في الخامس عشر من شهر شعبان المعظم عام 255 للهجرة النبوية الشريفة ولد الامام الثاني عشر من الائمة المعصومين الذين بشر بهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه الامام "محمد المهدي" ابن الامام "الحسن العسكري" صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين في مدينة سامراء في العراق، لقد اقتضت الحكمة الإلهية إخفاء ولادة هذا الوليد الجديد عن أعيُن العامة - كما اقتضت من قبل إخفاء حمل وولادة النبي موسى(ع) ليسلم من أذى ومطاردة الحكام الظالمين، كما اقتضت الحكمة الإلهية تغيّبه عن الناس- إلا الخواص من شيعته- وجعل السفراء الأربعة لمدة سبعين عاما أو أكثر؛ لربط الأمة به تمهيدا للغيبة الكبرى التي لا يُعلم مقدارها، حتى يعود لنا ذلك النور الإلهي ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن مُلئت ظلما وجورا، وتلك هي حكمة الله البالغة في عباده، فلقد كانت حياة الإمام العسكري(ع) قد امتدت في حكم ثلاثة من خلفاء الجور من بني العباس، هم: المعتز (255ﻫ)، والمهتدي (256ﻫ)، والمعتمد (279ﻫ)، وكان المعتمد العباسي أشدّ اولئك حسدا وبطشا لأهل بيت النبوة(ع)، وعرف هؤلاء من أحاديث أهل البيت(ع) وجود المهدي المنتظر(ع)، وأنه من أولاد الإمام علي وفاطمة(عليهما السلام)، وأنّه الإمام الثاني عشر لأئمة أهل بيت العصمة(ع)، وسيملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت ظلما وجورا، ولكل ذلك بذل المعتمد جهده في المراقبة والبحث عنه لقتله؛ حتّى لا يُزال سلطانه وأمانه، ولذا قد أمر شرطته بخطوة خبيثة منه بعد قتل الإمام العسكري(ع)، بتفتيش دار الإمام العسكري(ع) تفتيشا دقيقا للعثور على الإمام المهدي(ع)، وحبس جواري الإمام العسكري(ع) واعتقل حلائله، وقد بثّ القابلات للبحث عمّن لديهنّ حمل، أو مراقبتهنّ لأمر الحمل، حتّى بقيت هنالك امرأة مراقبة لمدّة سنتين، لقد علم حكّام الجور بأن هذا الصبي سيدكّ مضاجعهم، وكان وجوده يهزّ عروشهم، على الرغم من أنّه(ع) لم يتجاوز الخامسة من عمره الشريف، بل لكونه الإمام الثاني عشر من أئمة الهدى والحق، وقد أوضحت الأحاديث دوره(ع) في التصدي للظلم والظالمين بكل وضوح، لقد اتّفق الكثير من العلماء ومن المحدّثين على تثبيت تاريخ ولادته الشريفة، كالمالكي والشافعي والحنفي والحنبلي .. إضافة إلى اتّفاق الشيعة الإمامية كلّهم على مولده الشريف(ع) وفي كل هذا يكون التواطؤ على الكذب محالا. كان لابد أن تكون ولادة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر "عجلّ الله فرَجَه" مقرونة بالسريّة والكتمان؛ حتّى تتسنّى له الغيبة بعد ذلك والاختفاء عن الأنظار إلى مكان آمن يختاره الله له إلى حين يأذن له بالظهور، باعتباره الكوكبَ الأخير في سماء الإمامة، والإمام الذي لا إمام للمسلمين بعدَه، وهذا المعنى يستلزم حياة خفيّة وعمرا مديدا وولادة سرية، حتى يبقى موقع الإمامة مشغولا على مدى الدهر بإمام من الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ظاهر أو غائب، وحينئذ، فمن غير المناسب أن يقال: لماذا لم تكن ولادة الإمام، ووجوده بعد أبيه أمرا مشهودا، ملموسا لكل من أراد؛ حتّى نصدق به؟ فإنه لو كان كذلك لما تيسرت له الغيبة والاختفاء عن الأنظار، ولَما كان هو الإمام الثاني عشر، ولكان الأئمة أكثر من هذا العدد، وهذا ما يخالف الأدلة النبوية المذكورة، فالولادة السرية من المستلزمات والمقتضيات الطبيعية لتلك الأدلة، ومن هذا المنطلق لا يعد الإعتقاد بظهور الإمام المهدي (ع) و المصلح العالمي مختصا بالشيعة بل هو أمر تعتقد به سائر الفرق الإسلامية و حتى غير المسلمين أيضا كاليهود و النصارى فقد جاء في زبور داود : " و الذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض . . . أما الودعاء فيرثون الأرض و يتلذذون في كثرة السلامة . . . و عاضد الصديقين الرب . . . الرب عارف أيام الكملة و ميراثهم إلى الأبد يكون . . . لأن المباركين منه يرثون الأرض و الملعونين منه يقطعون . . . الصديقون يرثون الأرض و يسكنون فيها إلى الأبد ". كما وعد القرآن الكريم الأمة بيوم يستلم فيه رجال الحق و الأناس اللائقون أزمة القيادة في الأرض ، و ينتصر فيه الدين الإسلامي على سائر الأديان و يعم الأرض ، هذا بالإضافة إلى ورود آيات فيه تفسر بالإمام المهدي (ع) كقوله تعالى: { و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } "الانبياء 105". { وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } " النور 55" { هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } "الصف9 ". {و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين} "القصص 5". و هكذا يتوضح من هذه الآيات أن العالم سيصل حتماً إلى اليوم الذي تستلم فيه القيادة الرشيدة اللائقه أزمة الأمور فيه ، فيكون أولياء الله قادة الأرض يعلو الإسلام فيه على سائر العقائد ، لذلك و مع ذكرى ولادة { من يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد أن ملأت ظلما و جورا } كإمام عادل ومدرسة رسالية واتجاه ثقافي وحضاري يتسم بالاصالة الإنسانية الرسالية والنقاء و الطهارة و العصمة في الفكر والممارسة والتنظيم و الجهاد علينا ان نكون على مستوى لائق من الانتماء و الوعي و الولاية والفهم و الثقافة الإسلامية الولائية، وقد عمم التراث الإمامي الوعي والثقافة على المساحات والافاق الاجتماعية والمجالات التي يجب الإجتهاد عمليا فيها ... حتى يكبر التيار الفكري المهدوي و يغني المستضعفين بالثقافة وبالفكر الحركي الإسلامي الذي هو فكر العصمة و الطهر والتضحية بالغالي و النفيس والمعاناة الجهادية والممارسة العملية .. الفكر الإسلامي الأصيل العملي التغييري وليس طرحا نظريا إنه تجربة حية عنوانها: "الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء و مهدوي الوحدة". إن قيمة هذه المناسبة "ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف " تحيي فينا الإسلام و التشيع و الولاية و الشهادة من جديد، ترتفع بنا في رحاب النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و رحاب البيت الطاهر و المعصوم بيت سيدة نساء العالمين و أمير المؤمنين عليهم السلام و الامام المجتبى (ع) و الإمام الحسين الشهيد (ع) و الأئمة من ولد الحسين عليهم السلام، لنستوحي منهم دررا كامنة في كلامهم و سيرتهم أسرارا نجهلها عن شخصية الإمام المهدي عليه السلام، حيث تولد فينا القدرة على صنع المستقبل الإسلامي، وتنصب الجهود على مستوى الفكر والواقع بالجهاد ضد التعصب والشقاق و الفتنة والتخلف وضد الإرهاب والخوارج الجدد، فيبقى الإمام المهدي إمامنا بحق الموجه للفكر وللعمل.. .. فنصنع من الثقافة المهدوية واقعا حركيا ودعوة تغييرية مصيرية في أعماق الأمة ووجدانها ، هذه الحقيقة هي التي أن لابد نتحرك بها و نربي عليها أبناءنا من أجل التفاعل والتأثير في الأوساط المختلفة من أبناء الامة لنثبت إنها خير أمة أخرجت للناس. ليكن شعارنا الاسلامي دائما ابدا دعاءا بالفرج لامام العصر والزمان الامام المهدي المنتظر (ع) " اَللّهم کن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى ابائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا" والسلام عليك يا طاووس الجنة وبقية الله المنتظر ورحمة الله تعالى وبركاته.