تـقـديـم:
يقدم القضاء الإداريي خدمات جليلة للوطن والمواطنين، تنصب على قضايا ذات صبغة اجتماعية محضة، تختلف عن القضاء الجنحي والجنائي.
فبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الإدارة أكثر ارتباطا بالأفراد وأكتر احتكاكا بهم، بعدما تخلفت عن الدور التقليدي أو ما يعرف بالوظائف السيادية المتمثلة في الحفاظ على النظام العام.كما أن سلطات واختصاصات الإدارة قد توسعت في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ممانجم عنه في الكثير من الأوقات التعسف في استعمالها في اتخاذ بعض القرارات سواء كانت هذه الأخيرة خاطئة أو لأسباب أخرى.
وفي مقابل سلطات الإدارة هناك حقوق للإفراد تقرها القوانين و التنظيمات، و تتعرض أحيانا للانتهاك والخرق، وأمام هذه العلاقة الجدلية نشأ ما يسميه علم القانون الإداري بالمنازعات الإدارية التي تعتبر الرقابة القضائية أهم وسائلها.
ويسمى القضاء الذي يختص بحل المنازعات الإدارية بالقضاء الإداري و ينقسم إلى شقين:
ü قضاء التعويض ( يطالب فيه الأفراد بتعويض الضرر الذي لحقهم من جراء عمل إداري)
ü قضاء الإلغاء ( يطالب فيه الأفراد بإلغاء قرار إداري مشوب بأحد عيوب عدم الشرعية)
وتختلف الرقابة الإدارية على أعمال الإدارة من بلد لآخر، فهناك بلدان تأخذبالنمط الأنجلوسكسوني الذي يتنبى القضاء الموحد،وأخرىتأخذ بالنمط الفرانكفوني الذي يتنبى القضاء المزدوج[1].
بالنسبة للتنظيم القضائي المغربي، فبعد صدور قانون 90 ـ 41 في 3/11/193 والذي دخلت أحكامه حيز التطبيق في 1/03/1994 (المادة 51) أصبح المغرب يتوفر على جهتين قضائيتين، الأولى جهة القضاء العادي تتكون من المحاكم الابتدائية والمحاكم التي تعين مقراتها ودوائر نفودها وعدد موظفيها بمرسوم، إضافة إلى المجلس الأعلى ومقره بالعاصمة.
والثانية جهة القضاء الإداري و تتكون من المحاكم الإدارية التي يحدد تنظيمها وتأليفها واختصاصها بقانون، أما مقراتها ودوائر اختصاصها فتحدد بمقتضى مرسوم إضافة إلى الغرفة الإداري بالمجلس الأعلى، وهي تعتبر محكمة استئناف بالنسبة لأحكام المحاكم الإدارية.
وعموما،ففي ظل نظام وحدة القضاء ببلادنا لم يكن للدفع بعدم الاختصاص النوعي سوى وظيفة ثانوية أو احتياطية، ومع إحداث المحاكم الإدارية أصبح الدفع بعدم الاختصاص النوعي متبوئ لموقع مركزي باعتباره وسيلة لازمة لتفعيل ضوابط توزيع الاختصاص بين المحاكم العادية والإدارية[2].
و عليه، إلى أي حد يعتبر القضاء الإداري المغربي حاسما في حماية الحقوق والحريات؟
بناءا على ما سبق، سنقسم هذا البحث إلى فصلين الأول نتناول فيه سير المحاكم الإدارية و وأسباب إنشاءها (الفصل الأول: سير المحاكم الإدارية وأسباب إنشاءها ) والثاني سنخصصه لاختصاصاتها( الفصل الثاني: اختصاصات المحاكم الإدارية ).
الفصل الأول: سير المحاكم الإدارية وأسباب إنشاءها
نتيجة لتضافر مجموعة من العوامل المختلف جاء ميلاد المحاكم الإدارية لتساهم بهيكلتها وتنظيمها في مجال حماية الحقوق والحريات في مواجهة تجاوزات الإدارة.
فأمر إنشاء المحاكم الإدارية يعد من بين أهم التطورات التي عرفتها بلادنا على مستوى المؤسساتي، حيث شكل قيمة مضافة وآلية جديدة في الميدان الحقوقي وكذا خطوة إيجابية لتحقيق دولة الحق والقانون.
ومنه سنتحدث في البداية عن أسباب إنشاء المحاكم الإدارية( المبحث الأول) من ثم نتطرق لتأليفها والإجراءات المسطرية ( المبحث الثاني).
المبحث الأول: أسباب إنشاء المحاكم الإدارية
بمناسبة تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وجه الملك الراحل الحسن الثاني خطابه يوم 8 ماي 1990، أبرز فيه الدورالطلائعي الذي ستلعبه المحاكم الإدارية في حماية هذه الحقوق، إلا أننا لا يمكن أن نعتبر الوضعية الداخلية هي وحدها التي أنجبت هذا المولود الجديد، وإنما هناك تأثير الأوضاع الدولية نتيجة مظاهر الصراع في المجتمع الدولي التي من الممكن أن نساهم في توجيه المشرع الوطني والتعجيل وباتخاذ القرار إحداث المحاكم الإدارية[3].
ولدراسة المحاكم الإدارية ينبغي الوقوف بدءا ذي بدأ على أسباب إنشاءها:
المطلب الأول: الأسباب الداخلية
ساهمت مجموعة من العوامل الداخلية وتضافرت فيما بينها من اجل بلورة قضاء إداري قصد فرض وتعميم المشروعية وحماية الحقوق[4],
فما كان قانون 90 ـ 41 إلا تعبيرا صادقا عن الأوضاع السائدة بالمغرب[5].
وتعود إنشاء المحاكم الإدارية بالمغرب لعدة اعتبارات منها ما تتعلق باستكمال دولة القانون، ومنها ما تتعلق بتكريس تعايش الفرد والدولة.
