من أهل الدار
الصبر كميل يا زكية
تاريخ التسجيل: August-2012
الدولة: مُرني
الجنس: ذكر
المشاركات: 14,201 المواضيع: 2,060
صوتيات:
2
سوالف عراقية:
0
مزاجي: كده..اهو ^_^
آخر نشاط: 16/July/2024
المفهوم المطلق و المفهوم المرن لمبدأ الفصل بين السلطات في النظامين الرئاسي والبرلماني
المفهوم المطلق و المفهوم المرن لمبدأ الفصل بين السلطات ثم اشرح كل من النظام الرئاسى و النظام البرلمانى ؟
المفهوم المطلق و المفهوم المرن لمبدأ الفصل بين السلطات
إن توزيع السلطات على هيئات متعددة تتخصص كل منها في عمل معين لا يعني بالضرورة تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات. ذلك أن تعدد السلطات قد يكوم مقروناً بتركيزها في يد شخص أو هيئة، كما قد يكون متسماً بتدرج السلطات. ومن ثم يتعين علينا أن نبدأ بتحديد مفهوم كل من تركيز السلطات وفصل السلطات ثم ننتقل إلى تطبيقات كل من المبدأين في النظم المعاصرة.
مفهوم تركيز السلطة ومفهوم فصل السلطات
يعني تركيز السلطة عدم الفصل بين السلطات التي تتولى مهام الدولة المختلفة ومزجها واستيلاء فرد أو هيئة على جميع السلطات. وهذا الأسلوب يولد مخاطر كثيرة منها التحكم والمساس بالحريات وسوء الإدارة. لأن من يتولى جميع السلطات لا يجد من يراقب أعماله أو ينتقد سياسته: والسلطة بلا مراقبة وبلا نقد يمكن أن تؤدي إلى الوقوع في أخطاء جسيمة. وقد عبر عن ذلك لورد أكتون أحد كبار السياسة والمفكرين والبريطانيين قائلاً « إن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة » ويشهدنا التاريخ على أن للسلطة نشوة تعبث بالرؤوس، وقد وصلت هذه النشوة برؤوس بعض عظماء التاريخ من ذوي السلطان المطلق – مثل الإسكندر ونابليون وهتلر – إلى القيام بتصرفات تحمل طابع الجنون.
غير أن الأنظمة السياسية المعاصرة لا تعلن صراحة أنها تأخذ بمبدأ تركيز السلطات، وإنما تحرص على تأكيد أنها توزع السلطات على هيئات متعددة. ولكن الواقع أن كثيراً من هذه النظم المعاصرة تأخذ بتدرج السلطات، بحيث تكون السلطة الحقيقية في يد شخص واحد أو هيئة واحدة، بينما تكون الهيئات الأخرى مجرد هيئات تابعة أو ثانوية.
أي أن كثيراً من النظم المعاصرة تبقى على فكرة تعدد الهيئات، ولكنها لا توزع السلطة بينها توزيعاً عادلاً، وإنما تميز إحدى الهيئات وتمنحها اختصاصات واسعة وتجعل منها هيئة عليا تسيطر على الهيئات الأخرى.
ويذهب بعض المفكرين إلى أن ظاهرة تدرج السلطة التي تعتبر الصورة المعاصرة لتركيز السلطة تفشت في كل النظم المعاصرة سواء أكانت ديمقراطية أم دكتاتورية. ويتحصل الفارق بين النظم الديمقراطية والنظم الدكتاتورية في أن تركيز السلطة في النظم الدكتاتورية يتم لصالح فرد يفرض على الشعب فرضاً بينما يتم تركيز السلطة لصالح فرد يمثل الشعب في النظم الديمقراطية.
