تلعب القرائن دوراًمهماً في العمل القضائي العملي وتبرز سلطةالقاضي واضحة من خلال دوره الخطير والصلاحيات الواسعة التي منحها المشرع له في استنباط القرائن التي لم ينص عليها المشرع في نص قانوني.
لقد عرف القانون المدني الفرنسي في المادة 1349 القرينة بإنها النتائج التي يستخلصها القانون او القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة.
اما قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 فقد عرف القرينة بإنها إستنباط الأمر غير الثابت من الأمر الثابت.
وتظهر أهمية القرائن في الواقع العملي القانوني عندما يغيب الدليل الواضح والصريح والذي يمكن من خلاله إثبات الإدعاء او نقضه، والأصل ان قاضي الموضوع يبحث عن دليل مباشر وصريح يعتمده سبباً للحكم إلا ان المشرع مع ذلك أعطى للقاضي صلاحيات واسعة في حالة غياب الدليل المباشر والصريح باللجوء للقرينة للوصول الى الحقيقة كما انها تسهيل لأطراف الدعوى للإثبات من خلالها في حالة عدم وجود الدليل.
ان المشرع قد قسم القرائن الى انواع تختلف عن بعضها البعض من حيث القوة في الإثبات فبعضها قاطعة لايمكن إثبات عكسها والبعض الآخر غير قاطعة يمكن إثبات عكسها، وهناك قرائن نص عليها المشرع بنص قانوني وهناك قرائن لم ينص عليها وأعطى للقاضي سلطة إستنباطها بقيود حددها وبعض القرائن أوجدها العمل القضائي والتي يمكن تسميتها.. بالقرائن الطبيعية.
وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم القرائن الى انواع وهي:
1- القرائن القانونية
2- القرائن القضائية
3- القرائن الطبيعية
وسنتناول كل نوع من هذه القرائن بإيجاز:
1- القرائن القانونية:
وهذا النوع من القرائن قد نص عليه المشرع في القانون، فهي من صنع المشرع، وهي بهذا المعنى وبموجب النص القانوني الذي قررها تعتبر كافية لمن تقررت لمصلحته من اي دليل آخر.
والقرائن القانونية قد تكون قرينة قانونية قاطعة لايمكن إثبات عكسها، او قد تكون قرينة قانونية بسيطة يمكن إثبات عكسها.
فالقرائن القاطعة المشرع هو من أوجدها بنص قانوني، وبالتالي لايمكن إثبات عكسها ومن أمثلتها ما استخلصه المشرع بنص قانوني في الفقرة (1) من المادة 431 من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل من ان ترك الحقوق لمدة سنة يعتبر قرينة قانونية قاطعة على إنقضاء الدين إذا تم الإنكار، فالمشرع هنا استخلص ان مرور مدة التقادم هذه قرينة على إنقضاء الدين، كما ان المشرع قد استخلص وفي مثال ثان من ان وضع اليد على المال المباح الذي لامالك له قرينة قاطعة للتملك.
أما القرائن القانونية البسيطة فهي قرائن أوجدها المشرع بنص قانوني أيضاً ولكن المشرع أجاز إثبات عكسها ومن امثلتها ما نص عليه المشرع في المادة (9) من قانون الإثبات التي أعتبرت ان وجود سند الدين بيد المدين قرينة على براءة ذمته من الدين، إستناداً على صراحة المادة (6) من قانون الإثبات التي تنص على ان الاصل براءة الذمة. إلا ان المشرع بالرغم من كل ذلك اعتبر هذه القرينة قرينة قانونية بسيطة يمكن إثبات عكسها بعد ان نص في عجز المادة (9) ” حتى يثبت خلاف ذلك“ فأعطى للدائن إمكانية إثبات العكس من خلال إثبات ان سند الدين قد وصل الى يد المدين بطريقة غير قانونية كالسرقة او بإستعمال طرق الإكراه اوالإحتيال.
