رد الاعتبار الجزائي (القضائي والقانوني )

يمكننا تعريف رد الاعتبار القضائي على أنه : إزالة حكم الإدانة بالنسبة إلى المستقبل على وجه تنقصي معه جميع آثاره وذلك بناء على طلب من المحكوم عليه الذي يصبح ابتداء من رد اعتباره بموجب حكم من المحكمة في مركز من لم تسبق إدانته، أما رد الاعتبار القانوني فهو أن يعاد اعتبار المحكوم عليه بقوة القانون وذلك بمرور مدة معينة من تاريخ تنفيذ العقوبة كاملة اذا لم يصدر أثناء تلك المدة حكم جديد بعقوبة جنائية او جنحية (62) ، ولا يكون المحكوم عليه بحاجة لان يقدم طلبا لاستعادة اعتباره كما لا يكون هناك حاجة لان يصدر حكم قضائي بذلك ، وإنما يعاد الاعتبار إليه بطريقة آلية وبقوة القانون ، ويتميز نظام رد الاعتبار القانوني عن نظام رد الاعتبار القضائي في أن الأول لا يحتاج لأي نوع من الإجراءات او من التحقيق ، وليس فيه من الصعوبات والمخاطر التي يتعرض لها المحكوم عليه عندما يطلب رد الاعتبار عن طريق القضاء لان من يطلب رد اعتباره قضائيا قد لا يتمكن من إثبات حسن سلوكه واستقامته فيخفق في الحصول على حكم برد اعتباره فيرفض طلبة وعندئذ لا ينال المحكوم عليه ، سوى الأذى الناجم عن علانية الإجراءات أثناء التحقيق وعند نظر الدعوى فيتكشف ماضيه الذي كان يحرص على حكم برد اعتباره فيرفض طلبة وعندئذ لا ينال المحكوم عليه سوى الأذى الناجم عن علانية الإجراءات أثناء التحقيق وعند نظــر الدعوى فيتكشف ماضــــــيه الذي كان يحرص على أن يبقيه مستورا (63)
كل هذه المشاكل ليس لها وجود في نظام رد الاعتبار القانوني لأنه حتمي ولا وجه لرفضه من قبل أية جهة طالما أن القانون يقرره بمجرد مرور فترة زمنية معينة من تاريخ تنفيذ العقوبة . ويقوم نظام رد الاعتبار القانوني على قرينة حسن السلوك المفترض لمجرد مضي مدة تجربة طويلة نسبيا دون أن يصدر خلالها حكم بعقوبة جنائية او جنحة وهو يحصل بصورة تلقائية دون أن يقتضي طلبا من المحكوم عليه او تحقيقا او قرارا من أية جهة ، وعلى هذا الأساس فان المحكوم عليه الذي لم يسلك طريق القضاء لاستعادة اعتباره او الذي رفض القضاء طلبه ، يستطيع أن يحظى برد الاعتبــــار القانوني وذلك بــــأن ينتـظر مدة الزمن يزول على أثرها حكم الإدانة بقوة القانون.
وهذا النوع من رد الاعتبار كان محل اعتراض لدى البعض لأنه يسمح لشخص ذي سلوك غير مستقيم بأن يستعيد اعتباره ما دام انه لم يصدر بحقه حكم بالإدانة لارتكاب جريمة معينة . أي أن رد الاعتبار القانوني بقيامه على قرينة مطلقة قد يتيح الفرصة لان يستفيد منه غير الجدير به(64)
لذلك فان بعض التشريعات لم تأخذ به بادئ الأمر كالتشريع الفرنسي والتشريع المصري ، كما أن هناك بعض التشريعات الأخرى التي أخذت به ثم عدلت عنه كالتشريع الايطالي . ورغم ما قيل عن مآخذ هذا النظام إلا أن رد الاعتبار القانوني لا يخلو من فائدة ، فهو بحكم تكوينه يخلو – كما قلنا – من إجراءات التحقيق بشأن سلوك المحكوم عليه ، وما يحيط ذلك من علانية مما يوقظ في ذاكرة الناس جريمته وعقوبته وهو ما يحرص المحكوم عليه على إخفائه عن الآخرين دوما . لذلك فان الكثير من المحكومين يحجمون عن طلب رد اعتبارهم عن طريق القضاء وينتظرون مضي المدة اللازمة لكي يستعيدوا اعتبارهم بحكم القانون ، لأنهم لا يرغبون في كشف ماضيهم .لذا فإن رد الاعتبار القانوني يبقى ضروريا سيما وان فترة التجربة التي يوجبها القانون حتى يمكن للمحكوم عليه أن يستعيد اعتباره هي فترة طويلة نسبيا بحيث تصلح لان تكون قرينة على حسن سلوكه وعلى جدارته برد الاعتبار إليه(65)
وعلى أي حال فان مسألة جدارة او عدم جدارة المحكوم عليه برد الاعتبار إليه هو أمر نسبي يختلف باختلاف نوع العقوبة المحكوم بها ، فان كانت العقوبة جنحة فهذا يعني أن الجريمة المرتكبة هي جريمة بسيطة ولا تدل على خطورة إجرامية كبيرة ولا شك أن مضي فترة التجربة المحددة في القانون دون أن يصدر عليه خلالها حكم جديد بعقوبة جنائية او جنحة فان ذلك يعتبر قرينة كافية على حسن سلوكه وبأنه يستحق رد الاعتبار إما إن كانت العقوبة التي أدين بها المحكوم عليه هي عقوبة جنائية فان ذلك يعني انه قد ارتكب جريمة على جانب من الخطورة ، وإزاء ذلك فان المشرع يستطيع أن يطيل المدة الزمنية لفترة التجربة إلى المدى الذي يمكن معه أن يكون قرينة على حسن سلوك المحكوم عليه ، كذلك فان المشرع اذا رأى أن الجريمة المرتكبة هي على جانب كبير من الخطورة يستطيع أن يحرم ذلك المحكوم عليه من أن يعاد إليه اعتباره بقوة القانون ويترك له أن يسلك طريق القضاء لكي يسترد اعتباره بواسطة حكم قضائي يصدر بعد التحقق تماما من حسن سلوك المحكوم عليه .(66)


