المرصد الفلكية في العراق بين الماضي والحاضر
أ.م. د. عبد الرحمن حسين صالح المحمدي
قسم الفلك والفضاء
كانت الحضارة البابلية رائدة في علم الفلك والرصد الفعلي لحركة الأجرام السماوية وخاصة الشمس والقمر وذلك جلي في آثارهم ولم تنتهي ملاحظة العراقيين للسماء ولكنها انطلقت بنشاط وظهرت المراصد الفلكية الأولى في العالم الإسلامي من بغداد وفي وقت مبكـّر من قيام الحضارة الإسلامية ونهضتها العلمية والثقافية، وذلك في عصر الدولة العباسية ففي عهد المأمون وفي مدينة بغداد اجتمع أمهر الفلكيون وقاموا ببناء المراصد الفلكية المتخصصة وبناء على أرصادهم انطلق الفلك وتطوّر في كل بقاع الأرض.
من خلال ما وصل إلينا من أخبار المراصد الفلكية القديمة في العالم الإسلامي وفي بغداد بالذات وهي أربعة مراصد:
1- مرصد الشماسية وهو أول مرصد بني في الإسلام في بغداد.
2- مرصد أبناء موسى بن شاكر.
3- مرصد ابن الاعلم.
4- مرصد شرف الدولة البويهي.
1- مرصد الشماسية في بغداد
وهو مرصد أو مكان للرصد لا نعرف تفاصيله بشكل دقيق يقع في حي الشماسية ببغداد، ويعد هذا المرصد الفلكي الأول في الحضارة الإسلامية في زمن المأمون216هجرية.
تمت فيه أولى الأرصاد الفلكية حين ذاك وعند نجاحه أسس مثله مرصد في جبل قاسيون بدمشق بأمر من الخليفة المأمون المتوفي سنة 218 هجرية وضمن برنامج علمي دقيق اهتم بشكل خاص بالشمس والقمر . ومن الذين رصدوا في هذا المرصد الفلكي يحيى بن ابي منصور والفلكي الفلكي العباس الجوهري والفلكي سند بن علي، مستخدمين آلات فلكية صنـُعت على غرار الآلات الفلكية اليونانية , ومن انجازات هذا المرصد جداول فلكية جديدة عرفت بالأزياج الفلكية.
2- مرصد ابناء موسى بن شاكر في بغداد
وهو مرصد فلكي أجرى فيه أولاد موسى بن شاكر أرصادهم الفلكية، وأولاد موسى بن شاكر هم محمد واحمد والحسن وقد اشتهروا بعلوم الفلك والرياضيات والفيزياء وقد اجروا ارصداهم الفلكية في أواسط القرن الثاني الهجري اي بعد وفاة الخليفة العباسي عبد الله المأمون سنة 218 هجرية.
3- مرصد ابن الاعلم في بغداد
وهو مرصد فلكي أو مكان للرصد الفلكي يقع في مدينة بغداد عاصمة الخلافة العباسية، في هذا المرصد أجرى العالم الفلكي الشريف ابو القاسم ابن الأعلم الذي عاش في بغداد اجرى أرصاده الفلكية مستخدما في ذلك آلات فلكية متنوعة وكبيرة صنع الكثير منها من نفقته وقد استعان ابن الأعلم بالحاكم البويهي عضد الدولة الذي أبدى اهتماما بة كمنجم وفلكي ومن انجازاته انه قاس ميل فلك البروج بطريقة دقيقة جدا انه يبلغ 23 درجة و34 دقيقة وثانيتين وذلك لا يتم الا من خلال آلات كبيرة.
4- مرصد شرف الدولة في بغداد
وهو مرصد فلكي كبير ومهم ومنظم بني في مدينة بغداد بحدائق القصر الملكي في عهد شرف الدولة بن عضد الدولة البويهي , وهذا المرصد كان أكثر تطوراً من المراصد البغدادية الأخرى التي سبقته وخاصة من حيث التنظيم و الادارة وقد تضمن برنامج العمل في المرصد رصدا للكواكب السيارة السبعة بأمر من شرف الدولة البويهي وفي هذا المرصد عمل عدد من كبار الفلكيين منهم العالم الفلكي ويجن الكوهي، والعالم الفلكي والرياضي أبو الوفاء البوزجاني، والعالم الفلكي الصاغاني، وكانت نتائج أرصاد المرصد تسجل محضر علمي في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.
وذكر جمال الدين القفطي انه تم رصد الكواكب السبعة في مسيرها وتنقلها في بروجها على مثل ما كان المأمون فعله في أيامه، وعوّل على أبي سهل بن رستم الكوهي في القيام بذلك وكان حسن المعرفة بالهندسة وعلم الهيئة متقدماً فيهم الى الغاية المتناهية ,وقد بنا دار المملكة في آخر البستان وأحكم أساسه وقواعده مما يلي باب الحطابين .