2- القرائن القضائية:
وتظهر في هذه القرائن السلطات الواسعة التي منحها المشرع الى القاضي في إستنباط القرائن من الوقائع الموجودة في الدعوى المنظورة أمامه إذا لم يقررها المشرع بنص قانوني، فالقرائن القضائية لايوجد فيها نص كما هو الحال في القرائن القانونية.
وتعتبر القرائن القانونية من أخطر القرائن وأكثرها إستعمالاً وشيوعاً في العمل القضائي، فالمشرع أعطى القاضي سلطة إستثنائية في إستنباط أية قرينة لم يقررها المشرع بنص كي تكون سبباً للحكم الذي يصدره ومع ان المشرع قد قيد سلطة القاضي في إستنباط القرينة القضائية في الفقرة الثانية من المادة (102) من قانون الإثبات، بإن أعطاء سلطة استنباط اية قرينة لم ينص عليها المشرع لكن في حدود ما يمكن إثباته بالشهادة كما ان القرائن القضائية قرائن غير قاطعة يمكن إثبات عكسها بدليل او بقرينة أقوى منها.
ومن أمثلة القرائن القضائية هي القرينة القائمة على أساس ان المحامي يقوم بمزاولة مهنته او عمله على أساس بذل العناية المعتادة في إكمال ا لمهمة المكلف بها من موكله وبحدود القانون والقرينة هذه أساسها ان المحامي كما هومعروف وشائع لدى الناس يبذل هذه العناية للحصول على الشهرة والسمعة الحسنة إلا ان الموكل إذا أثبت بإن وكيله لم يبذل العناية الواجبة وفق أصول المهنة وأثبت الإهمال أنتقل عبء الإثبات الى المحامي وتسمع بينته لإستنباط القرائن.
والملاحظ ان القاضي لكي يصل الى إستنباط القرينة القضائية فانه يعتمد على ذكائه وفطنته وخبرته والتي يمكن ان يحصل عليها من خلال الإلمام بالشؤون العامة، كما ان المشرع قد أعطى للقاضي وحسب صراحة المادة 104 من قانون اثبات الصلاحية إستخدام وسائل التقدم العلمي وكافة الوسائل الأخرى بتحري الوقائع لإستكمال قناعته للوصول الى قرار عادل.
3- القرائن الطبيعية:
لم ينص قانون الإثبات على هذا النوع من القرائن ولكن هذاالنوع من القرائن أوجده العمل القضائي في الكثير من قراراته.
فهذه القرائن اوجدتها الطبيعة وان القاضي اذا حكم بخلافها فأنه يكون قد أصدر قراره خلافاً لطبيعة الأشياء وبالتالي يكون معيباً.
وتعتبر هذ القرائن قرائن قاطعة لايمكن إثبات عكسها..
ومن أمثلتها في الواقع العملي القضائي هو عدم إمكانية ان يصدر القاضي قراراً بصحة نسب شخص الى شخص آخر بإعتباره إبناً له إذا كان المقر بالنسب (الاب) أصغر سناً من المقر له (الابن) فهذا مخالف لطبيعة الأشياء وتعتبر قرينة طبيعية تمنع القاضي من سماع الدعوى. وخلاصة الأمر فقد لوحظ ان للقاضي دوراً كبيراً في التعامل مع هكذا نوع من أدلة الإثبات ومع ان القرائن تعتبر دليلاً غير مباشر ٍ من أدلة الإثبات لكنه من أكثر أدلة الإثبات إستعمالاً وشيوعاً في القضاء ومع ان المشرع قد قيد القاضي في إستنباط القرينة التي يعتمدها أساساً للحكم إلا ان المشرع في نفس الوقت فتح المجال أمامه واسعاً للوصول إليها، وخلاصة الأمر ان ذكاء القاضي وفطنته بالإضافة الى خبرته التي يستمدها من خلال العمل هي الفيصل في إستفادة القاضي من هكذا نوع من أدلة الإثبات والتي تعينه في إصدار قرار عادل وسليم غير معيب ولا واهن من حيث السند والسبب الذي إعتمده للحكم...