ســــــــــــــــوف أتركـكـــــم معــــــــــــــــه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله أيامكم بكل خير
أما بعد
وبما أننا نمر في فترة الامتحانات
ولما يحدث فيها من ظاهرة غش أو تغشيش ولم يعد أحد يحسب للأمر أي حساب
لن أدخل عليكم من باب المعاتب والمؤنب و ولن أبدأ الموضوع وأنا أقول لكم من غشنا فليس منا
فكلنا يعلم حكم الغش في الإسلام سواء في الامتحان أو في غيره
ولن أبدأ بالتهديد والوعيد لا.. هذه ليست طريقتي
فأنا لا أزيد عنكم بشيء ولست أفضل من أحد وقد كنت طالبا في المدرسة وغششت من غيري أحيانا وغشّشت غيري أحيانا أخرى. أسأل الله أن يعفو عني وأن يغفر لي خطأي وذنبي
ما أود إيصاله لكم اليوم أحبائي إخوتي وأخواتي هو قصة تحمل عبراً و معانٍ كثيرة
هذه القصة التي سأوردها لكم حدثت معي شخصيا ليس مع أحد غيري حتى لا يقول أحد أنها تحتمل الصدق والكذب والله على ما أقول شهيد
بدأت قصتي في إحدى آخر سنواتي الدراسية في المدرسة عندما أقبلت امتحاناتي النهائية
في تلك الفترة التي سبقت الامتحانات قطعت عهدا على نفسي أن لا أغش في الامتحانات أبدا ومهما كانت الظروف
وقلت في نفسي عسى أن يوفقني الله وأنجح هذا العام
لذلك لن أعصيه وها أنا أعاهد نفسي أمام الله على عدم الغش
وبصراحة لم أكن قد درست جيدا في تلك الفترة وخاصة بالنسبة لمادتين هامتين جدا ومفصليتين ألا وهما الرياضيات والفيزياء
واللتان تحتاجان الى جهد على مدار العام لكي يتمكن الانسان من التجاح فيهما
وبدأ الامتحان
كنت في كل مادة أذهب ويطلب مني الرفقاء أن أغششهم فأقول لهم أنا بحاجة لمن يغششني فاذهبوا عني
وتعلمون حينما يقولها أحدنا يبدؤون بتكذيبه ويقولون أنت لا تريد أن تساعد غيرك
واستمر الحال على هذا النحو حتى أتى اليوم الموعود يوم الرياضيات لم أكن محضرا للمادة بشكل جيد وكنت خائفا جدا فأدائي في الفيزياء لم يكن بذلك المستوى الطيب
ودخلت قاعة الامتحان وبعد توزيع أوراق الأسئلة والإجابة بدأت بالتعرق. شعور مر به كل من دخل امتحانا من غير تحضير بل حتى الذي قد حضّر جيدا قد يشعر بالتوتر
فكيف اذا كان الامتحان امتحان رياضيات
لست أنا فقط من يشعر بالتوتر بل القاعة بكاملها والطلاب منهمكون في قراءة الأسئلة وكأنهم يشاهدون فيلما مرعبا أو يواجهون أسدا كاسرا قد برزت أنيابه
فترى الوجوه مصفرة والعيون شاخصة وقد اشتد عرق الجبين ...
بدأت بحل ما أستطيع حله ولم يكن هناك الكثير بصراحة فأنا لم ادرس جيدا لذا تستطيعون القول بأنني تقريبا أيقنت بالهلاك -في هذه المادة طبعا- (حقا شر البلية ما يضحك)
لكن استعنت بالله وبدأت بتقديم كل ما أستطيع
وهناك وبعد مرور عدة دقائق وبينما كنت منهمكا في التركيز وفي تذكر القوانين والتأكد من الاجوبة
فجأة حدث ما لم يكن بالحسبان.. وبدأ أول اختبار لي من الله عزوجل
خاطبنا الاساتذة المراقبون لنا في قاعة الامتحان بصوت خافت وقالوا من يريد أن ينقل حل مسألة من زميله فلا بأس لكن بصوت هادئ
وهنا كانت الصدمة الاولى.. نظر الطلاب الى الاساتذة بوجوه تملأها الدهشة والاستغراب لكن يغشاها الفرح
أما أنا .. فلكم أن تتخيلوا موقفي في تلك اللحظة لقد عاهدت الله ان لا أغش في الامتحان مهما كانت الظروف
وفي الوقت الذي كنت فيه بحاجة ماسة الى من يساعدني في حل مسألة أو في تذكر قانون
يأتي ابتلاء الله عز وجل لي فيسمح المراقبون للطلاب بالغش وعلى مرآى منهم ومسمع
ماذا تروني قد فعلت برأيكم؟ لقد أصبحت الآن شخصا يخوض غمار امتحانين في وقت واحد
وكل امتحان أشد وأصعب من الآخر
فمن جهة أنا بحاجة الى الدرجات لكي أنجح ومستواي لم يكن طيبا في الفيزياء وإن لم أبلي جيدا قد أرسب وأفشل واعيد السنة بكاملها
ومن جهة أخرى لقد عاهدت الله أن لا أغش مهما كانت الظروف
ويأتيك الشيطان ليقول لك سأغش هذه المرة فقط
ثم ساستغفر إن الله غفور رحيم
لا أخفيكم سرا.. والله لقد أخذت بالضحك أخذت أضحك وأضحك حتى اعتلى صوتي فنظر اي المراقب وقال لي صه صه ما بك؟
قلت له .. لا شيء .
