يهون العمر إلا ساعة!كان الشاعر أبو نواس خشنا غليظا واقعيا عندما قال ساخرا:
قل إن يبكي علي رسم درسواقفا، ما ضر لو كان جلس؟!ولا قلب له ولا عاطفة عندما قال:لا جف دمع الذي يبكي على حجرولا صفا قلب من يصبو إلى وتد!ولكن عند المحبين لا فرق بين تمثال المحبوبة وورقة بعثت بها أو منديلها أو زجاجة عطرها الفارغة.. فكل هذه الأشياء مليئة بالمعاني الرقيقة. فالمنديل ـ مثلا ـ قطعة قماش من حرير أو من قطن ابيض أو ازرق.ولكن إذا كان هدية من المحبوبة أو هدية لها، فقد تحولت خيوط المنديل إلى شعاعات من نورها ونسمات من عطرها.. فلم يعد منديل المحبوبة قطعة قماش.. بل قطعة من قلب.. من حب.. من دفء.. من تاريخ.وكان الشاعر الألماني الرقيق نوفالس لا يغسل يديه لأنه صافح المحبوبة بيد ولمس خدها باليد الأخرى.. ويقول حتى لو غسل يديه فقد بقي عطرها، هذه هي الرومانسية. أبو نواس كان واقعيا.. جافا..قال لي توفيق الحكيم إن طه حسين كان يحب فتاة فرنسية، وكان هو والحكيم ينتظرانها في أحد المقاهي، فإذا جاءت طلب إليه طه حسين أن يغادر المكان فورا ويذهب بعيدا.. فلماذا؟ كان طه حسين يقول: إذا بقيت بعيدا وفي هذا المقهى فأنت ترى ما لا أرى، وأنا اسمع ما لا تسمع.. انه لظلم عظيم أن نتقاسمها: أنا اسمعها وأنت تراها..ولكن كان طه حسين يطلب إلى توفيق الحكيم أن يجمع له بقايا سجائرها.. وكان يحتفظ بهذه البقايا في منديل في جيبه..وكان طه حسين يردد قول شوقي في مسرحية «مجنون ليلي»:قد يهون العمر إلا ساعةوتهون الأرض إلا موضعاوقال توفيق الحكيم: إن طه حسين كان يستعد طوال الأسبوع لهذه الدقائق مع المحبوبة.. وكان إذا نهض لوداعها يلمس بيديه المقعد الذي جلست عليه!الله يا أساتذة: هذا هو الحب!
منقول