استكمال دولة القانون:
كان خطاب السلطة السياسية سابقا يعتمد على الهواجس الأمنية وإعطاءها الأولوية قبل كل شيء، مما نتج عنه بعض الصعوبات التي حالت دون استكمال مقومات وأسس دولة القانون, إلا أنه ومنذ 1975 حدث توافق وإجماع وطني أصبحت بموجبه قضية استكمال الوحدة الترابية للملكة مسألة وطنية، وبعدما طرح مشكل حقوق الإنسان، تغيرت نوع العلاقة بين المجتمع المدني والنظام السياسي الذي أصبح يطمح إلى ترسيخ صرح دولة الحق والقانون بعد أن مر المغرب بتحولات نوعية جد مهمة شملت الميادين السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
إن إصدار القوانين وسن التنظيمات وتحديد العلاقة بين السلطات الأساسية في الدولة، وتوضيح حقوق الأفراد وحرياتهم عن طريق التشريعات لا يكفي لكي يجعل من الدولة دولة القانون، ولا تحقيق الفصل بين السلط وتمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم[6]، بل لا بد من توفير ضمانات تكفل احترام التنظيمات والتشريعات و مهما كانت المحاولات من اجل تقييد سلطات الإدارة بالقواعد الآمرة فإنها مع ذلك تصدر قرارات غير شرعية لأن مخالفة الإدارة للقانون وخروجها عن أحكامه ممكنة دائما، خاصة وان القائمين على الأجهزة الإدارية وعلى تنفيذ القوانين ما هم إلا بشر معرضون للخطأ. ولا يمكن إرجاع الإدارة إلى الطريق الصواب إلى باستخدام الرقابة القضائية على القائمين أعمالها، فهي أكمل أنواع الرقابة وأوفقها، لأن القائمين بها لهم من الدراية القانونية والحياد ما يكفل خضوع الدولة للقانون وعدم مخالفة الإدارة للقوانين ومنعها من الاعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم[7].
وباختصار فتكريس دولة القانون يتمثل في نقطتين أساسيتين:
ü إخضاع الدولة وإجبارها على احترام القانون بمفهومه الواسع بحيث تكون جميع تصرفاتهم قانونية.
ü حماية حقوق الأفراد وحرياتهم بحيث لا يمكن النيل منها إلا عند الضرورة القصوى.
تكريس تعايش الفرد والدولة:
إن زيادة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وزيادة ضخامة آلياتها وتعقد أجهزتها، جعلها في حاجة إلى أفراد للقيام بمختلف نشاطاتها، وهذه الأخيرة زادت من حاجة الأفراد إلى الدولة لتقديم المزيد من الخدمات وزادت من كثرة الترابط بين الفرد والإدارة ومن تعدد فرص التعامل بين الجهتين.
حاجة الدولة للأفراد: بمعنى أن الدولة هي في حاجة دائمة على الأفراد لتوفير أهم وسائل عملها ( العنصر البشري والمالي).
فالعنصر البشري يتحدد في العاملين في مرافق الدولة بمختلف أصنافهم من أجلتسير دواليبها المعتمدة، أما العنصر المالي فيتمثل في رؤوس الأموال التي يقدمها الملتزمون الساعون إلى استثمار أمواله في المشاريع العمومية[8].
بالإضافة إلى حاجة الدولة على الأفراد العاملين لتوفير الجو الملائم للقيام بنشاطها، تحتاج الدولة لموارد وتتمثل في الضرائب والقروض وعلى ما يؤديه الأفراد مقابل الخدمات التي تقدمها لهم.
حاجة الأفراد للدولة: في القرن 18 قال الفقيه "بنتام" مقولته الشهيرة بخصوص الغرض من إنشاء الدولة وهو توفير اكبر قسط من السعادة لأعظم عدد من الناس، فالدولة لم يعد دورها يتمثل فقط في توفير مجموعة من الخدمات لأكبر عدد من الناس، فتدخلها في الميدان الاقتصادي والاجتماعي سينعكس بصورة إيجابية على الجميع مما سيؤدي الى تفادي الأزمات الاقتصادية.
التعايش بين الدولة والفرد: نظر لهذه الحاجة المتبادلة التي بصددها لا يمكن للفرد ان يكون في غنى عن الدولة، ولا الدولة في غنى عن الفرد، فالعلاقة بينها لم تعد علاقة وصاية من طرف الدولة على الأفراد، بل أصبحت علاقة تعايش، وهذا التعايش بين الدولة والأفراد يتطلب إيجاد توازن بين مصالحهما المشتركة والتوفيق بين حاجة كل منهما على الأخر ولتحقيق هذا التوازن لابد من جهاز مستقل يتوفر فيه الحياد ليضمن حقوق كل طرف، وهذا هو دور القاضي الإداري وإليه يطمئن الأفراد وتطمئن الدولة في نفس الوقت[9]، فالقضاء الإداري زيادة على كونه يقوم بدور الحفاظ على التوازن لأنه يقوم بدور اجتماعي متمثل في تكريس التعايش بين الفرد والدولة إضافة إلى دوره في تحقيق العدالة بحيث ان إزالة الكلفة بين الدولة والفرد تؤدي إلى خلق المزيد من الاحتكاك وبالتالي المزيد من القضايا التي توسع من مجال تدخل القاضي الإداري.
المطلب الثاني: الأسباب الخارجية لإحداث المحاكم الإدارية
يعتبر هاجس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من الإشغالات الأساسية لبعضالمنظماتالدولية التيقامت بحملاتواسعة في هذا المجال,والمغرب جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية، فهو عضو في اغلب المنظمات المتواجدة على الصعيد الدولي، حيث صادق على مجموعة من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، لذلك قام بمجموعة من المبادرات واعتماد العديد من الإصلاحات التي من شانها أن تهدف إلى دمقرطة المؤسسات، واحترام حقوق الإنسان ومن ثم السير المضي قدما في مسار تكريسالديمقراطية داخل الدولة.
