حفلات المولد النبوي الشريف أيام زمان
محمد مجيد الدليمي اعتاد البغداديون ان يحتفلوا كل عام بمولد الهدى فخر الكائنات الرسول الأعظم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يوافق الثاني عشر من شهر ربيع الاول، وذلك من خلال اقامة مجالس المناقب النبوية الشريفة التي تسمى باصطلاح أهل بغداد (مولود) في جلسات ليلية شعبية دينية جميلة يحييها احد القراء المجودين المشهورين آنذاك وبطانته (شغالة) وتقام عادة في بيوتات البعض من البغداديين الوجهاء او في الجوامع وكان يسود تلك الاحتفالات جو من الفرح والسرور توزع خلالها بعض الاكلات التقليدية البغدادية مثل زردة وحليب، والمحلبي والملبس، الشربت والحلويات من الزلابية والبقلاوة،
وترى اطفال المحلة فرحين وهم يرتدون الدشاديش البيضاء ويضعون على رؤوسهم الطاقية (العرقجين) والكل يردد بين الفينة والاخرى (صلوا على محمد وعلى آل محمد) كما ان الحكومة كانت تقيم في هذه المناسبة احتفالا مهيبا في جامع ابي حنيفة النعمان (رض) غير بعيد عن ضريح الامام موسى الكاظم (ع) حيث تقام المواليد وتقرأ الموشحات النبوية في الجوامع والحسينيات، حيث يتجمع الناس الذين يأتون من كل احياء بغداد وخارجها ليشاركوا في احتفال مولد رسولهم الأعظم. ويتضمن الاحتفال قراءة آيات من الذكر الحكيم بصوت أحد القراء المعروفين آنذاك ثم تقام المنقبة النبوية الشريفة حيث ترتفع الاذكار والمدائح النبوية بأصوات المنشدين مع ضرب الدفوف وصوت القارئ الشجي الذي يتغنى بمدح رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقصيدة (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع).
وعلامات الفرح والبشرى والابتهاج ترتسم على وجوه المحتفلين وهم يرددون (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) كما تقام ايضا في جامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني في محلة باب الشيخ احتفالات شعبية دينية بهذه المناسبة العطرة، وتتولى دائرة الاوقاف آنذاك بنفقات طبخ الاطعمة وتوزيعها بين الفقراء كما انها توزع الدراهم على الأرامل والأيتام وبما ان منطقة باب الشيخ تعد مركزا لتجمع قراء القرآن الكريم والمناقب النبوية، فتراهم يتبارون في قراءة المنقبة النبوية في أروقة الحضرة القادرية وعلى مسامع الناس المحتفلين.
وتشرع بطانتهم بتنزيلة من النغم الذي يأتي به القارئ وهو يقرأ أبيات قصيدة في مدح رسول الهدى والرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن أبرز قراء المناقب النبوية قبل اكثر من مائة عام هو الشيخ عثمان الموصلي المولود العام 1864، وكان عالما فاضلا وموسيقيا مبدعا وله نباهة وشهرة في استانبول ومصر وسوريا والعراق واليمن والحجاز وسائر البلدان العربية التي ساح فيها فكان وحيد عصره في التجويد وفي قراءة المناقب النبوية. ان هذا الشيخ الضرير قد بلغ من العمر عتيا وبقي برغم من ذلك اعجوبة زمانه، وله عدة قصائد مخمسة في مدح النبي محمد (ص) وكانت له بطانته المؤلفة من عبدالرزاق القبانجي والد الاستاذ محمد القبانجي، والمرحوم محمد علي خيوكة والد المغني حسن خيوكة والمرحوم رشيد ابو ندر والمرحومين شهاب واحمد ولي شعبان والمرحوم محمود الملقب (ابن الطحانة) وظل ملا عثمان يقرأ المناقب النبوية حتى الثورة العراقية العام 1920.
هكذا كانت ايام البغداديين ايام زمان، اللهم نسألك ان تعيد علينا نعمة الأمن والأمان وان ترفع عن شعبنا البلاء والعذاب وان تحفظ العراقيين وبلدهم من كل مكروه بجاه خاتم الأنبياء والمرسلين الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)...