الكتاب: بحوث في العقيدة والسلوك
المؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي دام ظله
من الأمور المتفق على ضرورتها بين العلماء والحكماء وغيرهم، هي حاجة الإنسان إلى قاعدة فكرية يرتكز عليها في إطلاق وتفعيل طاقاته السلوكية في الوسط الذي ينشط من خلاله، بمعنى أن الإنسان لا يمكن أن يبقى من دون عقيدة يؤمن بها وينطلق على ضوئها بنشاطه السلوكي في المجتمع، ويُقصّد بالعقيدة هنا مجموعة الضوابط والتعاليم التي تحصّن فعل الإنسان من الزلل وذلك من خلال تحصين النفس التي تعتبر مصدر الخطر الفعلي على السلوك البشري.
من هنا فإن تحسين السلوك وضبطه وجعله يصب في صالح الانسان يتطلب سيطرة على النفس ونزواتها، وهذا لا يتحقق من دون العقيدة التي تشذّب النفس من أهوائها غير السوية، إذن فالعلاقة بين السلوك والعقيدة تبدو في غاية الاهمية، وكلما كانت ركائز العقيدة متينة وقوية كلما كانت السيطرة على النفس أقوى وأكبر وبالتالي توجيه السلوك نحو وجهة الخير والاصلاح.
ويوضح لنا كتاب آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي (نجل المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي)، الذي يحمل عنوان (بحوث في العقيدة والسلوك) أهمية الترابط بين العقيدة والسلوك من خلال عرضه المستفيض لطبيعة هذه العلاقة في المجلد الاول من كتابه هذا، مبتدئا ذلك بالمقدمة الوافية الموسومة بـ (إستمطار الرحمة الإلهية بالإنصات للقرآن الكريم) حيث يتساءل المؤلف في الاستهلال الأول لكتابه هذا قائلا (كيف نستمطر رحمة الله سبحانه وتعالى حتى تهبط علينا وتتنزل علينا كالمطر ؟) وهو تساؤل سيصل إليه المتلقي من خلال إبحاره في بطون هذا الكتاب القيّم.
يبدأ الكتاب بمقدمة الناشر ثم نطالع الجزء الأول الذي يبحث في الهدف من (الخلقة) حيث يرى المؤلف ان هناك ثلاثة اسئلة استراتيجية ترتبط بكل إنسان، والسؤال الاول: لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى؟. أما السؤال الثاني: لماذا يجب أن نسأل لماذا خلقنا الله؟. والسؤال الثالث: من هو الذي ينبغي ان نوجه له هذا السؤال؟. إن هذه الاسئلة التي تبحث في الوجود يمكن للمتلقي ان يصل الى إجاباتها في هذا الكتاب.
ويوضح السيد مرتضى الشيرازي في الجزء الثاني الذي حملت عنوان (العبادة تشريف لا تكليف) بعض الدروس المفيدة استنادا الى الآيات القرآنية الكريمة ويوجز هذه الدروس بما يأتي: أولا: تحديد الهدف. ثانيا: الوضوح في الهدف. ثالثا: سمو الهدف. رابعا: فلسفة الهدف. ويستند في شرحه الى مصادر تأريخية مأخوذة من كتب ومؤلفات علمائنا الابرار ويصل السيد الشيرازي الى ان العبادة تشريف وتكريم وتقدير لنا وليس تكليفا.
وفي الجزء الثالث يتطرق السيد مرتضى الحسيني الشيرازي في كتابه هذا الى مراتب التوحيد في (الصمد) ويشرح المراتب الاربعة للتوحيد وهي:
اولا: التوحيد في الأفعال. ثانيا: التوحيد في العبادة او التوحيد العبادي. ثالثا: توحيد الذات. رابعا: توحيد الصفات أيضا. ثم يُسهب المؤلف في شرح هذه المراتب تحقيقا للهدف المركزي لكتابه والذي يتعلق بالعلاقة بين العقيدة والسلوك كما اننا نطّلع على تفصيل في شرح مفردة الصمد وما يتعلق بها. لنصل الى الفقرة الرابعة التي حملت عنوان آية المودة وأجر الرسالة الخاتمة، ويورد المؤلف برهانا على صحة مئات الروايات ويتطرق لزائر الإمام الحسين (ع) الذي يشيعه جبرائيل وميكائيل، ثم نقرأ بحثا في قواعد التجويد وإغنائها للمعنى ثم نطلع على قصة نزول آية المودة وامتحان الاصحاب.
وفي الجزء الخامس نقرأ بحثا في أجر الرسالة الخاتمة وتأملات في آية المودة ثم يعرّج المؤلف على فلسفة ذكر (قل) في آية المودة دون آيات مشابهة لها، وكذلك نقرأ عن الفلسفة في التصدير بـ (قل) ويورد لنا المؤلف أمثلة بين القول والعمل ويذهب الى البقيع وسامراء كأمثلة عن ذلك ونختم هذه الفقرة بلمحة من عبادة الامام السجاد عليه السلام.
