كثيرًا ما أثير جدل واسع حول "المرأة" وذلك تحت عناوين مختلفة، وفي حقول معرفية متعددة، والبحث الفقهي هو أحد الحقول المعرفية التي عكست الخلاف الإسلامي – الغربي في دائرتيه الضيقة والواسعة على مرور أكثر من قرن والمقال التالي يدرس حقوق المرأة في فقه أهل البيت(عليهم السلام). قد تجلى ذلك الخلاف في مفردات كثيرة أبرزها حقوق المرأة وواجباتها، وهل حرمانها من بعض الأحكام يعني أنها مخلوق ناقص؟ بناء على مفهوم نقص العقل والدين لها. وقبل أن نستعرض الشبهات المثارة في "فقه المرأة" ندوّن ملاحظة مهمة في مفهوم الأفضلية بين الرجل والمرأة. مفهوم الأفضلية بين الرجل والمرأة إن الفوارق بين المرأة والرجل لا تعني أفضلية أحدهما على الآخر، فالمرأة من سنخ الرجل في الكرامة والحقوق، كما يمكن تصنيف هذه الفوارق بلحاظين: الأول: اللحاظ الإنساني: فقد خلق الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة متساويين، فهما مخلوقان من نفس واحدة، ومن تكوين واحد، فيقول جلّ شأنه: "یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَیْكُمْ رَقِيبًا"، وعلى ضوء تلك الآية وغيرها من الآيات فالرجل والمرأة متساويان في الإنسانية. الآخر: اللحاظ التشريعي: إذ ليس بينهما فارق من حيث التشريع في معظم الأحكام فما أُمر به الرجل أُمرت به المرأة، وما نُهی عنه، نُهيت عنه، إلا في أحكام خاصة اقتضت الشريعة التمايز بينهما لا لأفضلية أحدهما على الآخر تشريعًا أو تكوينًا، بل هذا الاقتضاء نابع من الوظيفة الشرعية المكلف بها كل واحد منهما من قبل الله عز وجلّ. ومن يمعن النظر في خطاب الشارع المقدس يتجلى له بأنه خطاب يتوجه للرجال والنساء في آن واحد، ما لم تكن ثمة قرينة تصرفه عن عمومه، وأن المساواة بينهما في أصل الخلقة، وفي الأجر والثواب، وولاية بعضهما على بعض ثابتة في نصوص الشريعة. ففي أصل الخلقة يقول جل شأنه "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَیْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى" وقوله تعالى "ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَیْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى" وفي الأجر والثواب قوله جل شأنه "أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى" وقوله تعالى: "وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَیِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" أما مساواتهم في الولاية ففي قوله تعالى "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاء بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَیُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَیُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". وعلى ذلك فهما متساويان في التشريع وليس بينهما أفضلية في الخلقة، ولكن بينهما تفاضل فرضته المسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منهما، وليس الأمر كما ذهب إليه البعض بأن فوارق الأحكام المختصة بالرجال دون النساء، هو عنصر تفوق بسبب النقص في النساء، وهذه رؤية خاطئة تتنافى وروح الشريعة التي أرست قواعدها على المساواة في الكرامة بين الرجل والمرأة، وأن مقياس التميز والتكريم عند الله هو التقوى فـ{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم}. ولا يعني إنّ حرمان المرأة من بعض المناصب المختصة بالرجال، أن تضفي تلك المناصب للرجال عنصر تميز.