ويمكن اعتبار المحاكم الإدارية بمثابة استجابة لهذه الحملة الداعية إلى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فالموقع الجغرافي للمغرب والسياسة الخارجية المتبعة مند انهيار النظام الشيوعي، وتأثره بالنظام القانوني والقضائي الفرنسي كمخلفات استعمارية، فرضا على المشرع المغربي الانفتاح اكتر على النظام الغربي خاصة النظام الفرنسي للروابط التاريخية التي تربطهما الأمر الذي جعل النظام القضائي المغربي وثيقة الصلة به في معظم صوره وهو ما يفسر وجود مبررات خارجية تأثر بقوة على تطور القضاء الإداري المغربي تمثلت في الصراع الدولي الذي ساهم في توجيه المشرع الوطني[10].
وفي هذا الإطار، صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 يونيو 1985 ينص في قسمه الثاني على مقتضيات تدعو الدول إلى النظر في إمكانية إدراج تدابير وقواعد في قوانينها الوطنية لتحريم إساءة استعمال السلطة والنص على سبيل إنصاف ضحاياه.
وهذا ما استجاب له المغرب من خلال إنشاء المجلس الوطني الاستشاري لحقوق الإنسان وإحداث المحاكم الإدارية حتى يشرف وضعيته ومركزه على الصعيد الخارجي.
وعلى هذا المستوى، اتخذ المغرب المبادرة المتمثلة في تحقيق شراكة مع المجموعة الاقتصادية الأوربية، وتقديم تسهيلات تحفيزية لرجال الأعمال، جلب المستثمرين الأجانب لا تتوقف على مجرد القيام بإصلاحات اقتصادية ومالية وإعادة النظر في قوانين الاستثمار وتبسيطها بل لابد من القيام موازاة مع ذلك بمجموعة من الإصلاحات التي تمس الجهاز القضائي باعتباره يوفر حماية كبيرة لهؤلاء الاقتصاديين والمستثمرين الأجانب[11].
وهذا ما أكده المغفور له الملك الحسن الثاني بمناسبة تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بقوله إن المناخ الدولي يمكن ان يؤثر على مناخ كل دولة دولة.
المبحث الثاني: تأليف المحاكم الإدارية و الإجراءات المسطرية
إن المحاكم الإدارية هي الأخرى لها هيكلة وتكوين وتنظيم، حيثتباشر المهام المسندة إليها بواسطة جهاز قضائي متكامل و وفق إجراءات مسطرية مقننة. لهذا، سنعمل في هذا المبحث إلى التطرق لتأليف المحاكم الإدارية ( المطلب الأول ) وكذا المسطرة المتبعة في إثارة الدعوى أمامها ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول: تأليف المحاكم الإدارية
يخضع القضاة الذين يتولون العمل بالمحاكم الإدارية لنفس النظام الأساسي المطبق علىبقية رجال القضاء العادي وفق أحكام قانون 11 نونبر 1974، مع مراعاة خصوصيات المهام المنوطة بقضاة المحاكم الإدارية.
و تتكون المحاكم الإدارية من رئيس وقضاة وكتابة ضبط واحدة ولا تعرف الازدواجية في التنظيم كما هو الحال بالنسبةللمحاكمالعادية
التي تفصل بين النيابة العامة وكتابتها، وقضاء الحكم وكتابة الضبط لديه[12].
ويتألف الجهاز القضائي للمحاكم الإدارية من:
رئيس المحكمة الإدارية:
ا شترط في رئيس المحكمة الإدارية أن يكون قاضي من الدرجة الأولى على الأقل، ويعين بمقتضى ظهير ملكي باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، ويخضع لإشراف ومراقبة الرئيس الأول للمجلس الأعلى، ويتولى القيام بمهمتين: إدارية وقضائية[13].
ففيما يخص المهمة الإدارية يتولى رئيس المحكمة الإدارية مجموعة من المهام أهمها:
ü رئاسة الجمعية العمومية للمحكمة الإدارية.
ü يترأس لجنة التحقيق.
ü الإشراف على جميع المراسلات الواردة على المحكمة ولهذا الغرض يحدث كتابة إدارية تتولى تسجيل جميع هذه المراسلات.
أما فيما يتعلق بالمهمة القضائية، فله:
ü تعيينه القاضي أو المستشار المقرر.
ü رئاسة جلسات المحكمة الإدارية.
ü ممارسة مهمة مقرر في بعض القضايا.
ü إصدار الأوامر المبنية على الطلب.
ü البث في القضايا الاستعجالية، مع تقيده في ذلك بالاختصاص النوعي والمكاني.
ü منح المساعدات القضائية.
المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون:
المفوض الملكي هو جهاز محايد يشبه مفوض الحكومة في فرنسا، الذي يعرف الجميع ماله من دراية ودراسة قانونية دقيقة ومتعمقة للقضايا المعروضة عليه، لدرجة أن أهم قرارات مجلس الدولة الفرنسي كانت مرتبطة بأسماء لامعة من مفوضي الحكومة مثل روميو، أوكوك، ريفي، فمفوض الحكومة جهاز مستقل يختلف دوره عن دور النيابة العامة، والنتائج التي يتوصل لها في استنتاجاته كانت في غالب الأحيان أفضل من التي يتوصل إليها القاضي المقرر إذا ما بقي حبيس وثائق الملف، فهو إذن ينير الطريق إلى هيئة الحكم[14].
ويعين المفوض الملكي لسنتين قابلة للتجديد من قبل رئيس المحكمة الإدارية باقتراح من الجمعية العمومية، و بالنظر إلى أهمية دوره كفاعل بالمحاكم الإدارية يراعى في اختياره أن يكون من القضاة دوي التجربة، كما يجوز تكليف بعض قضاة الأحكام في حالة الضرورة للقيام بمهمة المفوض الملكي الرسمي باقتراح من الجمعية العمومية، مع الاحتفاظ بمهمة كمقرر، ولا يوجد ما يمنع أن يكون المفوض الملكي قاضيا مقررا في بعض القضايا، شريطة ألا يجمع بين صفتين معا في قضية واحدة[15].