المراصد الحديثة في العراق:
1- مرصد البتاني شمال بغداد.
2- المرصد الفلكي الوطني العراقي على جبل كورك.
3- مرصد قسم الفلك والفضاء في جامعة بغداد.
4- مرصد مراقبة الأقمار في جامعة بابل.
5- مراصد الأنواء الجوية منتشرة في مناطق مختلفة من العراق.
وسنتكلم عن المرصدين الأول والثاني لأهميتهما:
1- مرصد البتاني في الطارمية شمال بغداد
أنشئ عام 1981م. وكان يحتوي على تلسكوبين بصريين الأول عاكس 40 سم. على صحن إسمنتي يرتفع 8 متر عن ارض الموقع والآخر كاسر 32سم. وبناية تتضمن مختبرات وقاعة وغرف وإدارة ومطبخ كما يحتوي على هوائيات للرصد الراديوي . وفي عام 2003 تعرض للتخريب والنهب ثم احتله الجيش وتعرضت البناية فقط للتفجير وعلى أثر ذلك تم نقل التلسكوبات العاطلة مع القبب إلى بغداد بأمر من رئاسة جامعة بغداد.وكما في الصور الآتية :
2- المرصد الفلكي الوطني العراقي على جبل كورك
تم اختيار جبل كورك في ناحية خليفان / أربيل في منطقة كوردستان العراق كأفضل موقع للرصد الفلكي من قبل الباحثين والعلماء في المراكز الفلكية في العالم وخاصة لدى اتحاد الفلكين العالمي والمرصد الفلكي البريطاني والمرصد الفلكي الأمريكي في أريزونا بالإضافة الى الأقسام العلمية المختصة وذات العلاقة في جامعة بغداد ( قسم الفيزياء والفلك ) وجامعة السليمانية ( قسم الفيزياء ) ومجلس البحث العلمي و في بداية السبعينات من القرن الماضي وساهم الأخصائيون في هذه الأقسام العلمية وبحماس لا نظير له ومن بينهم الفلكي العراقي د. عبد العظيم السبتي من جامعة بغداد ود. حميد مجول النعيمي من مجلس البحث العلمي العراقي وبعض الفلكين العراقيين الهواة مثل ميخائيل عبد الأحد وجورج حبيب ومدير الأنواء الجوية عبد الغني وخاصة بعد ان ثبتت الدراسات إن قمة جبل كوره ك من أحسن المواقع الملائمة لإنشاء هذا المرصد في منطقة الشرق الأوسط وذلك لكونها تمتاز بتوفر 252 ليلة صافية في السنة خالية من الغبار والتلوث و ترتفع عن سطح البحر بحوالي 2127 م وبعيدة عن مناطق الإضاءة والتلوث والهزات الأرضية. وبدأت اعمال لتهيئة الارض وتعبيد الطرق وحسب المواصفات العالمية سنة 1978م. ثم لتقوم اتحاد الشركات مان وكروب كارل سايز الألمانية بأعمال بناء المرصد المكون من قبتين وملحقاتها مع منصة ا لتشغيل التلسكوبات المجهزة والمكونة من :
1- تلسكوب راديوي بقطر30 م لدراسة الموجات الملي مترية في الفضاء وفد تم انجاز العمل فيه سنة1986 م.
2- -تلسكوب بصري بقطر 3.5 م لرصد النجوم والمجرات وتم انجاز القبة التي ترتفع 35 متر ومغروسة في قمة الجل عشرات الأمتار.
3- تلسكوب بصري بقطر 1.25 م لرصد النجوم وقد تم انجازه مع القبة عام 1986م.
تم ضرب المرصد من قبل الطائرات الإيرانية عام 1987م , وعلى أثر ذلك انسحبت الشركات من إتمام العمل وتم نقل الحاويات التابعة للمرصد إلى بغداد لتبقى حتى تفقد صلاحيتها وهي مازالت في بغداد إلى الآن.
وقد قام وفد من قسم الفلك والفضاء - كليّة العلوم-جامعة بغداد برئاسة د كمال محمد وعضوية د. عبد الرحمن حسين ود. نهاد علي وبرعاية وفد من جامعة صلاح الدين برئاسة د. إسماعيل موسى مع عدد من الطلبة والباحثين من جامعة بغداد بزيارة المرصد الفلكي على قمة جبل كورك في يوم 29\11\2012 وقد لاحظنا أن المرصد تعرض فعلا للقصف بالطائرات فقد قصفت قبة التلسكوب الكبير وكذلك التلسكوب الراديوي كما تعرض التلسكوب الراديوي والتلسكوب الصغير إلى التخريب والنهب حيث كانا بمرحلة اختبارات التشغيل لغرض استلامهما من شركة زايس الألمانية عام 1987م. و فيما يأتي الصور الحديثة للمرصد :
مجلة علوم الالكترونية