ونحن لا نتفق مع هذا الرأي، إذ ليس صحيحاً أن كل النظم المعاصرة نبذت الفصل بين السلطات وتبنت مبدأ تركيز السلطة أو تدرج السلطات. فالنظام الرئاسي الأمريكي لا زال يطبق مبدأ الفصل بين السلطات، وكذلك تطبقه النظم البرلمانية وعلى رأسها النظام الإنجليزي
فصل السلطات :
لا يذكر مبدأ الفصل بين السلطات إلا مقترناً باسم مونتسكيو الذي كان أول من صاغه صياغة متكاملة في كتابه روح القوانين 1748. ولكن المبدأ الذي أرساه مونتسكيو عندما تولاه الساسة والفقهاء بالشرح اختلفت تفسيراتهم. ولذا يتعين أن نبدأ بدراسة صياغة مبدأ الفصل بين السلطات ثم نتبعه بالتفسيرات التي أعطيت لهذا المبدأ.
صياغة مبدأ الفصل بين السلطات :
يميز الفكر السياسي منذ أرسطو بين عدة وظائف داخل الدولة. غير أن مبدأ الفصل بين السلطات، وهو مبدأ يذهب إلى أبعد من مجرد التمييز بين سلطات الدولة أو توزيع السلطات، لم يظهر في الفكر السياسي إلا على يدي لوك عام 1689، ثم أوضحه ببراعة مونتسكيو في مؤلفه " روح القوانين " الذي صدر سنة 1748. وقد سيطر مبدأ الفصل بين السلطات منذ منتصف القرن الثامن عشر على التاريخ الدستوري في الولايات المتحدة وفرنسا منذ الثورة سنة 1789. كما كان مؤثراً على النظم السياسية في كافة البلاد الأوربية.
وقد صاغ مونتسكيو مبدأ الفصل بين السلطات في صفحات اكتسبت شهرة عالمية: ونقطة البداية عند مونتسكيو هي أن وظائف الدولة الأساسية ثلاث: الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية. ويتعين لضمان الحرية إعمال مبدأ الفصل بين السلطات. وعلة ذلك، في رأي مونتسكيو، هو أن « كل إنسان يمسك بالسلطة يميل إلى إساءة استعمالها، ولا يتوقف إلا عندما يجد أمامه حدوداً »، « ولمنع إساءة استعمال السلطة يجب ترتيب الأمور بحيث توقف السلطة السلطة ».
ويضيف مونتسكيو « أن الحرية السياسية لا توجد إلا في ظل حكومات معتدلة، أي حكومات ليست استبدادية، لأن الاستبداد يكون مصحوباًَ بالعنف. والحكومات المعتدلة تأخذ شكلين: الجمهورية التي قد تكون ديموقراطية أو أرستقراطية، والملكية ». ورغم ذلك فإن الحرية السياسية لا توجد دائماً في كل الدول المعتدلة، إن الحرية لا توجد إلا عندما لا يساء استعمال السلطة؛ وقد أثبتت التجربة دائماً إن كل إنسان بيده سلطة ينزع إلى إساءة استعمالها، وهو يتمادى إلى أن يجد حدوداً ».
ويستطرد مونتسكيو« من يصدق ؟ إن الفضيلة نفسها تحتاج إلى حدود » وهو يقصد بالفضيلة هنا الفضيلة السياسية أي حب الوطن والمساواة والديمقراطية ... إلخ. « عندما يجمع شخص واحد أو هيئة واحدة وظيفتي التشريع والتنفيذ، تختفي الحرية لأنه يخشى في هذه الحالة أن يقوم من يتولى السلطة بإصدار قوانين ظالمة وينفذها بطريقة ظالمة ». وهكذا تبدو واضحة ضرورة فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية. ومن ناحية أخرى «تختفي الحرية إذا كانت سلطة إصدار الأحكام القضائية غير منفصلة عن سلطتي التشريع والتنفيذ. فإذا تم الجمع بين السلطة القضائية وسلطة التشريع فإن السلطة على حياة الأفراد وحرياتهم تكون تحكمية، لأن القاضي سيكون مشرعاً. وإذا تم الجمع بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، فإن سلطة القاضي ستكون سلطة استبدادية. إن كل شيء يمكن أن يضيع إذا جمع شخص أو هيئة بين السلطات الثلاث: سلطة وضع القوانين، وسلطة تنفيذ القرارات وسلطة الحكم في الجرائم وفي المنازعات بين الأفراد».