رد الاعتبار التجاري

يقصد برد الاعتبار التجاري تمكين المفلس من استعادة الحقوق التي سقطت عنه، واستــرداد مركزه في الهيئة الاجتماعية ورفع الوصمة التي لحقته في عالم التجارة (67). ولقد قررت بعض القوانين (68) بان يخضع المدين الذي أشهـر إفلاسه للمحظورات وسقوط الحق المنصوص عليها في القانون . وتستمر هذه المحظورات وسقوط الحـق قائمة حتى رد الاعتبار ما لم توجد أحكام قانونية تخالف ذلك .
وتكمن العلة من رد الاعتبار التجاري في أن حرمان المفلس من الاحتـرام والمساس بكرامته وإذلاله وتحقيره بين الناس وإشعاره بنقص اعتباره ، وتهديده حتى يبذل قصارى جهده لتفادي الإفلاس، ولكن يجوز إنهاء هذا الحرمان إذا توافرت شروط معينة ويسمى برد الاعتبار التجاري (69) و يتفق رد الاعتبار التجاري والجزائي في جملة من الأمور فكلاهما يتيحان عودة الحقوق السياسية والمدنية لمن سلبت منه ويعتبران بمثابة الاعتراف الاجتماعي بصلاح المحكوم عليه .كما- يتضمن كل منهما رد الاعتبار بقوة القانون و- يجوز رد الاعتبار في كل من المواد التجـــــارية والجزائية حتى بالنسبة للمتوفى . كما أن إن العقوبات والجزاءات التي يريد طالب رد الاعتبار محوها فـي رد الاعتبار الجزائـي أو حكم الإفلاس والتسوية القضائية في رد الاعتبار التجاري كلاهما محل تسجيل في صحيفـة السوابق القضائيـــة . (70)
أما عن نقاط الاختلاف : في رد الاعتبار التجاري يرد الاعتبار لكل تاجر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا أشهـر إفلاسه , أما في رد الاعتبار الجزائي فالمشرع لم يتطرق أصلا إلى رد اعتبـار الشخص المعنوي المحكوم عليـه فـي جريمة (71) .فالأشخاص الطبيعيين المحكوم عليهم بشهر إفلاسهم أو بالتسوية القضائيـة يسجل الحكم في صحيفة السوابق القضائية كما سبق ذكره .
ورد الاعتبار الجزائـي مجاله الجريمة بمعنى العقوبة ، أما في رد الاعتبار التجاري فمجاله التجارة بمعنى الإفلاس والتسويــة القضائية ، أي أن رد الاعتبار التجاري خاص بالمفلس ، بينمـا رد الاعتبار الجزائي المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجزائية خاص بمن حكم عليه في جناية أو جنحة .

مقتبس من بحث منشور