القضاة والمستشارين:
تتألف المحاكم الإدارية من مستشارين: رئيس من الدرجة الثانية وقضاة مرتبين في الدرجة الثالثة. وكل واحد من هؤلاء يمكن أن يكلف بالتقرير في جميع القضايا، كما يمكن أن يشارك في جميع الأحكام بغض النظر عن درجته.
ويتولى القاضي أو المستشار المقرر، تبعا لدرجته، تجهيز القضايا باتخاذ جميع الإجراءات المسطرية اللازمة، مع أمر بتبليغ المقال والمذكرات، وإشعار الأطراف بالاختلالات التي يرى بضرورة تصحيحها، والقيام بالمعاينات والأبحاث والخبرات التي يراها ضرورية لسير المسطرة، وذلك طبقا لأحكام الفصول 329 إلى 333 من قانون المسطرة المدنية المحال عليها بمقتضى المادة الرابعة من قانون المحاكم الإدارية، وهو يمسك لهذا الغرض سجلا يتولى بمقتضاه جميع الملفات الرائجة بمكتبه، ومراقبة الإجراءات المتخذة إلى حين صدور حكم فيها[16].
كتابة الضبط:
تشكل كتابة الضبط عنصرا مهما ورئيسيا في تكوين المحاكم الإدارية على غرار باقي محاكم المملكة، فهي تعتبر أهم مساعد قضائي، حيث تقوم ب:
ü تلقي المقالات وتسجيلها، واستفاء الرسوم القضائية الواجبة عنها.
ü تسليم الوصولات.
ü فتح الملفات.
ü توجيه الاستدعاءات.
ü تسجيل ما يروج في الجلسات في شكل محاضر رسمية
ü تنفيذ الأحكام الصادرة في المحاكم الإدارية .
وكتاب الضبط يؤدون اليمين القانونية قبل مباشرتهم لمهامهم، وهم مسئولون عن كل تهاون أو إخلال بالواجبات الملقاة عل عاتقهم كرجال قضاء.
المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية أمام المحاكم الإدارية
تعد المسطرة المدنية القاعدة الأساسية في رفع الدعاوى في القضايا الإدارية بمقتضى المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية والتي تنص على أنه: " تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك".
ولما كانت للقضايا الإدارية خصوصيات تميزها عن غيرها لاتصالها بالقانون الإداري الذي يهدف بالأساس إلى تحقيق المصلحة العامة وضمان حسن سير الإدارة فإن قانون إحداث المحاكم الإدارية قرر مجموعة من الإجراءات الشكلية التي يلزم احترامها في الدعاوى الإدارية.
الإجراءات المتعلقة بمقال الدعوى:
لقد اشترط المشرع أن تكون المسطرة كتابية أمام المحاكم الإدارية، حيث تنص المادة 3 من قانون 90 ـ 41 على أن القضايا ترفع إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، ولقد ارتأى المشرع من خلال هذا الشرط تكريس حقوق الدفاع، ذلك أن مواجهة الإدارة أمام القضاء يستلزم معرفة شاملة للقوانين والضوابط الإدارية، وهذا بالضبط لن يتأتى للمواطن العادي إلا بمؤازرة المحامي وإلا ضاع حقه بمجرد الإخلال بأبسط الإجراءات الشكلية.
والعريضة المرفوعة أمام المحكمة الإدارية يلزم أن تتضمن مجموعة من البيانات والمعلومات المتعلقة بالأطراف سواء تعلق الأمر بالشخص العمومي أو الشخص الطبيعي كالصفة والأسماء العائلية والمهنة والموطن ومحل الإقامة، إلا جانب هذا لابد من أن تتضمن العريضة موضوع الدعوى والوسائل والوقائع وترفق بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها. كما يرفق بالمقال الافتتاحي للدعوى بعدد من النسخ يساوي عدد الخصوم عند تعددهم، وعند إيداع العريضة بكتابة ضبط المحكمة الإدارية، يسلم كاتب الضبط وصلا بذلك يتكون من نسخة منها يوضع عليها الختم وتاريخ الإيداع.
وبعد تسجيل الدعوى يحال ملف القضية من طرف رئيس المحكمة الإدارية إلى قاض مقرر، وإلى المفوض الملكي للدفاع عن القانون ومهمة القاضي المقرر هي القيام بالإجراءات الأولية حيث يصدر أمرا بالتبليغ ويعين تاريخ النظر في القضية وإشعار الأطراف إلى وجوب تقديم المذكرات والمستندات قبل الجلسة.
وإذا كانت القضية غير جاهزة للحكم يمكن إرجاع الملف إلى القاضي المقرر ليتخذ الإجراءات الضرورية.
الإجراءات المتعلقة بجلسات المحكمة الإدارية:
تعقد المحاكم الإدارية جلساتها وتصدر أحكامها علانية، وهي متركبة من ثلاث قضاة يساعدهم كاتب الضبط، ويتولى رئاسة الجلسة رئيس المحكمة الإدارية أو قاض معين من لدن الجمعية العامة السنوية لقضاة المحكمة الإدارية.
وحضور المفوض الملكي ضروري في الجلسات، رغم كونه لا يشارك في مداولات إصدار الحكم[17].
ويعتبر مبدأ علانية الجلسات من المبادئ المعمول بها في معظم الأنظمة القضائية وبمقتضاها تكون الإجراءات التي تقوم بها المحكمة قبل إصدار الحكم علانية وللقاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الأطراف أن يأمر بجعلها سرية حفاظا على النظام أو مراعاة للآداب والأخلاق الحميدة[18]( الفصلان 43، 339 من قانون المسطرة المدنية).
و شفوية الجلسات مكملة لعلانية الجلسات، ولا يقع فيها الاكتفاء بالمناقشة الشفوية بل يجب تقديم وتبادل المذكرات بين الأطراف[19] حتى يتسنى توثيق مختلف الوقائع، وذلك لكون معيار الحضور في رحاب المحاكم الإدارية لا يتطلب الحضور في الجلسة بقدر ما يتطلب الإدلاء بالوثائق المكتوبة، فالمسطرة المتبعة كما سبقت الإشارة هي مسطرة كتابية يكفي فيها وضع مذكرات كتابية لصدور حكم حضوري.
