: مفهوم الحق في الحياة في القانون الدولي لحقوق الإنسان


تصف المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في الحياة بأنه "حق
ملازم للإنسان"، مما يعني أنه حق طبيعي مستمد من الوجود الإنساني، حيث أن القانون يأتي كاشفا
عنه لا منشأ له. ويتعين على القانون حسب هذا النص أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد منه
تعسفا
يلقي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والصكوك الدولية الأخرى على عاتق الدول
عددا من الالتزامات الإيجابية، ورغم أن العهد الدولي يهتم- على ما يظهر من نص المادة( 6) منه-
بالجانب السلبي للحق في الحياة، المتمثل في الامتناع عن الاعتداء عليه تعسفا ودون سبب قانوني، إلا
أن اجتهادات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان وغيرها من هيئات الرقابة الاتفاقية، من خلال تفسيرها
للحق في الحياة، تضع التزامات إيجابية يتعين على الدول احترامها.
إذ يترتب على الدول الأطراف في اتفاقيات حقوق الإنسان عددا من الالتزام ات الايجابية ذات
الصلة بالحق في الحياة، وهي كلها تندرج ضمن التزام إيجابي عام هو وجوب حماية هذا الحق
والحفاظ عليها، أما فيما يتعلق بمضمون وطبيعة هذه الالتزامات، فيمكن إيضاحها على النحو الآتي:

* تتضمن النصوص والأحكام الاتفاقية حكما يقضي بوجوب قيام الدول الأطراف بحماية الحق في
الحياة قانونا، وهو نص فسرته اللجنة المعينة بحقوق الإنسان وهيئات الرقابة الاتفاقية الأخرى، بأنه
يلقي على الدول الأطراف إلتزاما بحماية حياة كل فرد خاضع لولاياتها أو لاختصاصها، فالدول ملزمة
بسن تشريعات لمنع الاعتداء على هذا الحق والمعاقبة عليه إن وقع، وبحماية هذا الحق ضمن حدود
ولايتها.

* تلتزم الدول بحماية حياة الأشخاص مسلوبي الحرية والمحتجزين أو الموقوفين، وقد عدت اللجنة
المعنية بحقوق الإنسان أن الاختفاء القسري أو اللاإرادي للأفراد، يرجع إلى تقصير الدول الأطراف
ذاتها باتخاذ التدابير الإيجابية، و ينطوي على خرق للحق في الحياة. وذهبت اللجنة المعينة كذلك إلى
أن اختفاء أشخاص محتجزين أو موقوفين من قبل السلطات العامة، هو بمثابة اعتداء على حقهم في
الحياة، والحكم ذاته ينطبق على حالة الوفاة غير المبررة أو غير المفسرة تفسيرا معقولا، للموقوفين أو
للمحتجزين أثناء فترة التوقيف أو الاحتجاز من قبل الجهات الأمنية أو العسكرية أو القضائية داخل
الدولة.

* تلزم الدول الأطراف في اتفاقيات حقوق الإنسان باتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية كافة، بغية
منع تعرض حياة أي من الخاضعين لولايتها إلى الخطر، بسبب تقصيرها في نظم الرعاية الصحية أو
في نظم حماية الصحة العامة والبيئة، فيتعين عليها اتخاذ ما تراه ضروريا من التدابير الوقائية الهادفة
لضمان حماية الصحة العامة وصحة السكان ومنع التلوث البيئي، وتلزم الدول أيضا بإعلام الأفراد عن
أية مخاطر أو أضرار بيئية. فقد وضحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان هذه العلاقة الوطيدة بن الحق
16 ) لعام 1972 : أن الحق في ) في الحياة والحق في الرعاية الصحية، بتأكيدها في تعليقها العام رقم 6
الحياة يجب أن يفسر تفسيرا واسعا، وطلبت من الدول الأطراف في العهد اتخاذ كافة التدابير الممكنة
لرفع معدل حياة الإنسان وتقليل وفيات الأطفال.

