هذه ليلتي
جورج جرداق
ينام الناس ويبقى العاشق المغرم المفتون يتأوه احزانه . يشكوها لظلمة الليل يناجي القمر ويحاكي النجمات
يزفر ويبكي ويصرخ بصوت لا يسمعه غيره .. يمد يده الى ليل مظلم ظالم لا ينصف يبكي ويشكي ويتوجع
ينادي يقول .. لي فيك يالليل آهات ارددها .. اوهُ لو تنفع المحزون اواهُ ...
يتجرع مرارة البعد والفراق .. يسلي نفسه بأهات وآهات ..ويوجع قلبه بنبضات تسمعها اذنيه وتزلزل كيانه يظن أن كل من في الارض يسمعها .. ينتظر من الناس أن يرثو لحاله .. يحرق صدره بزفرات محرقه مضنيه لو اتت على هشيمً لأحرقته ..
دائماً ما يشتكي العشاق من الليل حيث تعود أسراب الهموم المهاجرة إلى وكناتها، وتتفتح أزهار الأرق في حقول الصب، وتمر أمامه أطياف حبيبته تداعب ظنونه وتوقد الوهم في هشيم ذكرياته.
ولكن ليلة شاعرنا التي سوف نعيشها معه من خلال هذه القصيدة كانت مختلفة عن ليالي المعذبين، حيث تهادى المساء مع النسيم العليل المخضب بلون الأرجوان والمعتق بعبير الياسمين والمشبع بخيالات الندامى، حمل النسيم كل فراشات الحب وبعثرها في ليلة قمراء وراح الشوق يشد نجوم الليل كي لا تغيب، وهمسات الصمت تدافع عن تخوم الهوى وتكتم أنفاس الصباح.
ولكن شاعرنا أدرك أن هذا الحلم الذي يعيشه لا بد سينتهي وأن الليل سوف يلملم أطرافه عند طلائع الصباح، وتهجر العصافير أوكاره وتذبل الأزهار في بساتين قلبه وتصبح الدار التي كانت عامرة بالحب قفراً وتراه غريبًا عنها.
وشاعر هذه القصيدة هو اللبناني جورج جرداق يجمع أسلوبه بين الأصالة والتراث والمعاصرة والتجديد وعرف شعره بالغنائية الرومانسية العذبة.
والقصيدة من البحر الخفيف.
هّذِهِ لَيلِتي وَحُلْمُ حَيَاِتي
بَينَ مَاضٍ من الزّمانِ وَآتِ
الهَوَى أَنَتَ كُلُّه والأمَانِي
فَاملأ الكأسَ بِالغَرامِ وَهَاتِ
بَعدَ حِينٍ يُبدّلُ الحُبُّ دَارَا
وَالعَصَافِيرُ تَهجُرُ الأوكَارَا
وَدِيارٌ كَانَت قَدِيمًا دِيارَا
سَتَرَانَا، كَمَا نَرَاهَا، قِفَارَا
سَوفَ تَلهُوبِنا الحَياةُ وتَسخَر
فَتَعَالَ أُحِبُّكَ الآنَ أكثَر
وَالمسَاءُ الذِي تَهَادَى إِلينَا
ثُمَّ أصغَى وَالحُبُّ في مُقلَتينَا
لسُؤَالٍ عَنِ الهَوَى وَجَوَابٍ
وَحَدِيثٍٍ يَذُوبُ في شَفَتينَا
قَد أَطَالَ الوُقُوفَ حِينَ دَعَانِي
لِيَلُمَّ الأشواقَ عَن أَجفانِي
فَادن منّي وخُذ إِليكَ حَنَاني
ثُمُّ أَغمضْ عَينيكَ حَتَّى تَرَانيَ
وَليَكنُ لَيلُنا طًوِيلاً طَويلاً
فَكثيرُ اللقِاءِ كَانَ قَليلاَ
سَوفَ تَلهُو بِنَا الحَياة وَتَسخَر
فَتَعَالَ أُحُبّك الآنَ أَكثَر
يَا حَبيبِي طَابَ الهوَى مَاعلينَا
لَو حَمَلنَا الأَيَّامَ في راحَتَيْنَا
صُدفَةٌ أَهدَتِ الُوجُودَ إِلَينَا
وَأَتاحَت لَقاءَنَا فالتَقينَا
فِي بِحارٍ تَئنُّ فيهَا الرّياَحُ
ضَاعَ فِيَها المِجدَافُ والملاَّحُ
كَم أَذلَّ الفِرَاقَ مِنَّا لقاءُ
كُلُّ ليلٍ إِذَا التقينَا صَباحُ
يَاحَبِيبًا قَد طَالَ فِيِه سُهَادي
وَغَريبًا مُسافِرًا بفُؤادِي
سَوفَ تَلهُو بِنَا الحَيَاةُ وَتَسخَر
فَتَعَالَ أُحبُّكَ الآنَ أكثر
سَهَرُ الشَّوقِ في العُيُونِ الجميلة
حُلُمٌ آثَرَ الهوَى أَن يطِيلَه
وَحَديثٍ في الحُبِ إن لم نَقُلهُ
أَوشَكَ الصَّمتُ حَولَنا أن يقُولَهْ
يَا حَبيبي وَأنت خمرِي وكأسي
وَشراعِي فوقَ البحَارِ وشَمسِي
فيكَ صمْتي وَفيكَ نطقِي وَهمسِي
وَغَدي في هَوَاك يَسبِق أمسِي
كَانَ عُمري إلى هَواكَ دليلاً
واللَّياليِ كَانَت إِليكَ سَبِيلاَ
سَوفَ تَلهُو بِنَا الحَيَاةُ وَتَسخَر
فَتَعَالَ أُحبُّكَ الآن أكثر
هَلَّ في لَيلَتي خَيَالُ النّدامَى
والنُّواسِيُّ عَانق الخَيّامَا
وَتسَاقَوا مِن خَاطِرِي الأحلامَا
وَأَحَبُّوا وَأسكرُوا الأيُّامَا
رَبِّ مِن أين للِزمَانِ صِباهُ
إن صَحونَا، وَفَجْرهُ ومَساهُ
لَن يرَى الحُبُّ بعدَنَا مَن هَوَاهُ
نحنُ لَيلُ الهَوَى ونَحنُ ضُحَاهُ
مِلءُ قَلبي شَوقٌ وَملُّ كيانِي
هَذه لَيلتي فَقِفْ يازَمَاني
سَوف تَلهُو بِنا الحَياةُ وتَسخَر
فَتَعَالَ أُحبُّك الآن أكثَرُ