وعندما تنتهي المحكمة من دراسة القضية وتصل إلى نتيجة، فلابد من تلاوة منطوق الحكم شفويا في جلسة علنية في حالة لم تكن الجلسة سرية. وبعد النطق بالحكم لا تستطيع المحكمة التراجع عنه أو تعديله أو تغييره.
ولا ينبغي أن يشمل الحكم ما لم يطلب به الخصوم، إعمالا لقاعدة القاضي لا يمكن أن يحكم بأكثر مما يطلب منه.ويوقع أصل الحكم من طرف الرئيس والقاضي المقرر وكتابة الضبط، وتصدر الأحكام وتنفذ باسم جلالة الملك.[20]
إجراءات الطعن في أحكام المحاكم الإدارية:
تبقى أحكام القضاة نسبية، حيث قد تصيب الصواب كما يمكن أن تزيغ عنه. لهذا كان لابد من إعطاء الأطراف المحكوم عليهم حق الطعن حتى يتسنى لهم تدارك العدالة بالسبل القانونية.
وإذا كان قانون المسطرة المدنية قد نص على عدة طرق للطعن منها العادية ( التعرض و الاستئناف)، وطرق الغير العادية ( إعادة النظر، التعرض الخارج عن الخصومة، النقض ). فإنه في مجال أحكام المحاكم الإدارية لا يمكننا أن نمارس إلا طريقة الطعن بالاستئناف.
ويقع الطعن بالاستئناف داخل أجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم، وتقدم العريضة من لدن محام وهي معفاة من الرسوم القضائية[21] ( المادتين 48.45 من قانون 41.90).
وتحتسب مدة 30 يوما ابتداءا من اليوم الذي يلي يوم التبليغ، ولا يدخل في حسابها اليوم الذي انتهى فيه، إلا إذا صادف يوم عطلة، لأن الأجل يمتد إلى أول اليوم يليه.
وينبغي احترام اجل الاستئناف، لأنه إذا حصل وقدم خارج الآجل المطلوب، فإن المجلس الأعلى يحكم بعدم القبول، وبالتالي يبقى الاستئناف رهينة السلطة التقديرية المرتبطة بالنظام العام.
ويقدم طلب الاستئناف لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم المطعون فيه، ثم يسجل في سجل خاص ويوجه مرفقا بالمستندات إلى كتابة ضبط المجلس الأعلى[22]، مما قد يؤدي إلى تأخير البث في النزاع بسبب الوقت الذي قد يستمر فترة طويلة جراء ما تتطلبه المراسلة لأجل طلب الملف الاستئنافي.
الفصل الثاني: اختصاصات المحاكم الإدارية
يعد الاختصاص القضائي هو الصلاحية القانونية لهيئة قضائية ما للنظر في نزاعات معينة، وهذا ما سيدفعنا للحديث عن الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية الشيء الذي يمكن أن يترتب عنه العديد من الصعوبات، وهنا لابد من التذكير بأن تنازع الاختصاص، قد يكون حول الاختصاص المحلي أو النوعي، والذي يهمنا هنا وتماشيا مع منهجية البحث هو تنازع الاختصاص النوعي[23]، والنصوص التي تطرقت له في إطار المحاكم الإدارية[24].
تنازع الاختصاص المحلي: إن أهم تفرقة تتجلى بين تنازع الاختصاص النوعي والمحلي هو كون هذا الأخير لا يعتبر من النظام العام، ومن آثار الدفع بذلك أن يبين الجهة المختصة، كما أنه على المحكمة التي أثير أمامها أن ثبت فيه بحكم مستقل، وهكذا فقد ورد في المواد 14 و 15 و 17 ما يلي: ( سنقتصر على المادتين 14 و15 ).
المادة 14 : تطبق أحكام الفقرات الأربع الأولى من الفصل 16 وأحكام الفصل 17 من قانون المسطرة المدنية على الدفوع بعدم الاختصاص المحلي المثارة أمام المحاكم الإدارية.
المادة 15: تكون المحكمة الإدارية المرفوعة إليها دعوى تدخل في دائرة اختصاصها المحلي مختصة أيضا بالنظر في جميع الطلبات التابعة لها أو المرتبطة بها وجميع الدفوعات التي تدخل قانونا في الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية أخرى.
واعتبارا لنصوص المحكمة في هذا الباب، فإنه نادرا ما تثار مسألة تنازع الاختصاص المحلي.
تنازع الاختصاص النوعي: هو ذو وجهتين إما أن يكون إيجابيا أو سلبيا، فيكون إيجابيا في الحالة التي تعلن فيها كل محكمة أنها هي المختصة بالبث في النزاعات المعروضة عليها، و لا يطرح غالبا هذا التنازع .
وأما في ما يتعلق بالحالة التي يكون فيها سلبيا، فهي الحالة التي تعلن فيها كل محكمة أنها غير مختصة في النازلة المعروضة، والمشرع هنا أعطى عناية خاصة لهذا التنازع وخصه بعدة اعتبارات ذلك رعاية لمصلحة المتقاضين التي قد تتضرر لا محالة من هذا الدفع. وهكذا نجد بأن الدفع بعدم الاختصاص النوعي يعتبر من النظام العام وعلى كل من له مصلحة فيه أن يثره في جميع مراحل إجراءات الدعوى، كما أنه للجهة القضائية المعروضة عليها الدعوى أن تثيره تلقائيا. كما أوجب المشرع على تلك الجهة أن تثبت له بحكم مستقل ولا يجوز لها أن تضمه للموضوع، وهذا ما جاء من المواد 11 و 13 من القانون المنشئ للمحاكم الإدارية.