في مفهوم القوامةإن الله سبحانه وتعالى كافأ كل من الرجل والمرأة بحسب وظيفته الشرعية، والمسؤولية الملقاة على كاهله، بأن جعل له ميزة يتمیّز بها عن الآخر، فبمقابل نفقة الزوج على زوجته جعل له القوامة عليها، التي تعني الرعاية والتدبير؛ كونه المتصدي لشؤون الأسرة المنفق عليها، ولا يفهم من قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ" السيادة الحقوقية المطلقة مما يترتب على هذه القوامة سلب حقوق المرأة المعنوية والمادية. من يمعن النظر في خطاب الشارع المقدس يتجلى له بأنه خطاب يتوجه للرجال والنساء في آن واحد، ما لم تكن ثمة قرينة تصرفه عن عمومه، وأن المساواة بينهما في أصل الخلقة، وفي الأجر والثواب، وولاية بعضهما على بعض ثابتة في نصوص الشريعة. فالقوامة لا تسلب من المرأة السلطة على نفسها، أو على مالها؛ لأن القوامة مستمدة شرعيتها من عقد الزوجية الذي جعل لكل منهما حقوق وواجبات، ولم يجعل أحدًا متسلطًا أو متحكمًا على الآخر، فلا سلطة في الإسلام لأحد على آخر بذلك المفهوم، إذ القوامة هنا مأخوذة على نحو رعاية المصالح، وإدارة شؤون الحياة، فالقوامة إذًا: هي تكليف لا تشريف. والحقوق الزوجية متقابلة فحق الاستمتاع والمساكنة وهما حقان تنحصر فيهما أغراض النكاح، هما حقان مشتركان بين الزوجين، فكل ما يترتب على الزوجة من وجوب التهيئة والتجمل وإزالة ما ينفر الزوج، يجب كذلك على الزوج، فعن الحسن ابن الجهم قال: دخلت على أبی الحسن (ع) وقد اختضب بالسواد فقلت أراك اختضبت بالسواد، فقال: "إن في الخضاب أجرًا، والخضاب والتهيئة مما يزيد الله عز وجل في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة". وعن أبي عبدالله (ع) يقول: "الخضاب بالسواد أنس للنساء ومهابة للعدو". يعلل أحد الفقهاء المحدثین قوامة الرجل في الآية السابقة بأمرين: أحدهما: موهبي من الله تعالى وهو أن الله فضل الرجال عليهن بأمور كثيرة من كمال العقل، وحسن التدبير، وتزائد القوة في الأعمال، والطاعات. ولذلك خصوا بالنبوة، والإمامة، والولاية وإقامة الشعائر والجهاد، وقبول شهادتهم في كل الأمور، ومزيد النصيب في الإرث وغير ذلك. / ثانيهما: كسبي وهو أنهم ينفقون عليهن، ويعطونهن المهور مع أن فائدة النكاح مشتركة بينهما. في منحى آخر نجد أن المرأة أفضل قيمة ومنزلة عند الله جلّ شأنه من الرجل، وفقًا للمسؤولية المفروضة عليها، من إعداد الأجيال الصالحة المؤمنة، إذ تعد "التربية" من أولويات الوظائف الشرعية للمرأة كأمّ إن لم نقل أهمها، لا كما يطالب به البعض من حقوق زائف لها، وأدوار هامشية، كحق العمل الذي لم يوجبه الله جلّ شأنه عليها، بل جعل نفقتها على زوجها، أو أبيها، وإن عملها وإنفاقها على أبنائها، أو أرحامها هو إحسان ومعروف منها، وبذلك تكون صاحبة فضل وفقًا للآية الشريفة "وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ"؛ لأن النفقة تجب على الرجل كزوج أو أب، وإن فُقِدا وجب على الحاكم الشرعي النفقة عليها وعلى من تعيل من مال بيت المسلمين. من الموارد التي أفتى فيها بعض فقهاء الإمامية استحباب الزيادة في بر الأمّ على الأب، استنادًا لنصوص أئمة أهل البيت عليهم السلام، وتعظيمًا لمكانتها؛ لغلبة مشقتها، ودورها في تنشئة الأبناء الصالحين.فعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: "الجنة تحت أقدام الأمهات". وعنه صلى الله عليه وآله إذ يقول: "إذا كنت في صلات التطوع، فإن دعاك والدك فلا تقطعها، وإن دعتك والدتك فاقطعها". وعن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك". وعن المعلى بن خنيس، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: جاء رجل وسأل النبي صلى الله عليه وآله عن بر الوالدين فقال: أبرر أمك، أبرر أمك، أبرر أمك، أبرر أباك، أبرر أباك أبرر أباك، وبدأ بالأم قبل الأب". وعن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال