في ذكرى وفاة سيد المنبر الحسيني (الدكتور احمد الوائلي) رحمه الله تعالى






قال الله تعالى : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي  .

في 13 / 7 / 2003 فجع العالم الإسلامي لاسيما اتباع أهل البيت برحيل سيد منبر العالم الإسلامي الكبير الخطيب الدكتور الشيخ احمد الوائلي ، وبذکری هذه المناسبة لا يسعنا إلا أن نعزي الجميع سائلين العلي القدير أن يسكنه فسيح جناته .

لقد عاش الوائلي حاملا رسالة الإسلام يصدع بها أينما حل ، ذاباً عنها ، واعياً أبعادها ، متحملاً المصائب والصعاب من اجلها فقد ذاق مرارة الغربة نتيجة لموقفه الذي لا يلين ، لا تأخذه في الله لومة لائم فواجه المنهج التدميري الذي حاول حزب البعث في العراق تحكيمه ، بالرفض ولم يهن أو يهادن فترك أهله ووطنه رغم إنشداده العميق وحنينه وشوقه لبلد المقدسات.

وكان بحق المؤسس لمدرسة جديدة في الخطابة والتبليغ حيث رسم للخطيب منهجاً لم يكن مألوفا قبل ذلك ، استطاع هذا المنهج ان يربي ثلة من الخطباء ، ويعمل على بناء الأمة ورفع مستوى وعيها وفهمها للإسلام وثقافته ، وقد أغنى المنبر بتجاربه وعطائه وغرس في العقول العلم والمعرفة ، وفي القلوب الولاء للرسالة والرسول وآله. فخلد ذكره ، وسيبقى حياً بحياة المبادئ التي لم يدّخر وسعاً في تبليغها تــغمده الله بوافر رحمته وحشـــره مع النبي و أهل بيته (عليهم السلام) .

الولادة والأسرة :

في مدينة النجف الاشرف وفي عام 1928م الموافق لعام 1347هج يوم ميلاد الرسول المصادف 17 / ربيع الأول شاء الباري أن تقترن ولادة احمد بأحب الخلق إلى الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن الطبيعي أن هذا التقارن يدفع الأب لان يسمي ولده باسم صاحب الذكرى ولكن المفاجأة هي أن يتفاءل بالقرآن الكريم فتخرج الآية الكريمة « ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه احمد » واحمد هذا هو ابن حسون بن سعيد الوائلي النسبة الليثي الأصل.
يقول الشيخ احمد ُ« انتمائنا في الواقع ، أنا عندما فتحت عيني سمعت أهلي وأعمامي ينتسبون إلى وائل مع العلم نحن من بني ليث واستغربت أنا وجه النسبة إلى وائل مع إننا من بني ليث ، لان نحن في الواقع ننتمي إلى أبي ذر ، غفار بطن من بطون ليث وضمرة بطن من بطون ليث وكلهم في بيت واحد واخوة .. ولكن بعد ذلك لما راجعت كتب الأنساب رأيت أمنا رأساً مباشرة زوجة ليث ـ هو أبونا ـ هي بنت بكر بن وائل ، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية كان يجتمعون باللواء معاً ومن ناحية ثالثة هم يلتقون معاً بالآباء البعيدة».

الدراسة :

ارتبط الوائلي بمدرسة الأمير غازي الابتدائية في النجف وكان يمتحن فيها خارجياً دون أن يحضر صفوفها ثم اخذ بدراسة المتوسطة والثانوية في مدرسة منتدى النشر ـ إحدى بركات العمل الإصلاحي للشيخ محمد رضا المظفرـ ليدخل بعدها الجامعة في منتدى النشر الدينية أو كلية منتدى النشر .

يقول الشيخ عن تلك الفترة « درسنا أربع سنوات قبل افتتاح كلية الفقه وعندما افتتحت في سنة 1958 تخرجنا منها في 1962» أعقبها دراسة الماجستير في معهد الدراسات العليا التابع لجامعة بغداد وحصل على الدكتوراء من جامعة القاهرة ـ دار العلوم ، وقد استطاع الحصول على دبلومات منها في الاقتصاد في ذلك الوقت .

الحوزة العلمية :

في أجواء النجف العلمية ينتمي الطالب إلى الحوزة في عمر مبكر، وهذا ما كان عليه شيخنا الوائلي لقد درس الحوزة فبدأ بالنحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والأدب واللغة وانتقل إلى مرحلة السطوح فتزود بالفقه والأصول والفلسفة واشرف على البحث الخارج لكنه لم يواصل الحضور في بحوث العلماء لضيق الوقت واعتمد طريقة قراءة تقريرات بحوث السيدين الخوئي والحكيم رحمهما الله تعالى.

أساتذته :

تتلمذ الشيخ على أساتذة لهم مكانة علمية سواء كانوا من أساتذة الحوزة أو الجامعة منهم :

1. آية الله الشيخ المجدد محمد رضا المظفر وقد ترك بصماته الواضحة على الوائلي كما يذكر الأخير .

2. السيد محمد تقي الحكيم.

3. الشيخ محمد الشريعة : يقول عنه الوائلي عندما يستذكر منتدى النشر وفضلها عليه «كان له اثر كبير في صقل مواهبنا واستثمار طاقاتنا فقد كان طاقة» .

4. الشيخ عبد المهدي مطر.

5. الشيخ علي سماكة .

6. الشيخ علي شراكت .

يقول رحــمه الله عن هذه الثلة من الأساتــذة وعن منـتدى النشر «كانت تضم نخبة هم في واقع الأمر من لوامع المدرسين في النجف الأشراف».«هؤلاء كانوا بالإضافة إلى انهم مدرسون في الحوزة هم من أفاضل المدرسين الذين دعتهم منتدى النشر».


العودة والرحيل :

ربما لا نجد أنساناً كالوائلي يحن إلى أرضه ووطنه فهو في مهجره يعيش العراق ويتطلع إلى مستقبله الزاهر حين يحمل راية الرقي والبناء والتغيير يقول:« ما نزال يحدونا أملٌ لا حدود له بان يبقى هذا البلد ولوداً وتبقى ينابيعه متدفقة وإفاضته ثرية وكيف لا وهو مهد أبي تراب . إنها فكرة نحملها بين جوانحنا ومسألة نراها حقيقة شاخصة أعربت عنها في خطابي لعبد الفتاح مقصود عندما كرّمناه بالنجف فقلت :


أفــتـــاح هذا مـربــع في تــرابه لـحـيـدرة جـســم في افـقـه فــكــــرُ
ثلاث وعشر من قرون تصرّمت وما زال منه فوق هذا الثرى عطرُ
وأزمـــنة مــرت بكل صــروفها يــشـــد بــها زيـد ويــدفـعها عمرو
تـمر عــليه وهي ســوداء غـيمة فــيـمـشـــي إليــها وهـو مـنبلج بدرُ
اجـل تـلـك عــقبى المتقين خوالد مـن الــذكرِ لا تـفنى ولاينتهي الذكرُ
(كتاب تجاربي مع المنبر)

لقد كوته الغربة بنارها وتقاذفته البلدان ولم يكن يأنس إلى شيء من هذه الدنيا كما يأنس إلى مرابع صباه. ورغم سنوات الغربة العجاف شاء الله أن يختمها له بالعودة إلى الوطن ليحلق إلى الرب الكريم من على ارض علي والحسين في يوم 13 / 7 / 2003 ويدفن إلى جوار أبي الأئمة المرتضى ، فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.


(( منقول ))