وكملاحظة، يمكن القول أن توزيع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم العادية يستوجب طريقتين: فإما أن القانون يحدد بدقة المواد التي يرجع النظر فيها إلى كل من الجهتين القضائيتين أو على الأقل إحداهما، وهنا يكون الاختصاص بحكم القانون ,وإما أن المشرع يكتفي بالتعبير عن مبدأ عام نستخلصه بصفة منطقية ما هي أنواع النزاعات التي يرجع فيها بالتتابع لكل جهة قضائية على حدة، وهذه الطريقة تسمى بنظام " القاعدة العامة للاختصاص " ويمكن تعريف هذه الأخيرة " بأنها تعبير عن مبدأ يحدد بصفة مجردة وعامة مجال اختصاص قضائي معين دون الإشارة إلى أي موضوع ملموس بعينه ".
وتجد هذه القاعدة مرجعيتها في قوانين الثورة الفرنسية التي تضع مبدأ فصل السلطات الإدارية[25].
وبعبارة أوضح عندما يكون النزاع يجد حله في تطبيق قواعد القانون العام، فإن الاختصاص يرجع للمحاكم الإدارية وعلى العكس من ذلك فإن المحاكم المدنية والعادية هي التي تتدخل عندما يثير النزاع مسالة تتعلق بتطبيق القانون الخاص.
فالإشكالية المطروحة هنا، إذن هل يمكن أن نعتمد على الفصل الثامن من القانون المنشئ للمحاكم الإدارية لتحديد اختصاصها؟
هذه المادة لا تكفي وحدها لتحديد اختصاص الجهات القضائية في المادة الإدارية بل لابد من استكماله بقاعدة عامة للاختصاص تجد أساسها في مبدأ فصل السلطات القضائية عن السلطات الإدارية الذي يكرس الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية والذي يعتبر أساس وجود قضاء إداري متميز عن القضاء العادي، وتسمح هذه القاعدة العامة بتحديد الاختصاص بالنسبة للحالات التي لم ينص الفصل عليها الفصل الثامن[26].
ويظهر لنا دور المحاكم الإدارية من خلال النص على مجموعة من الاختصاصات المخولة لها، ولقد كان تعدد هذه الاختصاصات متناثرة في مجموع النصوص القانونية فتم حصرها في المادة الثامنة من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، كما جاءت مواد أخرى من نفس القانون مكملة لتحديد هذه الاختصاصات، وفصل أو فرز الاختصاصات المخولة للمجلس الأعلى تبعا للمادة التاسعة، وكذا الاختصاصات المخولة لمحكمة الرباط الإدارية المحدث بموجب لمادة 11 من قانون 90 ـ 41، ومنه إذا رجعنا إلى اختصاصات المحاكم الإدارية نجد هناك اختصاصات عامة و اختصاصات إضافية لمحكمة الرباط الإدارية واختصاصات المجلس الأعلى.
المبحث الأول: الاختصاصات العامة و الخاصة
سنقسم هذا المبحث لمطلبين، الأول يتضمن الاختصاصات العامة للمحاكم الإدارية، أما الثاني سنتطرق فيه إلى الاختصاصات الإضافية المخولة لمحكمة الرباط الإدارية.
المطلب الأول: الاختصاصات العامة للمحاكم الإدارية
عموما يمكن القول أن جميع القضايا التي تدرج في المجال الإداري هي قطعا من اختصاص المحاكم الإدارية، هذا إضافة على أن القانون اعتمد المعيار العضوي إذ اعتبر وجود شخص عام من وراء الأضرار الناتجة عن أفعاله ونشاطاته علة كافية للإقرار باختصاص المحاكم الإدارية، وقد يترتب عن هذا كله إدخال بعض القضايا التي تعتبر خارجة عن النطاق الإداري ضمن اختصاص المحاكم الإدارية.وحسب المادة 8 من القانون السابق تختص المحاكم الإدارية بالبث ابتدائيا في القضايا الآتية:
" تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و 11 من هذا القانون، بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية و دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام.
وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات و الضرائب و نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، و بالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة و النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة و موظفي إدارة مجلس النواب و موظفي مجلس المستشارين، وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.
و تختص المحاكم الإدارية أيضا بفحص شرعية القرارات الإدارية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 44 من هذا القانون "[27].
المطلب الثاني: الاختصاصات الإضافية لمحكمة الرباط الإدارية
يمكن أن نرجع اختصاص محكمة الرباط الإدارية بالنزاعات المرتبطة بالوضعية الإدارية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم إلى دور السلطات المركزية في كل دعوى تقام في مواجهتهم، فضلا على أن بعض المعينين بظهير شريف في وضعية مزدوجة، فالعامل على سبيل المثال يعد حسب ظهير 15 فبراير 1977 ممثلا لجلالة الملك ومندوبا للحكومة في العمالة أو الأقاليم الذي يزاول فيه مهامه.
إلى جانب أنه رجل السلطة الأساسي الذي بواسطته يمارس السيد وزير الدولة في الداخلية وصايته على مجالس العمالات والأقاليم، الأمر الذي دفع المشرع إلى قصر الاختصاص على محكمة الرباط الإدارية، باعتبارها العاصمة الإدارية والسياسية للمملكة المغربية، بالإضافة إلى شبهة التأثر في المطالبة أمام محكمة إدارية محلية. مما يشكل إخلال جسيما بمبدأ تكافئ الفرص ووحدة جهة التقاضي.
وفي موضوع اختصاص محكمة الرباط مكانيا، نذكر بأن هذا الحسم جاءا نظرا لتدخل المشرع لا لسكوته خاصة وان هناك إشكالا قانونيا كان يسيطر بالنسبة للذين يعنيهم الأمر حالة تعدد مقار سكناهم بأكثر من جهة والذي ترك فيه الاجتهاد الفرنسي لرافع الدعوى اختيار المكان، على خلاف المشرع المغربي الذي اتجهت إرادته منذ عام 1958 إلى قصر درجات التقاضي في هذه الحالة أمام ابتدائية الرباط في مسائل القانون الدولي الخاص[28].