موسى عليه السلام: يا رب أوصني، قال أوصيك بي ثلاث مرات، قال: يا رب أوصني، قال: أوصيك بأمك مرتين، قال: يا رب أوصني، قال: أوصيك بأبيك، فكان لأجل ذلك يقال: إن للأمّ ثلثي البر وللأب الثلث". وفي مورد آخر شجع أئمة أهل البيت عليهم السلام إنجاب البنات من خلال الاستحباب في طلبهن، ووجوب إكرامهن، وتقديمهن على البنين، وبذلك يرفعون ما كان عالقًا في أذهان المسلمين من موروثات الجاهلية في عدم الرغبة في (إنجاب البنات) باعتبارهن عار يلحق بالأب طيلة حياته. فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "خير أولادكم البنات". وعن الجارود بن المنذر قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: بلغني أنه ولد لك ابنة فتسخطها وما عليك منها، ريحانة تشمها وقد كفيت رزقها و (قد) كان رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بنات. وعن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات مباركات مفليات". إن ما أثير حول ما رُوي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنّ "النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول" لا يشير أبدًا إلى دونية المرأة؛ لأنه ليس هناك تلازم بين النقص الوارد في النصّ وبين قيمتها الإنسانية، فالنقص الوارد كمي لا كيفي، وأن النقص الذي يستلزم الدونية الإنسانية هو النقص الكيفي. وعن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرحه الله تعالى يوم القيامة. وعن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: و واحدة. مفهوم النقص في المرأة أخذ مفهوم حرية المرأة وحقوقها بعدين متغايرين في الفكر الديني: الأول: مَن قرأ حقوق المرأة تمسكًا بالجمود على النصّ، مما نتج عنه منع المرأة من حقوق مستحقة لها، بالأخص في ضوء المدنية الحديثة، فقد أبقت هذه المدرسة على المفاهيم السائدة في العصور الغابرة في العلاقة مع المرأة وحقوقها، دون النظر لما تشهده الحياة من تطور وانفتاح، فكل ما لم يرد فيه (نصّ) في مباني تلك المدرسة فهو مخالف للشريعة، حتى حُرمت المرأة من أبسط الأمور وأحقرها. الآخر: المتأثرون برؤية الغرب لحرية المرأة من العلمانيين، أو الذين أخذوا يتوسعون في مفهوم النصّ ويحملونه ما لا يطيق دون الاستناد إلى أدلة متينة وصريحة في ذلك، فهؤلاء أعطوا للمرأة من الحقوق ما لا تستحق، وأجازوا لها ما لا يجوز، والشواهد على ذلك كثيرة منها: - المساواة بين الرجل والمرأة في الدية / - المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث / - المساواة في شهادة المرأة بشهادة الرجل مطلقًا / - زواج المسلمة من غير المسلم سواء كان يهودیًا أو نصرانیًا، وغير ذلك. ولا شك بأن هاتين النظرتين لا تعبر عن رؤية الشريعة الدقيقة لحقوق المرأة، هذه الرؤية التي نستقي منابعها من القرآن الحكيم والسنة الشريفة الصادرة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله، وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، ولنا في كلا المطلبين تأمل هذا بيانه: 1. إن ما أثير حول ما رُوي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من أنّ "النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول" لا يشير أبدًا إلى دونية المرأة؛ لأنه ليس هناك تلازم بين النقص الوارد في النصّ وبين قيمتها الإنسانية، فالنقص الوارد كمي لا كيفي، وأن النقص الذي يستلزم الدونية الإنسانية هو النقص الكيفي. 