لقد أيقنت تماما أن هذا ابتلاء من الله لي لكي يرى مدى صدقي
ثم عدت بتفكيري الى ورقتي وأكملت الحل بسعادة غامرة
لأنني ظننت أنني قد نجحت في اختبار الله لي وهذا هو الأهم
كانت أصوات الطلاب تعلو أحيانا وتخفت أحيانا أخرى
حتى أتت فترة اعتلت الأصوات فيها كثيرا حتى منعتني من التركيز من كثر علوها
وأنا أسمع قوانينا تدخل في قوانين وأجوبة تدخل في أجوبة والأصوات تختلط مع بعضها البعض وأنا أحاول ألا انصت وأحاول أن أركز على ما بين يدي
أظن أن الصورة واضحة بالنسبة لكم
كنت اتمنى أن لا يكترث أحد لي
أي أن لا يطلب مني شيئا وانا بدوري لن أطلب من أحد شيئا
وبينما انا كذلك بدأ امتحان الله تعالى لي من جديد
نظر لي أحد الطلاب والذي قد أزعجني صراخه على مدار الوقت وهو يمنعني من التركيز فظننت أنه يريد الآن ان يطلب مني شيئا
لكن الامر كان على العكس تماما
قال لي: هيه .. مالك لا تنقل شيئا هل عرفت كل الأجوبة ؟
فقلت له لا لكنني ساحل ما أعرفه أولا وبعدها لكل حادث حديث فقال لي وهو يضحك: سينتهي الوقت قبل أن تفعل
فقال لي :قل لي ماذا تريد؟ لقد حللت الأسئلة كلها ماذا تريد؟
وهنا علمت أن الاختبار الثاني قد بدأ على نحو أصعب من الاول
لكن انتهى الامر اتخذت قراري لن أتراجع عن عهدي
فجاوبته بسرعة وأنا أبتسم: شكرا لا أريد شيئا.
نظر إلي باستغراب ولوى شفته السفلى وكأنه لم يجد سببا لقولي هذا الا أمرين : أولهما إما أنني أحمق بالفطرة أو أنني قد جننت بحكم ان المادة رياضيات واظن أن هذا الأخير قد أقنعه
فاستدار الى ورقته وبدأ يحادث غيري
وبعد مرور نصف الوقت المخصص للمادة
خاطبنا الاساتذة المراقبون وقالوا انتهينا لن نسمح لأحد بالغش أعطيناكم فرصة كافية ووافيه ومن سيتكلم سنسحب ورقته
وهنا أتاني الشيطان ليقول لي أيها الاحمق لقد أضعت فرصتك في النجاح وقبل أن أبدأ في بالندم والحسرة قضيت على كل تلك الوساوس والمشاعر
بحمدي لله تعالى وبفرحتي بأنني أجتزت الإختبار الأصعب ولا شيء بعده يهم
وبعد دقيقة وبعد ان صمت الجميع
قلت الحمد لله الآن أستطيع التركيز فيما بقي من الوقت وأحل ما ييسره الله لي
وإذ بيدٍ أمسكت بي من يدي التي أكتب بها وإذا به الأستاذ المراقب
فنظرت إليه وأنا مندهش لفعله
مالذي يريده مني؟
فقال لي حينها: بني أنا لم أرك تأخذ من أحد شيئا أخبرني هل حللت كل شيء ؟ بدأ الاختبار الثالث
قلت له: لا .فقال لي هل تريد حل مسالة ما؟
فقلت له: لا شكرا وأنا على وشك الضحك لدهشتي مما يحدث لي
فقال لي : حسنا لا بأس.. صحيح أنني لن أسمح لأحد بالغش بعد الآن لكن انت أستثناء
خذ ما شئت من زملائك لن أكلمك حتى نهاية الوقت بالكامل
فقلت له لكي ينصرف عني فقط: حسنا شكرا لك , وأنا لا أنوي فعل ذلك مطلقا
ليتكم كنتم معي في ذلك الموقف والله لم أكن أصدق ما يجري
ألهذه الدرجة ؟ ! كنت مندهشا ..متعجبا.. لا أصدق ما يجري
أن يأتي المراقب الي ويمسك بيدي ويقول لي ماذا تريد؟
أي اختبار أمر به الآن .أي امتحانٍ هذا الذي أخوضه
امتحان في خضم امتحان
ومضى الوقت وانتهى الامتحان وخرجت وأنا مبتسم فرح تغمرني نشوة والله قلّما شعرت بها ليس بما قدمته في الرياضيات
