TODAY - February 22, 2011
القيادي الديمقراطي يعلق على أحداث الشرق الأوسط
تشاك هيغل: الدراما الدائرة قصة تخص الحضارة العالمية
عبر تشاك هيغل رئيس المجلس الإستشاري للرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤون الإستخبارات في مقال له عن رأيه في ما يجري في الشرق الأوسط منتقداً سياسات الإدارة الأميركية السابقة والحالية تجاه دول المنطقة معتبراً أنها تنافق حين تطالب بتحقيق الديمقراطية هناك، لكنها في الوقت نفسه تدعم الأنظمة الديكتاتورية.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
كتب السيناتور الديمقراطي السابق تشاك هيغل في مجلة "أوماها ويرلد هيرالد" المتخصصة في السياسة الخارجية مقال عبّر فيه عن رأيه في ما يجري في الشرق الأوسط الذي كان موضع اهتمامه حين كان عضواً في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بين عامي 1997 و2009. ويشغل هيغل اليوم منصب رئيس المجلس الإستشاري للرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤون الإستخبارات، وقد انتقد مراراً سياسات الإدارة الأميركية السابقة والحالية تجاه دول الشرق الاوسط وقال في مقاله هذا: "نحن كنا ولا نزال ننافق حين نطالب بتحقيق الديمقراطية هناك، لكننا في الوقت نفسه ندعم الأنظمة الديكتاتورية. فالتمييز ما بين الإصلاح والاستقرار أصبح اليوم تمييزا زائفاً".
ووصف هيغل القرن الواحد والعشرين بأنه شهد إعادة تحديد ملامح نظام عالمي جديد لم تشهده البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، وفيه إعادة ترتيب للمصالح والتأثيرات والتحديات. وفيه أصبح النظام العالمي الجديد موجهاً بواسطة تحول كبير في القوى الإقتصادية أدى إلى تغيير في مراكز الجاذبية الجيو- سياسية. كذلك أصبحت العولمة والتكنولوجيا القوتين الأساسيتين اللتين حددتا طبيعة ما يجري: التلفزيون، والتجارة، وسقوط جدار برلين، وتفكك الإتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، والتقدم التاريخي الباهر في الإنتاجية، ورجة أحداث 11 أيلول -سبتمبر، والثورة الرقمية التي أنتجت الإنترنت ووقوع أسوأ أزمة مالية عالمية منذ حقبة الكساد الإقتصادي الكبير الذي وقع خلال الثلاثينات من القرن الماضي.
وجاء تحفيز هذه القوى، وفقاً لهيغل، على التغيير مترافقا مع شرط إنساني يتمثل في حرمان الإنسان في العديد من مناطق العالم من كرامته وإنغلاقه ضمن دائرة اليأس.
تحولات في مراكز الجاذبية
حسبما يرى تشاك هيغل فإن التحولات في مراكز الجاذبية على المستوى الجيو- سياسي قد جرت في الشرق الاوسط. فما حدث في مصر هو إعادة تشكل أطر عالمية جديدة، فأي معمار جديد يتطلب أعمدة جديدة تدعمه.
كذلك يعتبر هيغل أن "الأحداث التي بدأت في تونس ومصر وأدت إلى مغادرة الرئيسين زين الدين العابدين بن علي وحسني مبارك قد غيرت دون رجعة المشهد الإستراتيجي للشرق الأوسط، وهذا ما يجعل الدبلوماسية الأميركية تواجه الآن عالماً أكثر تعقيداً مما كان عليه قبل شهرين".
وهذا ما يجعل التحول المهزوز وغير الكامل في العراق، وتورط الولايات المتحدة في حرب مضى عليها 10 سنوات في أفغانستان، ومحادثات السلام الإسرائيلية- الفلسطينية، ومحاربة الإرهاب، وإمكانية وصول إيران إلى القنبلة النووية، ومجهولية المستقبل الخاص ليس بالعراق وحده بل بتونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا ولبنان والجزائر وربما الأردن، من الأسبقيات بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية.
ويرى هيغل أن الوقائع الجديدة في الشرق الأوسط تجعل الدعوة للإصلاح الجديد في الشرق الأوسط جزءا من التفكير الإستراتيجي للولايات المتحدة وسياستها.
يقول هيغل إن زيارته الأخيرة للدوحة ضمن مساعيه الأكاديمية لتأسيس فرع لجامعة جورج تاون هناك، قد مكنته من التعرف عن كثب على تلك الأحداث المذهلة التي وقعت في تونس ومصر ومناطق أخرى من الشرق الأوسط.
