات خارج وزارة المالية واخرى قريبا من وزارة الخارجية، وقتل كثير من الناس في بقعة كانت محمية سابقا بالكتل الخرسانية.
وقال مسؤولون حكوميون الاحد في محافظة ديالى انهم سيرفعون كل الحيطان التي تطوق الاحياء السكنية والاسواق العامة، وتعيد فتح الطرقات التي اغلقت ْ منذ ثلاث سنوات. وحذر الخبراء الامنيون هناك من عودة الهجمات الانتحارية.
لكن على طول طريق محطة البنزين المترب في مدينة الصدر حيث كان الحائط الاسمنتي والذي من الفجاجة القول انه جادة، فإن قلة من الناس قلقون بشأن احتمال ان يؤدي رفع الجدار الى زيادة الهجمات الانتحارية. وعاد الحي الى الحياة بطرق بسيطة ومدهشة بعد اضمحلال العنف وتراخي قبضة جيش المهدي.
ويقول السكان ان اي شيء هو افضل من كتلة خرسانية طويلة تمنعهم من الوصول الى بقية مدينة الصدر.
ويتشكى السكان من انهم لم يعودوا يتواصلون مع افراد عائلاتهم واصدقائهم الذين يسكنون على الجانب الاخر من الشارع وان الذهاب الى المستشفى او الى محطة الوقود الذي لايستغرق سوى خمسة دقائق في الاحوال العادية فانه سيمتد لساعة أو لساعتين اذا اغلقت القوات الامنية نقطتي التفتيش المخصصة للدخول او للخروج.
ويقول حسين السعدي 75 عاما الذي يعيش في المنطقة منذ خمسة عقود «انك لاتستطيع الخروج من المنطقة اذا تم اغلاقها. البلد المفتوح سيكون جميلا، وما جرى كان كارثة». ويقول خالد حسين «لقد كنا وكأننا في سجن».
ويقول السكان ان محلات البقالة وصالونات الحلاقة ومحلات الاجهزة الكهربائية الممتدة على طول الشارع بدأت بالاغلاق وشرع الناس بالانتقال الى الاحياء الاكثر انفتاحا واقل تعرضا للاطلاقات النارية وقنابر الهاون واختطاف الاطفال.
ويقول حسين فالح 41 عاما وهو يشير الى صف من المحلات المقفولة أو عليها لافتات «للايجار» ان «كل المحلات ميتة، انظر اليها فكلها فارغة».
ويقول هاتف عودة، سمسار عقارات في المنطقة ان اسعار المنازل انخفضت بنسبة 20% بمجرد نصب الكتل الخرسانية، وانه قام باغلاق مكتبه حينها ولم يعد اليه الا مؤخرا.
وما ان قامت الرافعات بإزالة 2500 كتلة، وكشط العمال والجرافات ما تراكم طوال سنوات من نفايات، حتى اخذ الاطفال بلعب كرة القدم وقام الناس بتوزيع الحلوى على الجنود الذين كانوا قبل ايام يقومون بحراستهم. وقال احد سكنة المنطقة انهم ذبحوا خرافا ابتهاجا برفع الكتل.
ومن المبكر القول ان كان رفع الكتل سيساعد الحي في استعادة انسجامه السابق بعد مواسم من الحرب والتجريح، او ان كانت العوائل التي هربت ستعود ثانية، او ان كانت البلدية المحلية ستعود لتنظيف الشوارع وترفع تلال النفايات والانقاض من القطع الفارغة. ويقول السكان انهم لايستبعدون حدوث ذلك في المستقبل القريب.
ويقول مصطفى كاظم وهو يقف في ركنه المظلل حيث يبيع الفاكهة، فيما كان الذباب يدور حول الطماطم الناضجة، انه على الاقل وللمرة الاولى ينظر عبر الشارع. وراح ينظر الى الجانب الاخر الذي كان خيار الرؤية الوحيد بالنسبة له حيث تبدو قطعة ارض فارغة وهيكلا حديديا صدئا وبناية ثقبها الرصاص.
عن صحيفة نيويورك تايمز