* على الدول واجب تنظيم العلاقات الخاصة أو العلاقات فيما بين الأشخاص العاديين، ولا تنحصر في
العلاقات العامة أو الرأسية فقط، وإنما الحق في الحياة يلزم الدول باتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية
الضرورية لحمايته من أي خطر أو تهديد أو اعتداء قد يلحق به جراء سلوك الأفراد العاديي ن، وهو
يلزم الدول بمكافحة وملاحقة ومحاكمة مرتكبي الاعتداءات الجرمية على حياة الناس، سواء أكانت لهم
صفة رسمية أم لا، فعادة ما تجرم الدول فعل القتل أو الشروع فيه من خلال قوانينها الجزائية.

* بالإضافة إلى الالتزامات الايجابية الموضوعية سابقة الذكر، تلتزم الدول بموجب القانون الدولي
لحقوق الإنسان، بالتزام إيجابي إجرائي يتمثل في وجوب القيام بتحقيق شفاف وفعال عند وقوع أي
اعتداء على الحياة أو الحرمان منها.

* ثمة التزام إيجابي آخر يقع على عاتق الدول الأطراف في اتفاقيات حقوق الإنسان يتعلق باحترام
الحق في الحياة، وهو التزام مستمد من الصلة بين الحق في الحياة وبين تأمين الحاجات الأساسية،
كالمأكل والملبس والمسكن والرعاية الصحية وفرص العمل التي تضمن دخلا كريما، وهذه كلها
مظاهر لحقوق الإنسان الاقتصادية و الاجتماعية، وبخاصة حق الإنسان في "مستوى معيشي لائ ق"
وفي" التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية التي تعترف بها المادتا ن( 11 ) و ( 12 ) من
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية


ثانيا: موقف القانون الدولي لحقوق الإنسان من عقوبة الإعدام

-1 الموقف التقليدي للقانون الدولي لحقوق الإنسان من عقوبة الإعدام:
يقر القانون الدولي لحقوق الإنسان تقليديا بحق الدول في تنفيذ عقوبة الإعدام كعقوبة عل ى أشد
الجرائم خطورة (الجنايات)، بعد صدور حكم قضائي قطعي عقب محاكمة عادلة وقانونية من قبل
محكمة مختصة ومستقلة. ولكن المشهد اليوم إزاء هذه العقوبة بات مختلفا عن الموقف التقليدي للقانون
الدولي لحقوق الإنسان إلى حد ما، فقد اعتمدت العديد من الهيئات والمنظمات الدولية اتفاقيات