وفيما يتعلق بهذا الموضع ذهب أستاذنا الدكتور عبد القادر بينة إلى أنه: " تدرج محكمة الرباط الإدارية بين مختلف المحاكم الإدارية، وتخضع على العموم لنفس التنظيم والتسيير اللذين تخضع لهما هذه المحاكم، لكن نظرا لخصوصية وموقع مقرها في العاصمة الإدارية للملكة، فإن مشروع القانون أضاف إليها اختصاصات إضافية وأكد على بعض الاختصاصات التي كانت مضافة من قبل إلى المحكمة الابتدائية بالرباط فيما يتعلق ببعض الطعون الخاصة بالتشريعات لانتخابية أعضاء مجلس النواب.
وطبقا للمادة 11 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية 90 ـ 41، نجد أن الاختصاصات الإضافية لمحكمة الرباط الإدارية تترجم بصورة قاطعة رغبة المشرع في النظر في النزاعات المتعلقة ب:
ü الوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم لما لها من الأهمية.
ü بالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم ( أي في المصالح الإدارية المغربية الموجودة خارج التراب الوطني ).
المبحث الثاني: اختصاص المجلس الأعلى ومحاكم الاستئناف الإدارية
المطلب الأول: محاكم الاستئناف الإدارية
أحدثت هذه المحاكم الاستئنافية, بموجب قانون رقم 80.03 صادر في 14 فبراير 2006[29],(*)بعد إحداث المحاكم الإدارية بالقانون رقم 41.90 بتاريخ 10 سبتمبر 1993, أي بفرق زمني لمدة ثلاثة عشر سنة تقريبا.
و يحتوي هدا القانون على 7 أبواب, تتضمن واحد وعشرين مادة التي تخص أحدات هده المحاكم و كيفية تركيبها و اختصاصاتها و عن المساعدة القضائية و اجل الاستئناف و كيفية الطعن بالنقض في أحكامها و ذلك كالأتي:
أولا: كيفية تكوين محاكم الاستئناف الإدارية
تتكون هذه المحاكم من :
_ رئيس اول و رؤساء غرف و مستشارين
_ كتابة الضبط
و يمكن تقسيم هذه المحاكم الى عدة غرف حسب انواع القضايا المعروضة عليها.
ويساعد الهيئة القضائية في القيام ببعض المهام, المفوض الملكي للدفاع عن القانون و الحق, الذي يتولى تعيينه الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف الادارية. وذلك من بين المستشارين و باقتراح من الجمعية العمومية لمدة قابلة للتجديد.
و تعقد هذه المحاكم جلساتها و تصدر قراراتها, و هي متركبة من ثلاثة مستشارين من بينهم رئيس يساعدهم كاتب الضبط, اما عن المفوض الملكي للدفاع عن القانون و الحق فان حضوره ضروريا للادلاء باراءه مكتوبة مع امكانية توضيحها شفويا لهيئة الحكم بكامل الاستقلال سواء فيما يتعلق بالوقائع او القواعد القانونية المطبقة عليها, و ذلك بالنسبة لكل قضية على حدة بالجلسة العامة.
و يحق لاطراف الدعوى الحصول على نسخة من مستنتجات المفوض الملكي.
و تظل لهيئة الحكم ضلاحية الاستعانة برءيه تبعا لقنلعته بما يدلي به من مواقف و اقتراحات.
و تلافيا لاي تاثير مباشر منه على هيئة الحكم, فان القانون لم يخوله صلاحية المشاركة في مداولات المحكمة.
اما عن تاريخ بدا العمل بهده المحاكم فقد حدد بشهر من تاريخ نشر المرسوم المحدد لعددها المشار اليه اعلاه.
ـ اختصاصات محاكم الاستئناف الادارية
تختص محاكم الاستئناف الإدارية – بموجب المادة 5 من القانون بالنظر في استئناف احكام المحاكم الادارية و اوامر رؤسائها ماعدا اذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة.
كما اسثنيت المادة 5 صراحة من اختصاص تلك المحاكم الاحكام الصادرة عن المحاكم الادارية في المنازعات الانتخابية و كذا فيما احيل عليها من اجل تقدير شرعية القرارات الادارية فان استئنافها يكون امام الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى.
اما عن النزاعات الاستعجالية المعروضة على هذه المحاكم فينظر فيها الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف او نائبه باعتباره قاضي المستعجلات
ـ المساعدة القضائية و إجراءات الطعن بالاستئناف
تخضع المساعدة القضائة و اجراءات الطعن بالاستئناف لمقتضيات المواد من 7 الى 1 من قانون 2006 بشان احداث محاكم استئناف ادارية.
المساعدة القضائية: تنظر محكمة الاستئناف الادارية – بموجب المادتين 7و 8 - في مسالة الساعدة القضائية عند الطعن بالاستئناف في القرار الصادر عن رئيس المحكمة الادارية برفض منح المساعدة القضائية وذلك بعد احترام اجرائاته التي تتمتل في احترام اجل اطعن أي برفعه خلال 15 يوما من تاريخ التبليغ ان يحال مقال الاستئناف مع مستنداته على محكمة الاستئناف داخل اجل 15 يوما من تاريخ وضع المقال لدى كتابة الضبط بالمحكمة الادارية.
و تتولى غرفة المشورة-على اثر ذلك –البت في طلب الاستئناف المتعلق بمنح المساعدة القضائية داخل اجل خمسة عشر (15) من تاريخ احالة الملف إليها طبقا للشروط المنصوص عليها في المرسوم الملكي لفاتح نوفبر 1966 بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية
و في حالة قبل طلب المساعدة القضائية عند رفعه لدى المحكمة الادارية فان قرار المساعدة يسري على المرحلة الاستئنافية و المجلس الاعلى
وتتعلق تلك المساعدة –بدفع اتعاب المحامين في القضايا التي تستلزم حضور الدفاع- من طرف الخزينة العامة وذلك لاجل ضمان الالتزام الجدي للدفاع عن القضايا المعروضة امام المحكمة و ايلائها ما تستحقه من عناية سواء تعلق الامر باعداد الملفات او القيام بالمساندة الفعلية لطالبي المساعدة القضائية.