أما الجزء السادس الذي حمل عنوان (أجر الرسالة الخاتمة) فقد انطوى على بحوث في الأجر والمودة، ونقرأ بحثا عن الحكمة في استخدام مصطلحات التجار ويورد المؤلف مجموعة من الاسباب المحتملة منها: الأدب التصويري أوقعُ في النفس، كذلك تكون، أتم للحجة وأدعى للعقوبة، وأن ترتبط الفكرة بحياتنا اليومية، ونقرأ أيضا بأن آية المودة دليل على أفضلية أهل البيت من كل الخلائق وهي دليل على عصمة أهل البيت عليهم السلام.
ويحمل الجزء السابع عنوانا هاما (لمن الولاية العظمى؟) ويورد المؤلف عددا من الروايات والأسانيد الراسخة والمؤكدة في هذا المجال منها (التأريخ على شفير زمزم) وحكاية ينقلها ابو ذر الغفاري (سائل قليل الصبر وإمام عظيم الكرم) ثم يورد المؤلف ستة أدلة على عدم عموم (والذين آمنوا) لكل المؤمنين.
ويتطرق الجزء الثامن الى (الولاية) حقيقتها، فلسفتها، ولوازمها، ثم نقرأ الاشياء الخمسة التي بُني عليها الإسلام والدلائل العميقة لكلمة و(نوديَ) كذلك دلالات (النداء في القرآن الكريم) ثم يبين لنا المؤلف أسباب إستغاثة الرسول والأئمة عليهم السلام بنا لكي نتولاهم، ونقرأ أيضا الموازنة بين (الولاية) وبين الصلاة والصوم والحج والزكاة ويتساءل المؤلف ما هو الرابط بين الأربعة؟ ويجيب عن ذلك.
ويتطرق الجزء التاسع لموضوع حساس جداً ألا وهو الخط الفاصل بين الاديان والحضارات، ويبدؤها المؤلف بالعلاقة بين الحضارات ثم يوضح إلتزام الرسول فجرا وليلا بقراءة (الكافرون)، بعد ذلك يعرّج السيد الشيرازي على مقايضة قريش للرسول (ص) وسياسة الحل الوسط ثم الرفض النبوي الصارم عندما يتطلب الظرف ذلك، وينقلنا المؤلف الى بحث مهم جدا يتعلق بفلسفة الأحكام في القرآن، ويبين لنا لماذا الخط الفاصل بين الاديان ثم يورد العلل الأربع للخط الفاصل مع الكفار.
وفي الجزء العاشر يبحث المؤلف السيد الشيرازي في فلسفة (الثواب العظيم) لقراءة السور القرآنية، ويورد بحثا عن قاعدة الإلزام، ويبين في متن هذه الفقرة مواضيع مهمة من بينها الأجر العظيم لقراءة سورة (الكافرون) ثم نطلع على بحث يتعلق بالمقارنة بين الغرب والاسلام على ضوء قاعدة الإلزام، كالزواج دون السن القانونية أو بأكثر من واحدة أو زواج المجوس بالمحارم أو فرض إمرأة إماما للجماعة وغيرها.
ويستمر المؤلف السيد الشيرازي في الجزء الحادي عشر بالخوض في هذا المجال فنقرا بحثا بعنوان نحن والآخرون على ضوء قاعدتي الإلزام والإمضاء وقاعدة (لي دين) ويتساءل المؤلف: هل الاسلام فرض نوعا من التمييز العقدي؟ ويجيب في المتن عن ذلك، وفي الجزء الثاني عشر نقرأ بحثا بعنوان (من يُظهر دين الله؟ وما هي فلسفة التبري) ونقرأ في المتن أيضا فلسفة اللعن والتبري ثم يشرح المؤلف دور مقياس القضية الفطرية في هذا المجال ويبين لماذا اللعن قضية شرعية.
وقد حمل الجزء الثالث عشر تساؤلا مفاده (مَنْ سيُظهر دين الله؟ ومتى؟ وكيف؟ ومسؤوليتنا) ويتطرق المؤلف الى حقائق ناصعة في هذا المجال، ثم نقرأ تساؤلا هاما يقول: متى سيُظهر الله الدين على الأديان كلها، ويتطرق الى التدخل الغيبي المباشر لنصرة خاتم الأوصياء (عجل). ونقرأ أيضا المرابطة على الاقتداء بالأئمة عليهم السلام ومعنى المرابطة التي يؤكد المؤلف بأن مدتها أمد الدهر ويؤكد على عظمة أجرها.
ونختتم هذا الكتاب القيّم بالجزء الرابع عشر الذي حمل عنوان (لله تعالى الدين الحق، ومصاديق للشرك بالله) ونقرأ في المتن موضوعا بعنوان الرسول، رسول رحمة، وأيضا نطلع على موقفين في مواجهة الرسالة هما موقف الكفر والثاني موقف الشرك، وسياسة الحلول الوسطى.
وأخيرا يحاول هذا الكتاب أن يوضح لنا تلك العلاقة المهمة التي تربط بين العقيدة والسلوك بل وتعمّق ارتباطهما ببعض، ومدى اعتماد السلوك القويم على ركيزة العقيدة الراسخة في عموم مجالات الحياة، وذلك لملاقاة الإنسان لربه تعالى بوجه أبيض وقلب سليم.