وبروتوكولات إضافية تهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، لكن العقوبة مازالت مطبقة في عدد لا بأس به
من الدول، فالدول العربية والإسلامية وبعض الولايات المتحدة الأمريكية والصين- على سبيل المثال-
مازالت إلى حد الآن تعترف في قوانينها بعقوبة الإعدام وتطبقها.
إن إلغاء عقوبة الإعدام ما زال بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان- باستثناء القانون الأوروبي
لحقوق الإنسان- أمرا اختياريا واتفاقيا محضا، وهو لم يصبح إلى الآن جزءا من القانون الدولي
العمومي أو العرفي. فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لم يقم بإلغائها وإنما اتخذ بشأنها
6) منه على أنه: " ليس في / موقفا صارما، فأحاط تطبيقها بضمانات صارمة جدا، حيث نصت المادة( 6
هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء عقوبة الإعدام من قبل أية دولة طرف في
العهد". وقد أوضحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أنه في الوقت الذي أجازت فيه المادة( 6) من العهد
توقيع عقوبة الإعدام، إلا أنها ألزمت الدول الأطراف بعدد من القيود لتطبيقها، يمكن إجمالها فيمايلي:
* قصر توقيع العقوبة على أشد الجرائم خطورة: يثير هذا القيد مسألة تحديد المقصود "بأشد الجرائم
خطورة" أو "الجرائم الأكثر جسامة"، فهذه الجرائم تختلف من دولة إلى أخرى، فضلا عن أن هذه
العقوبة توقع في كثير من الأحيان على جرائم لا تستوجب هذه العقوبة.
* وجوب النص على العقوبة في القانون النافذ وقت ارتكاب الجريمة: يمثل هذا الشرط في الواقع
إعمالا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
* عدم التمييز في توقيع عقوبة الإعدام على أساس العرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو غير ذلك من
1 من العهد )، كما يتوجب عدم مخالفة الضمانات / الأسباب المحظورة كأساس للتمييز ( المادة 2
القضائية الدنيا الواردة في العهد وأهمها مبدأ المساواة أمام القضاء، وغيرها من الضمانات.
* عدم جواز تطبيق العقوبة إلا بعد حكم قطعي صادر عن محكمة مختصة: ومعنى ذلك أنه يتعين
صدور أحكام الإعدام في أعقاب محاكمات مستوفية لشروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها في
المادة ( 14 ) من العهد، فإذا ما حكم على شخص بعقوبة الإعدام دون احترام هذه الضمانات، يغدو حقه
في الحياة منتهكا.
* عدم جواز الحكم بعقوبة الإعدام على من هم دون الثامنة عشرة من العمر، وعدم جواز تنفيذها على
النساء الحوامل: ثمة تفرقة بموجب هذا الشرط بين القاصرين والنساء الحوامل، ففى حين لا يجوز
إصدار حكم بإعدام القاصرين مطلقا دون الثامنة عشرة ، فإنه يمكن الحكم على النساء الحوام ل
بالإعدام، ولكن يجري إرجاء تنفيذ لحكم إلى ما بعد الوضع أو حال إنهاء الحمل بطريقة أخرى.
* يتمتع المحكوم عليه بعقوبة الإعدام بالحق في الاستفادة من العفو الخاص أو العام أو إبدال العقوبة:
وضع هذا القيد للحد من تطبيق عقوبة الإعدام في الدول التي لا تزال تأخذ بهذه العقوبة، ويقصد بالعفو
العام إسقاط الصفة الجرمية عن الجريمة وجعلها غير معاقب عليها، وبذلك يغدو المحكوم عليه بعقوبة
الإعدام بعد صدور قانون العفو العام كمن لم يرتكب الفعل الجرمي المعاقب عليه بالإعدام، ويتوجب
إخلاء سبيله بشكل نهائي دون إعادة محاكمته ثانية عن الفعل ذاته. أما العفو الخاص، فلا يؤدي سوى
إلى عدم تنفيذ العقوبة على المحكوم عليه بالذات، ويبقى الفعل معتبرا جريمة.
أما إبدال العقوبة، فقد يتم باستبدال عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة مثلا.
* بالإضافة إلى الشروط السابقة المنصوص عليها صراحة في العهد، أضافت اللجنة المعنية بحقوق
الإنسان شرطا آخر يتعلق بتنفيذ العقوبة، وهو عدم جواز تنفيذها بأسلوب قاس أو حاط بالكرامة
الإنسانية خلافا لأحكام المادة ( 7) من العهد. فيعد من قبيل الانتهاك لأحكام هذه المادة، الإعدام خنقا
بالغاز لأنه لا يتفق مع معيار إحداث "أقل درجة متاحة أو ممكنة من الآلام الجسدية أو العقلية، وينطوي
. على معاملة لا إنسانية وقاسية
-2 الاتجاه الحديث للقانون الدولي لحقوق الإنسان من عقوبة الإعدام:
ألحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بروتوكول اختياري ثان بشأن إلغاء عقوبة
1991 . ويلزم هذا البروتوكول الدول الأطراف /07/ الإعدام في عام 1989 ، ودخل حيز النفاذ في 01