هذه هي أشهر فقرات كتاب روح القوانين. ونخلص منها إلى أن مونتسكيو يرفض كل تركيز للسلطة، لأن تركيز السلطة يؤدي إلى تهديد وجود الحرية ذاته.
لقد اعتبرت الثورة الفرنسية أن فكرة مونتسكيو عن مبدأ الفصل بين السلطات شبه مقدسة، ولكن الفكر المعاصر ينظر إلى مونتسكيو باعتباره من رواد علم الاجتماع السياسي أكثر من كونه فقيهاً قانونياً. فلم يكن مونتسكيو يدعي أنه صاغ فكرة مقدسة. وإنما أرسى مبدأ من مبادئ فن السياسة، وقد استخلص هذا المبدأ من ملاحظاته على ما يجري على مسرح السياسة في إنجلترا.
تفسير مبدأ الفصل بين السلطات:
هناك تفسيران لمبدأ الفصل بين السلطات الأول هو تفسير فصل السلطات على أنه فصل مطلق جامد والثاني تفسير فصل السلطات على أنه فصل نسبي مرن.
التفسير الأول : الفصل الحاسم أو المطلق بين السلطات: هذا التفسير الأول لمبدأ الفصل بين السلطات أثر على واضعي دستور الولايات المتحدة 1787 والدستور الفرنسي الصادر في 3 سبتمبر سنة 1791. بحيث نجد هذين الدستورين قد أقاما فصلاً جامداً بين السلطات, وخاصة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
ويبدو أن من عاصروا مونتسكيو فهموا أنه يوصي بفصل عضوي بين الوظائف أكثر من الفصل بين السلطات. ولقد اعتقدوا أن الحكومة والبرلمان والقضاء كل منها هيئة لها وظيفة معينة، ومن ثم يجب أن تحدد نفسها بها وتقتصر على مجرد القيام بهذه الوظيفة. على البرلمان أن يشرع القوانين، وعلى الحكومة أن تقوم بتنفيذه، وعلى القضاء أن يحكم في المنازعات التي تنشأ أثناء تنفيذ القوانين.
إن تفسير المبدأ على هذا النحو من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى فصل جامد بين السلطات وإلى وضع حواجز صماء بينها. ذلك أنه إذا كانت كل سلطة سياسية ستجد أن سبب وجودها هو الوظيفة التي تمارسها فإنها ستنغلق على نفسها لمجرد أداء هذه الوظيفة، وتمنع نفسها من التدخل أو الاعتداء على السلطة المجاورة لها.
ولكن هذا التفسير ليس هو التفسير الصحيح الذي يمكن الخروج به من قراءة كتابات مونتسكيو. وعلى أية حال فإن مونتسكيو كان متأثراً بالنظام الإنجليزي، وفي ظل هذا النظام كان هناك تعاون بين السلطات قد بدأ ينمو. وفي ملاحظاته على الدستور الإنجليزي يقول مونتسكيو عن العلاقة بين البرلمان والحكومة: « إن هذه السلطات يجب أن تصل إلى درجة من عدم النشاط أو إلى نوع من الراحة نتيجة حق كل منها في إيقاف الأخرى، ولكن السير الطبيعي للأمور يحتم أن تعمل هذه السلطات وأن تتحرك. ولذا فهي مجبرة على العمل متعاونة مع بعضها ومنسقة جهودها ».
إن الإشارة إلى تنسيق الجهود والتعاون يعني أن الفصل بين السلطات ليس جامداً أو مطلقاً وإنما هو فصل مرن.
