.: وقعة الحرة :.
وهي من الوقائع الشهيرة التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية، وقد ذكرها كل المؤرخين وأجمعوا على انَّ أهل الشام قتلوا في هذه الواقعة جمعاً كبيراً من الصحابة ومن أبناء المهاجرين والانصار واستباحوا المدينة المنورة ثلاث أيام بايعاز من يزيد بن معاوية(1).
وسبب هذه الواقعة هو انَّ أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية(2)وعللوا ذلك بفسق يزيد وانَّه لا دين له وانَّه يشرب الخمر ويضرب عنده القيان.
وحتى نوثق ماذكرناه ننقل بعض مانص عليه المؤرخون في شأن هذه الواقعة:
النص الاول: ماذكره ابن الاثير في الكامل، قال:
« كان أول وقعة الحرة ما تقدم من خلع يزيد... فبعث الى مسلم بن عقبة المرِّي وهو الذي سمي مسرفاً وهو شيخ كبير مريض فاخبره الخبر... أمر مسلماً بالمسير اليهم، فنادى في الناس بالتجهز الى الحجاز وان يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار، فانتدب لذلك اثنا عشر ألفاً، وخرج يزيد يعرضهم وهو متقلِّد سيفاً... وسار الجيش وعليهم مسلم، فقال له يزيد... ادع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثاً، فكلُّ مافيها من مال أو دابَّة أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاثة فاكفف عن الناس... وقال: - مسلم بن عقبة - يا أهل الشام قاتلوا... وانهزم الناس... وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال، فافزع ذلك من بها من الصحابة... ودعا مسلم الناس الى البيعة ليزيد على انهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء فمن امتنع قتله... وكانت وقعة الحرة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاثة وستين »(3).
وذكر الطبري ما يقارب هذا النص(4).
النص الثاني: ماذكره اليعقوبي:
« فلمَّا انتهى الخبر الى يزيد بن معاوية وجه مسلم بن عقبة فاقدمه من فلسطين وهو مريض - ثم قص عليه القصة، فقال يا أمير المؤمنين وجهني اليهم، فو الله لأدعنَّ أسفلها اعلاها يعني مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوجهه... الى المدينة فأوقع بأهلها وقعة الحرة... فلم يبق بها كثير أحد إلا قتل، وأباح حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ولدت الابكار لا يُعرف من أولدهن ثم أخذ الناس ان يبايعوا على انهم عبيد يزيد بن معاوية، فكان الرجل من قريش يؤتى به فيقال بايع آية انك عبد قِنٌ ليزيد، فيقول: لا، فيضرب عنقه »(5).
النص الثالث: ماذكره ابن قتيبة في الامامة والسياسة:
« فلمَّا أجمع رأي يزيد على إرسال الجيوش... فدعا مسلم بن عقبة، فقال له: سر الى هذه المدينة بهذه الجيوش... فإن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم وانهبها ثلاثاً، فقال مسلم بن عقبة... لست بآخذ من كل ما عهدت إلا بحرفين... أقبل من المقبل الطائع واقتل المدبر العاصي فقال يزيد... فإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك الحرب فالسيف السيف أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك ان تُبقي عليهم... فمضت الجيوش... وجعل مسلم يقول: من جاء برأس رجل فله كذا كذا، وجعل يُغري قوماً لادين لهم... فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حُلي ولا فراش إلا نقض صوفه حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها »(6).
النص الرابع: ماذكره ابن قتيبة أيضاً:
« انه قتل يوم الحرة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانون رجلا ولم يبقَ بدري بعد ذلك ومن قريش والانصار سبع مئة ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف »(7).
النص الخامس: ماذكره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء:
« وفي سنة ثلاث وستين بلغه أنَّ أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه، فأرسل اليهم جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم ثم المسير الى مكة لقتال ابن الزبير، فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة، وما أدراك ما وقعة الحرة ؟ ذكرها الحسن مرةً فقال: واللهِ ما كادَ ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم، ونهبت المدينة، وافتضَّ فيها ألف عذْراء، فإنا لله وإنا إليه راجعون; قال (صلى الله عليه وآله وسلم): « من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » رواه مسلم »(8).
النص السادس: ماذكره ابن قتيبة:
« انَّ مسلماً لما فرغ من قتال أهل المدينة ونهبها كتب الى يزيد سلام عليك يا أمير المؤمنين... فما صليت الظهر.. الا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانهاب العظيم... وأتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم وانهبناهم ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعز الله نصره »(9).
النص السابع: مانقله سبط بن الجوزي عن المدايني في كتاب الحرة عن الزهري قال:
« كان القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي، وأما من لم يُعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وامتلأت الروضة والمسجد، قال مجاهد: التجأ الناس الى حجرة رسول الله ومنبره والسيف يعمل فيهم... وذكر المدايني عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان: ولدت الف امرأة بعد الحرة من غير زوج وغير المدايني يقول عشرة آلاف امرأة »(10).
هذه بعض النصوص التي ذكرها المؤرخون في شأن واقعة الحرة، ولولا خوف الإطالة لذكرنا لك الكثير من العظائم التي ارتكبت في تلك الواقعة.
وقد لاحظتم انَّ ذلك كان بأمر يزيد بن معاوية، فهو الذي أمر مسلم بن عقبة بإباحة المدينة المنورة ثلاثة أيام، وهو الذي أمر بالإجهاز على الجريح ومتابعة المدبر.