بالامتناع عن العمل بعقوبة الإعدام، وباتخاذ كافة التدابير الضرورية لإلغاء العقوب ة. وحظ ر هذا
البروتوكول أي تحفظ على أحكامه، لكنه أجاز للدول الأطراف أن تقصر إلغاء العقوبة على حالة السلم
دون الحرب، إذ يجوز لها بالنتيجة تطبيق عقوبة الإعدام بحق الجرائم الخطيرة ذات الطبيعة العسكرية
المرتكبة زمن الحرب ( المادة 2 من البروتوكول). وعلى كل دولة تبدي تحفظا من هذا النوع، أن تقوم
بإخطار الأمين العام للأمم المتحدة ببداية ونهاية أية حالة حرب تكون منطبقة على أراضيها.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد أقر مجلس أوروبا بروتوكولا سادسا للاتفاقية الأوروبية لحقوق
الإنسان في عام 1983 ، بهدف إلغاء عقوبة الإعدام. ويعكس البروتوكول في الواقع " التطور الذي
حصل في عدة بلدان أوروبية الأعضاء في مجلس أوروبا، ويعبر عن اتجاه عام نحو إلغاء العقوبة
يتشابه البروتوكول السادس تماما مع البروتوكول الأول الإضافي للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية من حيث النطاق وزمن التطبيق والمضمون.
وشهد النظام الأوروبي لحقوق الإنسان تطورا آخر ملفتا للانتباه ،من خلال البروتوكول الثالث عشر
2005 ودخل /02/ الإضافي للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. الذي اعتمده مجلس أوروبا في 02
2003 ، وقد تضمن البروتوكول إلغاء مطلقا لعقوبة الإعدام في كافة الأوقات، /07/ حيز النفاذ في 01
وفي السلم والحرب معا، ومنع إبداء أي تحفظ على أحكامه مهما كان نوعه أو مضمونة.
في نفس السياق، دفعت النزعة المتنامية نحو إلغاء عقوبة الإعدام منظمة الدول الأمريكية إلى
اعتماد بروتوكول إضافي لاتفاقية الدول الأمريكية لحقوق الإنسان في عام 1990 ، وهو شبيه تماما
ببروتوكول الأمم المتحدة وببروتوكول مجلس أوروبا السادسن حيث منعت المادة الأولى منه الدول
الأطراف من تطبيق عقوبة الإعدام في أراضيها على أي شخص خاضع لولايتها القضائية ، وحظر
البروتوكول إبداء أي تحفظ على أحكامه، سوى التحفظ المتعلق بحق تطبيق العقوبة في زمن الحرب
وفقا للقانون الدولي عن الجرائم الخطيرة للغاية ذات الطبيعة العسكرية.
أما فيما يتعلق بالدول العربية، فإن عقوبة الإعدام ما زالت مطبقة، ولكن الميثاق العربي لحقوق
الإنسان المعدل في عام 2004 ، وضع في المادتين ( 6) و ( 7) منه قيودا وضوابط صارمة لتنفيذ عقوبة
الإعدام، تشبه إلى حد بعيد الشروط التي جاء بها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد
.( أخذت اتفاقية دول الكومنولث المستقلة لحقوق الإنسان بأحكام مشابهة (المادة 2 منها
ثالثا: الواقع الدولي وعقوبة الإعدام:
يتنازع عقوبة الإعدام في الواقع تياران: تيار إبقائي يستند على أن هذه العقوبة هي توكيد للحق في
الحياة، وذلك على اعتبار أن القاتل يفقد حقه في الحياة بإنكاره هذا الحق للآخرين، كما يستند مؤيدو
هذا التيار على ظاهرة ازدياد الإجرام ولاسيما الإجرام المنظم، وبالطابع الردعي لهذه العقوبة، فهي
تستخدم لمواجهة فئة خطيرة في المجتمع تهدد أمنه وبقاءه، فعقوبة الإعدام ردع لهؤلاء وضمان لحقوق
الضحايا، وحماية للنظام والأمن في المجتمع. أما التيار المناوئ لعقوبة الإعدام فيؤكد على قدسية الحياة
الإنسانية، وعلى أنه لا يحق لأحد أن ينهي حياة الإنسان حتى لو كانت الدولة نفسها، ويضيف هذا
التيار حجة أخرى هي أن هذه العقوبة قاسية وغير إنسانية، وغير منطقية، وغير رادعة ولا زاجرة،
وأنها عقوبة ظالمة لأن الغالبية العظمى من المحكوم عليهم بالإعدام هم من الفقراء والبؤساء، هذا
فضلا عن احتمال خطأ القاضي الذي لا يمكن تلافي آثاره ونتائجه، وأن إعمالها ينفي النظرية القائلة
.بأن للعقوبات دورا إصلاحيا وتأهيليا، بل ويعتبرون أن الإعدام هو الاسم الحكومي لكلمة قتل
من جهة أخرى، تقود منظمة العفو الدولية حملة دولية لإلغاء عقوبة الإعدام. ففي عام 1977 لم
يتجاوز عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم سوى 16 دولة، في حين واعتبارا
من ديسمبر 2008 وصل العدد إلى 139 دولة، أي حوالي ثلثي دول العالم ألغت العقوبة الإعدام قانونيا
أو عمليا حسب التفصيل التالي:
* الدول التي ألغت العقوبة بالنسبة لجميع الجرائم: 95 دولة.
* الدول التي ألغت العقوبة بالنسبة للجرائم العادية: 9 دول.
* الدول التي ألغت العقوبة عمليا- لم تنفذ العقوبة خلال 10 سنوات الماضية-: 35 دولة.
* الدول التي ألغت العقوبة في القانون والممارسة: 139 دولة.
* الدول المبقية على العقوبة: 58 دولة
تجدر الإشارة أخيرا إلى أنه في ديسمبر 2007 و 2008 الماضيين، تبنت الجمعية العامة للأمم
63 ، اللذين دعيا إلى فرض حظر على إستخدام عقوبة الإع دام. / 62 و 168 / المتحدة القرارين: 149
ورغم أن القرارين غير ملزمين قانونيا للحكومات، إلا أنهما يمثلان حجري زاوية مهمين للحركة
. المنادية بإلغاء العقوبة، ويشكلان استمرارا للتقدم نحو استثناء عقوبة الإعدام من القانون الدولي(