وتقتصر المساعدة القضائية، فقط على تعيين الدفاع – كما سبق أن بينا – ولا تسري على الرسوم القضائية على اعتبار أن طلبات الإستئناف معفية من تلك الرسوم المادة 10,ومن ما يميز مقتضيات المادتين 7 و 8 من شان المساعدة القضائية التنصيص على مسطرة سريعة لإحالة الملف والبث فيه.
إجراءات الطعن بالاستئناف: يتم استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية داخل أجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم وذلك وفق المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 134 وما يليه إلى الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 وتبعا لآخر تعديلاته.
و يوقع المحامي على المقال المكتوب و على ما يتطلبه ملف الدعوى من تعقيبات و مذكرات جوابية وذلك عملا باحكام المادة 31 من قانون المحاماة (218) الذي ينص على ان المحامين المقيدين بجدول هيئة المحامين بالمملكة هم وحدهم المؤهلين لتقديم المقالات و المستندات و المذكرات الدفاعية في جميع القضايا.
أما ما يتعلق باستئناف قضايا الدفع بعدم الاختصاص النوعي، فتظل مقتضياته المنصوص عليها في المادة 13 من قانونإحداث المحاكم الإدارية سارية المفعول. ويحيل المجلس الأعلى الملف بعد البت فيه إلى المحكمة المختصة (المادة 12 من قانون إحداث محاكم الاستئناف الإدارية).
ولا يترتب عن الطعن بالاستئناف – في الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ قرار إداري – أي أثر واقف، إذ تظل للإدارة الصلاحية في الاستمرار في تنفيذ قرارها ما لم تنته مختلف مراحل التقاضي، تطبيقا لمبدأ الفاعلية الإدارية الذي يقضي بتنفيذ القرارات الإدارية بأثر فوري. وذلك خلافا لما يسري في مجال القضاء العادي.
كما وأن القرارات الغيابية الصادرة عن محاكم الاستئناف لا تقبل التعرض المادة 14 بهدف تحقيق السرعة في تطبيق المساطر. وهو حافز للمتقاضين لتتبع الجدي للقضايا المرفوعة أمام المحاكم.
ويتعين تطبيق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية، وقانون إحداث المحاكم الإدارية أمام محاكم الاستئناف الإدارية، ما لم ينص قانون على خلاف ذلك.
الطعن بالنقض: تخضع الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية للطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى، داخل أجل ثلاثين (30) يوما من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه.
وتطبق في شأن مسطرة النقض القواعد الواردة في قانون المسطرة المدنية, و يتم تنفيذ الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية من طرف المحاكم الإدارية المختصة (المادة 18).
و خول القانون – المذكور سالفا -، للمجلس الأعلى وهو يبت في الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية، حق التصدي للبت في دعاوى الإلغاء نظرا لأهمية دعوى الإلغاء المتجلية في المراقبة التي يمارسها القضاء على أعمال الإدارة[30].
المطلب الثاني: اختصاص المجلس الأعلى بصفته محكمة للنقض
سطر الظهير الشريف رقم 223 ـ 57 ـ 1 الصادر بتاريخ 27 شتنبر 1957 المحدث للمجلس الأعلى للقضاء قواعد تنظيمه واختصاصاته[31]، وأدخلت عليه تعديلات بمقتضى الظهير الشريف المتعلق بالتنظيم القضائي للملكة بتاريخ 15 يوليوز [32]1974، وبمقتضى 90 ـ 41 المحدث للمحاكم الإدارية[33].
وتقتصر سلطة المجلس الأعلى مبدئيا على البحث في موافقة الحكم المطعون فيه للمبادئ والنصوص القانونية أو عدم موافقته لذلك، فإن وجد المجلس الأعلى الحكم متفقا مع تلك المبادئ والنصوص القانونية قضى برد الطعن، وفي حالة العكس فإنه يقضي بنقض الحكم فقط و إعادة ملف القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض أو إلى محكمة أخرى مساوية لها من حيث الدرجة، وذلك حتى تعيد النظر في جوهر النزاع في ضوء المبادئ والأسس القانونية التي وردت في قرار النقض، ولا تمتد رقابته إلى تقدير الوقائع التي هي من اختصاص محكمة الموضوع[34].
ويبت المجلس في مجموعة من القضاياالأعلى ما لم يصدر نص بخلاف ذلك ، محددة كالآتي:
ü الطعن بالنقض ضد الأحكام الانتهائية التي تصدها جميع المحاكم المملكة.
ü الطعون الرامية إلى إلغاء المقررات الصادرة عن السلطة الإدارية للشطط في استعمال السلطة.
ü الطعون المقدمة ضد الأعمال والقرارات التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم.
ü البث في تنازع الاختصاص بين محاكم لا توجد محكمة الأعلى درجة مشتركة بينهما غير المجلس الأعلى.
ü مخاصمة القضاة والمحاكم غير المجلس الأعلى.
ü الإحالة من أجل التشكيك المشروع.
ü الإحالة من محكمة إلى أخرى من أجل الأمن العمومي أو لصالح حسن سير العدالة[35].
وسنشير هنا فقط للاختصاصات المجلس الأعلى المرتبطة بالنزاعات الإدارية، إذ يختص بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة ب:
ü المقررات التنظيمية الفردية الصادرة عن الوزير الأول.
ü قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية[36].
ويكون المجلس الأعلى المرفوعة إليه دعوى تدخل في اختصاصه ابتدائيا وانتهائيا مختصا أيضا بالنظر في جميع طلبات التابعة لها أو المرتبطة بها وجميع الدفوعات التي تدخل ابتدائيا في اختصاص المحاكم الإدارية[37].م
منقول