قال شيخ الاسلام ابن تيمية:
" سورة الكوثر: ما أجلّها من سورة! وأغزر فوائدها على اختصارها!
وحقيقة معناها تُعْلم من آخرها، فإنه سبحانه وتعالى بَتَر شانيء رسوله من كل خير،
فيَبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة،
و يبتر حياته فلا ينتفع بها، ولا يتزوّد فيها صالحا لمعاده،
و يبتر قلبه فلا يعي الخير، ولا يؤهِّله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله،
و يبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرا ولا عونا،
و يبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعما ولا يجد لها حلاوة،
وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها،

وهذا جزاء من شنَأ بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم وردَّه لأجل هواه أومتبوعه
أو شيخه أو أميره أو كبيره، كمن شنأ آيات الصفات وأحاديث الصفات، وتأوَّلها على غير مراد الله
ورسوله منها، أو حملها على ما يوافق مذهبه ومذهب طائفته،
أو تمنَّى ألا تكون آيات الصفات أنزلت، ولا أحاديث الصفات قالها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم ...
ومن أقوى علامات شناءته لها وكراهته لها أنه إذا سمعها حين يَستدل بها أهلُ السنة على ما دلت عليه
من الحق اشمأز من ذلك، وحاد ونفر من ذلك، لِما في قلبه من البغض لها والنفرة عنها،
فأي شانيء للرسول أعظم من هذا ... وكذا مَن آثر كلام الناس وعلومهم على القرآن والسنة،
فلولا أنه شانيء لِما جاء به الرسول ما فعل ذلك، حتى إن بعضهم لينسى القرآن بعد أن حفظه،
ويشتغل بقول فلان وفلان ...
فالحذرَ الحذرَ! أيها الرجل من أن تكره شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم
أو تردّه لأجل هواك، أو انتصارا لمذهبك أو لشيخك، أو لأجل اشتغالك بالشهوات أو بالدنيا؛
فإن الله لم يوجب على أحد طاعة أحد إلا طاعة رسوله والأخذ بما جاء به،
بحيث لو خالف العبد جميع الخلق واتبع الرسول ما سأله الله عن مخالفة أحد،
فإن من يطيع أو يطاع إنما يطاع تبعا للرسول، وإلا لو أمر بخلاف ما أمر به الرسول
ما أطيع. فاعلم ذلك واسمع وأطع، واتبع ولا تبتدع، تكن أبتر مردودا عليك عملُك،
بل لا خير في عمل أبتر من الاِتّباع، ولا خير في عامله،
والله أعلم "

( مجموع الفتاوى « (16/526ـ529).).