التفسير الثاني: الفصل المرن بين السلطات:
إذا كنا نخلص من مجموع الأفكار المتعلقة بمبدأ الفصل بين السلطات إلى ضرورة تخصص هيئات الدولة في وظائف وأعمال محددة تتولى القيام بها، فإن هذا يجب ألا يجعلنا ننسى أمراً لا يقل عن ذلك أهمية، ألا وهو ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة. ومعنى ذلك ضرورة قيام صلات بين السلطات، طالما أن هذه السلطات ليست سوى تروس في آلة واحدة: وهي الدولة.
وعلى ذلك فمن الأفضل أن يقال إن المطلوب هو استقلال السلطات ، وليس الفصل بين السلطات ، خاصة وأن عبارة الفصل بين السلطات لم ترد في كتابات أي من لوك أو مونتسكيو. ومن الواضح أن هذا التفسير المعقول المرن لم يتقبله واضعو الدساتير في أواخر القرن الثامن عشر؛ لأن شاغلهم الأول كان القضاء على الأنظمة الاستبدادية مسلحين بأفكار مونتسكيو إلى حد تفسيرها تفسيراً جامداً.
لقد عرف مبدأ الفصل بين السلطات مجداً لم يلقه أي مبدأ أخر. ولكن في نظمنا المعاصرة ظهرت وسائل لمراقبة الحكام تعتمد على مبادئ أخرى مثل المعارضة كوسيلة لمراقبة محركي السياسة، غير أن مبدأ الفصل بين السلطات لا زالت له أهمية وخاصة عند تصنيف النظم السياسية: فالمبدأ يعتبر الركيزة لأحد أهم التصنيفات المعروفة وهو التصنيف الذي يعتمد على العلاقة بين السلطات العامة. فالنظام الرئاسي قائم على فصل السلطات فصلاً جامداً، بينما يقوم النظام البرلماني على التعاون بين السلطات وتبادل المعلومات والرقابة.
تطبيقات تركيز السلطة وفصل السلطات
في دراستنا للتطبيقات الحديثة والمعاصرة لتركيز السلطة وفصل السلطات نبدأ بدراسة تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات أو بالأحرى استقلال السلطات، وأهمها النظام البرلماني والنظام الرئاسي، ثم ننتقل إلى تطبيقات تركيز السلطات وتدرج السلطات وأهمها النظام المجلسي أو نظام حكومة الجمعية والنظام شبه الرئاسي.
نظم أساسها الفصل بين السلطات
إن تفسير مبدأ الفصل بين السلطات أدى إلى نشأة نظامين متوازنين ومختلفين النظام الأول مستوحى من الفصل المطلق بين السلطات وهو النظام الرئاسي، والنظام الثاني هو تطبيق الفصل المرن بين السلطات وهو النظام البرلماني. وسنعرض لكل من هذين النظامين وخصائصهما وأهم تطبيقاتهما في العالم المعاصر.
( أ ) النظام الرئاسي
تأثر واضعو الدستور الأمريكي 1787 بكتابات لوك ومونتسكيو، وكان تفسيرهم لمبدأ الفصل بين السلطات على أنه يعني الفصل المطلق بين السلطات وعلى ذلك أرسى الدستور الأمريكي مبدأين : مبدأ الاستقلال العضوي لكل سلطة، ومبدأ التخصص الوظيفي.
ويقصد بالاستقلال العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، مستقلة عن السلطتين الأخريين، وخاصة في مجال التكوين والحل. فرئيس الولايات المتحدة ينتخب بواسطة الشعب ولا يمكن مساءلته أمام البرلمان. والكونجرس يتم اختيار أعضائه من الشعب ولا يملك الرئيس الأمريكي حل البرلمان.
أما التخصص الوظيفي فيقصد به أن تختص كل سلطة من السلطات الثلاث بوظيفة معينة بذاتها. فلا يجوز لأي سلطة أن تجاوز وظيفتها إلى غيرها مما يدخل في اختصاص سلطة أخرى.
إن الاستقلال العضوي والتخصص الوظيفي لا يعني عدم التعاون في أداء الوظائف، فكل سلطة تتعاون مع الأخرى في أداء الوظيفة المعهود بها إليها وقد نما هذا التعاون مستقلاً عن النصوص القليلة الموجودة في دستور سنة 1787، والتي لم تشتمل إلا على عناصر ضئيلة متعلقة بالتعاون الوظيفي.
خصائص النظام الرئاسي:
1- وحدة السلطة التنفيذية: يعهد بالسلطة التنفيذية إلى شخص واحد هو الرئيس الأمريكي الذي يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ويساعد الرئيس عدة من السكرتيرين، وهم يقابلون الوزراء في النظام البرلماني، إلا أنهم لا يملكون سلطة في إصدار القرارات. ويستمد الرئيس سلطاته من كونه منتخباً من الشعب في مجموعه. ونتيجة لذلك فهو يتمتع بمركز قوي. وهو مستقل عن الكونجرس الذي لا سلطة له في اختياره، كما أنه لا يملك مساءلته سياسياً.
2- يعين الرئيس السكرتيرين ويعزلهم، كما أن السكرتيرين لا يكونون مجلس وزراء مستقل عن الرئيس. ومن ناحية أخرى ليس للسكرتيرين حق أن يكونوا أعضاء بالكونجرس؛ إذ لا يجوز الجمع بين سكرتارية الوزراء وعضوية البرلمان أي الكونجرس بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
3- للرئيس أن يقترح قانوناً وخاصة في رسالته السنوية التي يوجهها إلى الكونجرس، والتي تعتبر بمثابة برنامج تشريعي للسنة التالية، ولكن البرلمان يستطيع أن يرفض اقتراح الرئيس حتى لو تعلق الأمر بالميزانية، ولا يملك الرئيس وسيلة لإجبار الكونجرس على الموافقة على اقتراحاته.
4- لا يملك الكونجرس أن يحرك مسئولية الرئيس السياسية أو مسئولية أي من الوزراء أي السكرتيرين. وفي مقابل ذلك لا يملك الرئيس حل الكونجرس.
5- تتخصص كل سلطة في الوظيفة المعهود بها إليها: فالسلطة التنفيذية يتولاها الرئيس. وكل المهام التشريعية يتولاها الكونجرس، أي أن التخصص الوظيفي هو المبدأ العام. هذا مع مراعاة أن هناك استثناءات على هذا المبدأ وهذه الاستثناءات بعضها تجد مصدرها في الدستور نفسه مثل حق الفيتو الممنوح للرئيس في مواجهة القوانين التي وافق عليها الكونجرس وحق مجلس الشيوخ في الاعتراض على تعيين كبار الموظفين الفيدراليين. وهناك استثناءات نبعت من التطبيق العملي مثل حق الرئيس في اقتراح التشريعات عن طريق رسائل يبعث بها إلى الكونجرس.
( أ ) النظام البرلماني:
يقوم النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويوجد بالنظام البرلماني رئيس دولة وإلى جانبه رئيس للوزارة: رئيس الدولة يسود ولا يحكم أما رئيس الوزارة فيتولى مسئولية الحكم. ويتكون البرلمان عادة من مجلسين.
وتتميز العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالتعاون والرقابة المتبادلة مما يجعل النظام متسماً بالتوازن. ويبدو التعاون في إمكان مساهمة السلطة التنفيذية في عملية التشريع. إذ بينما يحظر على الرئيس الأمريكي اقتراح القوانين، يجوز للحكومة في ظل النظام البرلماني أن تقدم مشروعات قوانين البرلمان، بل إن أكثر من 90% من التشريعات في النظم البرلمانية ذات أصل حكومي.
أما الرقابة المتبادلة فتظهر في حق الحكومة في حل البرلمان، وإمكان مساءلة الحكومة أمام البرلمان عن طريق السؤال والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها.
ويوجد في العالم اليوم عديد من الدول التي تتبنى النظام البرلماني أهمها: في أوربا: بريطانيا وجمهورية ألمانيا الاتحادية والنمسا وإيطاليا ولوكسمبورج وأيرلندا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج وإيسلندا والدانمارك. وفي آسيا: اليابان والهند. وفي أستراليا: أستراليا ونيوزلنده. وفي أمريكا الشمالية: كندا.
خصائص النظام البرلماني:
1- ثنائية السلطة التنفيذية: من خصائص النظام البرلماني ثنائية السلطة التنفيذية، إذ يوجد رئيس دولة، سواء أكان ملكاً أم رئيس جمهورية، يسود ولا يحكم وإلى جواره يوجد رئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم ويكون مسئولاً أمام البرلمان.
2- مسئولية الوزارة: تسأل الوزارة أمام البرلمان مسئولية جماعية تضامنية ومسئولية فردية. وتعتبر المسئولية التضامنية عن السياسة العامة للحكومة هي أهم ما يميز النظام البرلماني.
3- البرلمان مكون من مجلسين غالباً: ففي إنجلترا يوجد مجلس اللوردات ومجلس العموم وكذلك الحال في أغلب الدول البرلمانية المعاصرة التي أوردنا تعداداً لها فيما سبق. غير أن وجود مجلسين بالبرلمان ليس أمراً ضرورياً لكي يعتبر النظام برلمانياً.
4- التوازن النظري بين السلطات: وهذا التوازن هو نتيجة المساواة بين السلطتين، كما أنه نتيجة لتبادل المعلومات وللتعاون ولتبادل الرقابة والتأثير. فالسلطة التنفيذية لا تتدخل في اختيار أعضاء البرلمان أو في تنظيمه الداخلي ولكن للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد وحق فض دورات انعقاده. ومن ناحية أخرى للبرلمان مساءلة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها. وفي مقابل ذلك لرئيس الوزراء أو لرئيس الدولة حسب الأحوال حق حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
هذه هي المعالم الرئيسية للنظام البرلماني الذي ازدهر في القرن التاسع عشر وكان موضع إعجاب الكثير من الكتاب الأوربيين التقليديين الذين لا يزالون يحلمون بعودة هذا النظام باعتباره نظاماً متوازناً.
غير أن هذا التوازن النظري بين السلطة لم يكن مطبقاً من الناحية العملية بشكل جامد. ويمكن من الناحية التاريخية أن نقول أن البرلمانية مرت بمراحل ثلاث:
مرحلة البرلمانية المزدوجة المتوازنة ثم مرحلة البرلمانية التي يغلب فيها البرلمان مصحوباً بمسئولية الحكومة أمامه وأخيراً المرحلة المعاصرة وهي البرلمانية التي تسود الآن في إنجلترا ولا يمكن أن تثور في ظلها مسئولية الوزارة أمام البرلمان بسبب تكوين الحكومة الإنجليزية ودور الحزبيين السياسيين في إنجلترا.
1- أما عن البرلمانية المزدوجة المتوازنة فهي تلك التي سادت في ظل الملكيات غير المطلقة.
كان الحكم مقسماً بين قطبين سياسيين هامين هما رئيس الدولة والبرلمان، وكان التوازن هو السمة الغالبة على العلاقة بين هذين القطبين وهذه هي البرلمانية التي سادت في إنجلترا قبل حكم الملكة فيكتوريا وفي ظل ملكية يوليوز في فرنسا.
2- وأما عن البرلمانية المطبوعة بالمسئولية الوزارية فهي تلك التي تحددت معالمها بعد الحرب العالمية الأولى. وفي ظل هذه البرلمانية كانت السلطة مركزة في يد البرلمان الذي كان يلعب أهم دور في الحياة السياسية وهذا الدور يكتسب أهمية من أن الحكومة كانت نابعة من البرلمان. فالأغلبية البرلمانية هي التي تكون تشكيل الحكومة ومن هنا كانت الحكومة مجرد لجنة منبثقة عن البرلمان.