ويعترف كبير مستشاري الرئيس أوباما أن ما يجري في الشرق الأوسط يكشف عن مدى تقلص تأثيرات الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة. بل أن كل القوى العظمى ذات تأثير ضئيل هناك. فما يحدث في مصر وأماكن أخرى لا علاقة له بالولايات المتحدة، وبلده مثل كل البلدان الأخرى كانت في موقع اتخاذ ردود فعل أكثر من أي شيء آخر. إن الاحداث تروي قصة مصر وقصة تونس وهلم جرا. وإن الشعب المصري هو الذي سيقرر ما تتمخص عنه ثورته في مصر.
التوازن في مصالح أميركا
يتوقف هيغل عند مسألة مقلقة تشغل الإدارة الأميركية اليوم، وهي تتمثل في مشكلة إيجاد التوازن ما بين المصالح الأميركية التي لا تتحقق من دون إستقرار سياسي ودعم الديمقراطية. وهذا التناقض بين العنصرين ليس جديداً، فبعض المحللين يحاججون بأن الولايات المتحدة قد قللت من دعم الديمقراطية لصالح الإستقرار وهذا قد يكون من وجهة نظر هيغل نقداً منصفاً. فهو لا يجد أي مبرر لقيام الرئيس السابق حسني مبارك بخنق الديمقراطية والحريات الأولية في مصر. في الوقت نفسه فإن مبارك تمكن من الحفاظ على ما أنجزه الرئيس المصري الأسبق أنور السادات من سلام مع إسرائيل لفترة 30 سنة وكان هذا السلام من وجهة نظر هيغل "قد أفاد مصر وإسرائيل والولايات المتحدة والعالم أجمع".
يرى السيناتور السابق هيغل أن إبقاء التعاون العسكري بين الولايات المتحدة ومصر سيكون أساسياً للسياسة الأميركية وللتحول الديمقراطي في مصر، خصوصا وأن المؤسسة العسكرية المصرية الآن تدير البلاد، وهي تنفذ كل الوعود التي قطعتها للشعب المصري. وكل هذا كما يرى هيغل يبني أساسا لأواصر شخصية ومهنية بين الجنرالات المصريين والأميركيين، ومع ذلك فمصر في طور عمل ما زال يتقدم.
التغيير وفق خصوصيات كل بلد
يمكن القول إن تونس ومصر هما مجرد البداية لكنهما في الوقت نفسه لن يكونا بالضرورة نموذجاً لما سيحدث في بلدان أخرى، حيث أن المطالب الشعبية بدأت تتصاعد يوماً بعد يوم. فطبيعة القيادات السياسية والعامل الديمغرافي والثقافة والتاريخ والجغرافيا ستقرر مستقبل كل بلد، حسب رأي السيناتور الديمقراطي السابق.
يطالب هيغل بضرورة استمرار الدبلوماسية الأميركية في التعاون مع الدول العربية الحليفة للبدء بحوار ووضع برنامج للإصلاح مع الجيل الجديد من زعماء الشرق الأوسط الجدد في برلماناتهم وجامعاتهم وأعمالهم وقطاعات المجتمع المدني، وعلى الولايات المتحدة كما يقول هيغل أن تشجع (لكن دون أن تتدخل) النخب العربية الحاكمة على بناء شراكة مستقبلية معها.
يقول هيغل إن الولايات المتحدة وحلفاءها تمكنوا في الماضي من قبول الحكومات المستبدة والتسامح معها لأنها كانت تساير مواصفات أولية تحقق بفضلها مصالح الولايات المتحدة، "ونحن كنا ولا نزال نتحرك ضمن منطقة النفاق المتمثلة بالإنحياز للديمقراطية لكن في الوقت نفسه دعم الديكتاتوريات. لذلك فإن التمييز ما بين الإصلاح والإستقرار أصبح تمييزاً زائفاً. فالتحولات الديمقراطية بالقدر الذي هي مثيرة للحماس هي في الوقت نفسه معقدة، لكن نتائجها غير قابلة للتنبؤ دائماً. وعلينا أن نتذكر أن الديمقراطية هي أكثر من إنتخابات فقط. ففي منطقة ظلت الحكومات فيه ولعقود لا تتسامح بقبول أي تفكير سياسي آخر أو أي معارضة أو حوار، لن يتحقق الإصلاح سريعا من دون انتكاسات".
يختتم هيغل مقالته بتعابير إعجاب وتقدير لما يجري في الشرق الأوسط معتبرا إياها "قصة تخص الحضارة العالمية، وهذه تتمثل في الدراما التي تدور الآن في الشرق الأوسط".