ومن كانت هذه جرءته على هتك حرمات الله جل وعلا كيف يُنتظر منه التحرُّج من قتل الحسين بن علي (عليه السلام).
وذكر سماحة الشيخ رائد الستري في كتاب الهادي المبين ملخصًا عن وقعة الحرة المريرة جاء فيها ما يلي:
.: واقعة الحرة :.
في سنة 63 هـ طلب يزيد بن معاوية من أمير جيشه مسلم بن عقبة المُرِّي، أن يزحف نحو المدينة ويأخذ منهم البيعة لأنهم تمرّدوا بعد واقعة الطف.
فقدم المدينة ونزل حرة واقـم (إحدى حرتي المدينة، وهي الشرقية، والمدينة تقع بين حرتين، والحرة هي الارض ذات الحجار السود وكأنّها محروقة).
وقد رفض أهل المدينة مبايعة يزيد وخرجوا لمحاربته، فكَسَرهم وقتل منهم حوالي رجل من الأنصار والمهاجرين من الصحابة والتابعين، من قريش وغيرهم، من العلويين وغيرهم، ودخل الجُند المدينة وأباحوها لهم، فنهبوا الأموال وسبوا النساء واستباحوا الفروج.
ودفنت مجموعة كبيرة من شهداء الحرّة في البقيع بجوار شهداء أحد.
وذكر أحمد حسين يعقوب في كربلاء، الثورة والمأساة عن حادثة الحرة:
" مسلم بن عقبة "
من أصفياء معاوية، وموضع ثقته، وهو من أعظم المجرمين الذين اصطفاهم معاوية لنفسه، وأعدهم للعظيم من أموره.
أدرك معاوية أنه هالك وميت لا محالة، وأن أهل المدينة سيتمردون ويثورون على ابنه وخليفته من بعده يزيد بن معاوية، ومساعدة لابنه، واستمرارا لمخططه الرامي إلى تفريغ الأرض من المؤمنين الصادقين أوصى معاوية ابنه يزيد، قائلا: " إن رابك منهم ريب، أو انتقض عليك منهم أحد، فعليك بأعور بني مرة، مسلم بن عقبة " (11) (12).
ولما ثار أهل المدينة بعد موت معاوية دعاه يزيد، وكان مسلم مريضا، منهوكا، فعرض عليه قيادة الجيش بناء على وصية أبيه ولما رأى حاله قال له يزيد: " إن شئت أعفيتك "، فجن جنون المجرم وقال ليزيد: " نشدتك الله أن لا تحرمني أجرا ساقه الله إلي ".
من أفعال مسلم بن عقبة قال الطبري: وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الأموال (13)، قال اليعقوبي: " فلم يبق فيها كثير أحد إلا قتل، وأباح حرم رسول الله حتى ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهن " (14).
قال ابن كثير: " قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، وكان قتل بشر كثيرا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها " (15).
وروي عن هشام، قال: " ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج " (16).
وروي عن الزهري أنه قال: " كان القتلى سبعمائة من وجوه المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر أو عبد وغيرهم عشرة آلاف " (17).
وقال السيوطي: " وكانت وقعة الحرة بباب طيبة قتل فيها خلق كثير من الصحابة ونهبت المدينة، وافتض فيها ألف بكر " (18).
قال الدينوري والذهبي: قال رأيت أبا سعيد الخدري ولحيته بيضاء، وقد خف جانباها، وبقي وسطها فقلت: يا أبا سعيد مال لحيتك؟ فقال: " هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي بيتي، فانتهبوا ما فيه حتى أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيها الماء، ثم خرجوا ودخل علي بعدهم عشرة نفر وأنا قائم أصلي، فطلبوا البيت فلم يجدوا فيه شيئا، فأسفوا لذلك، فاحتملوني من مصلاي، وضربوا بي الأرض، وأقبل كل رجل منهم على ما يليه من لحيتي فنتفه، فما ترى منها خفيفا فهو موضع النتف وما تراه عافيا فهو ما وقع في التراب فلم يصلوا إليه، وسأدعها كما ترى حتى أوافي ربي " (19).
هذه بعض أفعال مسلم بن عقبة الذي ادخره معاوية لذلك اليوم وأوصى ابنه يزيد بأن يسلمه قيادة الجيش!!! وهذه أفعال جيش " الإسلام " الذي بناه معاوية، فهل يعقل أن يتصرف تافه مثل مسلم بن عقبة هذه التصرفات التي لم يعرف بشاعتها التاريخ دون علم ومباركة سيده ومولاه وصفيه!!!.
يزيد يأمر بمذبحة المدينة: كتب مسلم بن عقبة بعد مذبحة الحرة رسالة إلى " أمير المؤمنين يزيد بن معاوية " جاء فيها: " فما صليت الظهر إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع، والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف، وقتلنا من أشرف لنا منهم، واتبعنا مدبرهم، وأجهزنا على جريحهم وانتهبناها ثلاثة كما قال أمير المؤمنين " (20).
قال الطبري إن يزيد بن معاوية أمر مسلم بن عقبة، قائلا: " ادع القوم ثلاثا فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا فما فيها من مال أو ورقة أو سلاح أو طعام فهو للجند..".