الخاتمة :
لا تكفي عقوبة الإعدام لنفي وظيفة الردع العام من أساسها، لأن مقدار العقوبة ونوعها ليسا هما كل
شيء في توجيه إرادة الجاني نحو إتباع أحكام التشريع العقابي، بل ث مة اعتبار آخر له قيمته البالغة من
الصعب تجاهله، وهو مدى إحساس الجاني بضمان وصول العدالة إليه، فهو يلعب في توجيه إرادته
دورًا قد يتجاوز دور العقوبة النظرية التي قد تهدده نوعًا أو مقدارًا متى كانت فرص الإفلات منها تبدو
له كثيرة ولهذا لاحظ منتسيكيو وغيره ، أن سبب الانحلال الحقيقي يكمن في إفلات الجرائم من العقاب
لا في اعتدال العقاب، فالعقوبة الخفيفة المحققة أو القوية الاحتمال قد تكون بالتالي أقل أثرًا في توجيه
إرادة الجاني – وفي تحقيق وظيفة الردع العام – من العقوبة الشديدة إذا كانت غير محققة أو ضعيفة
الاحتمال، وبالتالي فإن ظاهرة تزايد بعض الجرائم رغم تشديد العقاب لا تصلح بمفردها لنفي حرية
الاختيار، كما لا تصلح ظاهرة تناقص هذه الجرائم لإثبات هذه الحرية سوا ء أكان التناقص مصحوبًا
بتشديد العقوبة أو تخفيفها.
فهل ينبغي النظر إلى الإنسان المجرم كالإنسان المريض الذي لا ذنب له في مرضه، وبالتالي فحق
العقاب في الشرائع الحديثة ينبغي أن يكون مجرد علاج الجاني من جريمته، كما ينبغي أن يكون مجرد
رغبة الهيئة الاجتماعية في وقاية نفسها من حاملي جراثيم الأمراض الخلقية والنفسية المتنوع ة،
وعلاجهم من أمراضهم إذا أمكن ذلك؟ أو أنه تطبيقا لمبادئ العدالة و صيانة أمن و استقرار المجتمع
ينبغي المحافظة على عقوبة الإعدام، حيث يرى الفيلسوف الألماني" كانت "، أنه إذا ارتكبت جرائم قتل
في جزيرة قرر جميع أهلها تركها بصفة نهائية، فإن العدالة تقتضي قيام سكانها بتنفيذ عقوبة الإعدام
على جميع القتلة فيها قبل تركها، ذلك إرضا ء للعدالة رغم انتهاء وجود المجتمع بترك الجزيرة، ومن
.ثم زوال ضرورة حمايته