بل بما قدمته في امتحان الله عزوجل لي
أخبرت أهلي بالقصة
ليبدأ بذلك امتحاني الرابع من الله عزوجل وكان الأقسى من بين سابقاته
بدأت الملامة من أمي حفظها الله وغفر لها وانتشرت قصتي بين الأقارب انتشار النار في الهشيم
ووصلت لأصحابي وبدأت ألقى اللوم من كل حدب وصوب
وترددت هذه العبارة في مسامعي كثيرا:الآن أصبحت شيخاً على حسابنا؟
وأصبحت على ألسنة الجميع هذا من يضحك وهذا من يسخر
إلا البعض من عائلتي ومن اصحابي المقربين
كدت ان أبكي حينها لكن الله صبّرني
كنت أعلم أن هذا ابتلاء من الله تعالى لي واختبار منه لصبري
وعندما ظهرت النتائج برأيكم ماذا كانت نتيجتي؟
النتيجة
لقد فشلت..
والمصيبة الأعظم
بفارق درجة واحدة
لقد كان هذا الاختبار هو الأصعب بين سابقاته
ربما لو أنني رسبت بفارق أكثر من درجة لكان أهون علي من أن أرسب بفارق درجة واحدة
لم أحتمل الامر بكيت بمرارة على تلك الدرجة
سأعيد عاما كاملا بسبب درجة
رحماك يارب.. لقد بلغت حدي
لكم أن تتخيلوا ملامة الاهل والاقارب في تلك اللحظة لم تتوقف أساسا من بعد قصتي تلك ولكم أن تتخيلوا شماتة من لا يحب لي الخير
لقد كان الامر أكبر من أن أتحمله لولا تذكير أخي وبعض الرفقاء لي بالأجر والثواب جراء صبري واحتسابي جزاهم الله خيرا
وبفضل الله تعالى تجاوزت تلك المرحلة وأكملت طريقي ودراستي ولله الحمد
لن أقول بأنني قد فشلت في ذلك العام لأنني لم أغش..أبدا معاذ الله.. بل لأنني لم أدرس جيدا..
والحمدلله أكرمني الله بالنجاح في العام الذي تلاه وبقيت قصتي لأحكيها لغيري...
أعلم أنه من الصعب أن تظل متفوقا.. فقد كنت كذلك في الابتدائية والمتوسطة
لكن أن تعود للتفوق بعد فشل.. أظن أن هذا الأمر أصعب بمراحل
وهذا ما حققته ولله الحمد
وبهذا تكون قصتي قد انتهت.
أعتذر منكم أشد الاعتذار على إطالتي ربما قد يمل البعض
لكن حاولت جاهدا أن أصف لكم الحدث كما عشته
وكتبته بقلبي قبل يدي لكي يصل إلى قلوبكم
بعبارة أخرى قصتي هذه من القلب الى القلب
عسى أن تكون عبرة لغيري وأن يستفيد منها كل من يقرؤها
ربما لن أجني ثمار صبري في هذه الدنيا لكن أسأل الله أن يفرحني بها في الآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه
نصيحتي لكم أخوتي وأخواتي الأعزاء تذكّروا دوما أننا في دار ابتلاء وامتحان
لا تقل ماذا ستفعل درجة واحدة لو غششت بدرجة واحدة إعلم أن هذه الدرجة قد كسبتها بالحرام لم تستحقها
وستنال شهادة لم تستحقها وستأخذ وظيفة لم تستحقها وهذا ظلم جليّ لإخوانك ممن تعب واجتهد ولم يحصل بتعبه على ما حصلت انت عليه بتعب غيرك
فما بالك بالمال الذي ستجنيه منها؟؟؟
علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله
فقد وهبنا العقول لذلك وعلينا إعمالها لذلك.
ما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منهما براء
أسأل الله أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم
وفقنا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه
حفظكم الله ورعاكم أينما كنتم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك