الجذور التأريخية للعلاقات الامريكية – العراقية
بغداد 13 تموز 2013
بقلم /د.كافي الجادري
من خلال استقراء المراحل التأريخية للأستعمار، وطرق واساليبه في السيطرة على الشعوب ، ونهب ثرواته كانت عن طريق الحروب وتجيش الجيوش ، واحداث الرعب والدمارفي نفوس الشعوب والقضاء على حضارة وثقافة الشعوب المستعمرة، واستخدام اساليب تعسفية في سبيل تحقيق مصالحه الأستعمارية . الا أن الاستعمارالامريكي دخل الشرق الاوسط ومنها العراق بطرق مختلفة ، ربما اكثر تحضراً من سابقيها في الاستعمارليس عن طريق الحروب بل عن طريق تقديم مساعدات ثقافية وخدمات صحية لتحقيق اغراض استعمارية .
تأخر ظهور الولايات المتحدة الامريكية على مسرح السياسة العالمية حتى نهاية القرن الثامن عشر، واتخذت مع تفاعلاتها الدولية سياسة الحذر تمثلت بأختيارها مبدأ العزلة والذي اطلق عليه بمبدأ مورنو 1823 وتفرغت للبناء الداخلي والاهتمام وتعزيزعناصر القوة والقدرات العسكرية والاقتصادية .
شهد القرن التاسع عشر نشاطاً أمريكياً بعيد اً عن التنافس السياسي ، وكان أبرز هذه الانشطة الأرساليات التبشيرية والتنقيب عن الاثار وفي المجال الثقافي وغيرها من الانشطة .
كان الاحتكاك الاول للولايات المتحدة الامريكية بالعراق عن طريق المركز التبشيري البروتستانتي الثاني حيث تم انشاء ارسالية للتبشير في البصرة عام 1891 بعد البحرين، وامتد نشاط مركز البصرة الى العمارة حيث تم افتتاح فرع له على نهر دجلة ، واخر على نهر الفرات في الناصرية .قدمت هذه الارساليات خدمات شملت المجال الصحي والتعليمي بافتتاح مدرسة للبنات في البصرة عام 1905 . كما شارك علماء امريكان في التنقيب عن الاثار في العراق دون بقية اجزاء الخليج العربي .
جاء بعد نشاط الارساليات النشاط الاكثراهمية هو النشاط الاقتصادي بحصولها على امتيازات تنقيب النفط في الموصل قبل قيام الحرب العالمية الاولى ، وبعد انتهاء الحرب حصلت على امتيازات نفطية في الشرق الاوسط واهم هذه الامتيازات كان العراق حيث كانت حصتها مساوية لحصة الشريكات البريطانية والهولندية والفرنسية الامر الذي اوجد لها موطىء قدم في العراق عن طريق شركة نفط العراق بنسبة 75’ 23.
وعلى الرغم ان المصالح الامريكية في بدايتها كانت مصالح قليلة ، الا انها حققت منذ مطلع القرن العشرين ، ولاسيما بعد ان اصبحت القوة الاقتصادية المهمة والمؤثرة عالميا ، تطوراً ملموساً ووجوداً متميزاًفي العراق حتى قيام الحرب العالمية الثانية .
كان طبيعياً ان ينعكس تأثير دور الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية على توجهات الساسة العراقيين أبان الحكم الملكي وزيادة التعاون مع واشنطن على اساس ايجاد قوة موازنة للنفوذ البريطاني في العراق ، مع الاخذ بنظر الاعتبار مكانة الولايات المتحدة الامريكية المتميزة على الصعيد الدولي ، وفي ذلك بعد سياسي يصعب التقليل من شأنه .
تعد الحرب العالمية الثانية نقطة تحول في تأريخ العالم المعاصر ، ونتج عنها تغير في ميزان القوى الدولية ، حيث خرجت كل من بريطانيا وفرنسا منهمكتين القوى وتعانيان من ضعف كبير في قدراتهما العسكرية والاقتصادية ، في حين الولايات المتحدة الامريكية لم تتأثر اقتصاديا او عسكريا في الحرب رغم انها كانت احدى اطراف الحرب ، ومن اهم نتائج الحرب هو بروز قوتين كبيرتين عالميتين هما الولايات المتحدة الامريكية التي قادت العالم الرأسمالي وروسيا التي قادة العالم الاشتراكي وبدات حرب جديدة دون استخدام فيها السلاح عرفت ب (الحرب الباردة )، مما دفع بالولايات المتحدة الى زيادة الاهتمام بمنطقة الشرق الاوسط عامة ، والعراق بصورة خاصة لما يتمتع به من اهمية ستراتيجية واقتصادية متميزة .
ولمواجهة امريكا الخطر السوفيتي على منطقة الشرق الاوسط التي تزايد الاهتمام بها بدات امريكا ببناء سلسلة من الاحلاف العسكرية الدفاعية في الشرق الاوسط ، ومحاولة ربط الدول العربية بتلك الاحلاف ومنها العراق .
شهدعقد الخمسينات تطبيقا عمليا للستراتيجية الامريكية وحلفائها من الدول الغربية بجر العراق الى هذه الاحلاف مع وجود نوري السعيد على رأس الوزارة الذي ايد انظمام العراق الى هذا المشروع الدفاعي ، الذي عارضته الاحزاب والقوى السياسية في العراق وابقاء العراق على الحياد،خصوصاً بعد رفض مصرالانظمام الى مشروع الدفاع عن الشرق الاوسط .
ظلت الحكومة العراقية من اكثر الدول العربية أستعداداً الانظمام الى مشروع الدفاع عن الشرق الاوسط ، وكانت اتفاقية المساعدة العسكرية الامريكية للعراق بضرورة تسليح الجيش العراقي وتزويده بالمهمات والاسلحة الحديثة ، وقد جاءت زيارة وزير الخارجية الامريكي دالس الى بغداد عام 1953 لتعطي دعماً للتوجيه العراق بأعطائه مساعدة عسكرية خاصة بعد ان اقتنع الساسة العراقيين مع فكرة الارتباط بأحلاف مع الغرب أولأ ولانهم ضد الشيوعية ثانياً . وعلى اثر هذه المساعدات العسكرية والمالية الامريكية للعراق انظم العراق الى الحلف التركي – الباكستاني الذي يرى فيه افضل الدفاعات عن الشرق الاوسط . وفي الحقيقة كانت هذه المساعدات ورقة ضاغطة على العراق لتحديد موقفه تجاه اسرائيل .
في عام 1955 جاء حلف بغداد من اكثرالاحلاف وضوحاً لموقف الحكومة العراقية وهو نتيجة للجهود الامريكية بدا بتحالف عراقي – تركي في كانون الثاني عام 1955،وفي نيسان من العام نفسه انظمت بريطانيا رسميا الى الحلف ، ولم ينتهي العام نفسه حتى انظمت ايران وباكستان للحلف ، وقدمت الولايات المتحدة الامريكية مساعدات عسكرية واقتصادية للدول الاعضاء، رغم عدم الانظمامها اليه واعداد قواها لموجهة الاتحاد السوفيتي واحكام الحصار المضروب حول الاتحاد السوفيتي الى جانب الاحلاف الاخرى منها (حلف شمال الاطلنطي )و(حلف السيتو ).
كان الهدف من حلف بغداد في نظر نوري السعيد هو نقل مركزثقل نظام الدفاع عن الشرق الاوسط الى العالم العربي تحت قيادة بغداد ولتكون بغداد محط انظارالعالم .
واجه الحلف فور أعلانه معارضة وانتقاد الرأي العام العربي الذي رأى فيه عودة النفوذ الغربي الى الاقطار العربية بأي صورة من الصور ، في حين احتج الاتحاد السوفيتي لدى الدول الجامعة العربية على اتخاذ بلادها مركزاًللاعتداء عليها .
أما في بغداد واجهت الجماهير العراقية عقد هذا الحلف بألمعارضة والتظاهرات والاضطرابات التي وقعت اثناء وبعد انعقاده ، وكان احد مطالب الحركة الوطنية العراقية هو الانسحاب منه .ولكن لم تستطيع افشاله بفضل الاجراءات الشديدة التي ركنت لها الحكومة العراقية ، ولم تستطع الجماهيراسقاطه كما اسقطت معاهدة بورتسموث عام 1948 .
لكن استطاع عبد الكريم قاسم من سحب العراق من هذا الحلف بعد قيامه بثورة 14تموز عام 1958.