ولا يمكن أن تستمر الحكومة في تولي مهام السلطة التنفيذية إلا إذا كانت محل رضاء البرلمان لأنها مسئولة أمامه. أي أن المسئولية الوزارية أمام البرلمان كانت هي المعيار الكافي للحكم على النظام بأنه برلماني وإذا ما فقدت الحكومة ثقة البرلمان فإنها من الناحية القانونية تكون مرغمة على تقديم استقالتها.
3- البرلمانية المعاصرة: في وقتنا الحاضر تعدت البرلمانية هاتين المرحلتين. والمثال الواضح على ذلك هو النظام الإنجليزي. فلم تعد المسئولية الوزارية أو التوازن بين السلطات هي معيار الحكم على النظام بأنه برلماني. ذلك أن نظام الحزبين في إنجلترا غير الوضع فالحكومة الإنجليزية هي لجنة مكونة من حزب الأغلبية داخل مجلس العموم البريطاني. ولذا فإن الحزب الحاكم يسيطر على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يجعل هاتين السلطتين هيئة واحدة من الناحية العضوية كما أن المسئولية الوزارية أمام مجلس العموم لا تنعقد من الناحية العملية، لأن الحزب الحاكم لن يخاطر بسحب الثقة من الحكومة حتى لا يضر بمصالح الحزب، والآن حل محل هذه المسئولية أمام البرلمان أن يحتكم رئيس الوزراء إلى الشعب بحل البرلمان في وقت مبكر وإجراء انتخابات جديدة بحيث تصبح مساءلة الحكومة مباشرة أمام هيئة الناخبين لا أمام البرلمان.
وإذا كانت النظم البرلمانية تختلف في كثير من معالمها فإن المعيار أو الجامع بينها من الناحية القانونية هو مسئولية الوزراء السياسية أمام البرلمان. فيما عدا هذا العنصر المشترك بين النظم البرلمانية هناك عدة نظم برلمانية تبعاً لعدد الأحزاب السائدة في الدولة.
فإذا كان هناك حزبان سياسيان يسيطران على الحياة السياسية كما هو الحال في إنجلترا أو حزب واحد مسيطر كما هو الحال في الهند فإن الحكومة تقوم بممارسة مهمة الحكم والقيادة وهي تتمتع بقدر من الثبات. ولا تكون عرضة للتهديد من جانب البرلمان الذي يتحول إلى مجلس لتسجيل الأحداث والمناقشات.
أما إذا كانت هناك عدة أحزاب ليس من بينها حزب حائز على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان فإن الحكومة ستتكون من ائتلاف بين عناصر غير متناسقة وغير ثابتة. ويرجع عدم الثبات إلى كثرة مساءلة الوزارة من جانب البرلمان وسحب الثقة منها. وهنا يبدو على العكس من الصورة السابقة أن البرلمان هو الجهاز المسيطر على الحياة السياسية. والمثال على هذا نظام الجمهورية الرابعة في فرنسا.
خلاصة ما سبق أن اصطلاح نظام برلماني يغطي في الواقع عدة أنظمة مختلفة اختلافاً كبيراً تبعاً لنظام الأحزاب المتبع في الدولة وهذه الحقيقة تؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من أن النظام السياسي لا يعتمد فقط على النصوص الدستورية وإنما على الاجتماع السياسي. فالنظام البرلماني منصوصاً عليه في دساتير الدول المختلفة واحد وهو يؤكد في جميع الدول البرلمانية على مسئولية الوزارة أمام البرلمان. غير أن هذه النصوص عندما تطبق في مجتمعات مختلفة في تركيبها الداخلي من حيث تعدد الأحزاب أو تبني نظام الحزبين السياسيين أو نظام الحزب المسيطر تؤدي إلى نتائج مختلفة وأحياناً متناقضة.
منقول