2. إنّ النقص الطارئ عليها في العبادات والذي عبر عنه الإمام عليه السلام بـالنقص في الإيمان إنما هو ارتفاع التكليف عنها لوقت معين نتيجة تركيبتها الفسيولوجية، وليس من عاقل القول بأن المرأة أثناء توقفها عن الصلاة، أو الصوم تكون بخلاف الإيمان، والتدين جراء ذلك النقص؛ كون ما طرأ عليها من حيض خارج عن إرادتها، بل من حكمته -جلّ شأنه- وصنيعه، ومن غير المستساغ أن يسقط الله تعالى التكليف عنها، ثم يستنقصها، أو يعيبها. سجل لنا القرآن الكريم أكثر من شخصية نسائية أصبحن مضرب مثل للرجال وللفئة المؤمنة، بفضل سموهن الروحی، كآسية (زوجة فرعون)، هذا الاختيار من الله جلّ شأنه نابع من صفات الكمال فيها، فأكرمها بأن تكون مثالًا للمؤمنين من النساء والرجال، فقال سبحانه وتعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِی عِندَكَ بَیْتًا فِی الْجَنَّةِ وَنَجِّنِی مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"، واصطفاء الله مريم بنت عمران كان نتيجة للياقة العبادية والطهارة الروحية، والعفة والنزاهة من الذنب، ولم يماثلها من النساء وتفضل عليها سوى فاطمة بنت محمد عليها السلام، فهی بلا شك أفضل منها على الإطلاق. يقول الله سبحانه وتعالى فی الثناء على مريم "وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ یَا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ" ويقول عزّ من قائل: "وَمَرْیَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِی أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِين" هذا أولا. فی منحى آخر نجد أن المرأة أفضل قيمة ومنزلة عند الله جلّ شأنه من الرجل، وفقًا للمسؤولية المفروضة عليها، من إعداد الأجيال الصالحة المؤمنة، إذ تعد "التربية" من أولويات الوظائف الشرعية للمرأة كأمّ إن لم نقل أهمها ثانیًا: إن مقدار التكليف المرتفع عنها أثناء الدورة الشهرية هو الواجب من العبادات كالصلاة والصوم والطواف، ولا يعنی ذلك بأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل منها عملًا، أو يستجيب لها دعاء، فمن المستحبات التی ينبغی للحائض أن تعمل بها الوضوء وقت كل صلاة والجلوس فی مصلّاها مشتغلة بالتسبيح والتهليل والتحميد والصلاة على النبی صلى الله عليه وآله وقراءة القرآن، وإن كانت مكروهة فی غير هذا الوقت، وبعض روايات أهل البيت عليهم السلام تشير إلى الثواب الجزيل الذی يسبغه الله على الحائض حين استغفارها وقت الصلاة، وهذه إشارة إلى أن المرأة حتى أثناء ارتفاع التكليف عنها تبقى قريبة منه جلّ وعلا. 3. أما فی قوله عليه السلام >نواقص الحظوظ< والمفسر بنصيب المرأة فی الإرث، فيمكن دفع هذه الشبهة برواية محمد بن سنان أنّ أبا الحسن الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: "علة إعطاء النساء نصف ما يعطی الرجال من الميراث؛ لأن المرأة إذا تزوجت أخذت، والرجل يعطی فلذلك وفر على الرجال، وعلة أخرى فی إعطاء الذكر مثلی ما تعطى الأنثى؛ لأن الأنثى فی عيال الذكر إن احتاجت، وعليه أن يعولها، وعليه نفقتها وليس على المرأة أن تعول الرجل، ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج، فوفر على الرجل لذلك، وذلك قول الله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ". ووفق هذه الرواية فإن المرأة هي الرابحة؛ لأنّه مُنفِق عليها، وعلى ذلك فليس من الواجب أن تعمل لتنفق على أبنائها، وإن فعلت فهذا من الفضل المشار إليه فی الآية الكريمة. 4. ليس من الصحيح حمل علّة عدم قبول شهادة المرأة فی بعض الموضوعات الفقهية بذم عقل المرأة، أو الاستخفاف به، أو تسرية تلك العلة إلى جوانب أخرى من الحياة بحجة أنها ناقصة عقل، أو من باب كراهة مشاورة النساء، فالأحكام الواردة فيها شهادة الرجال خاصة دون النساء كالنكاح، والطلاق، والحد، ورؤية الهلال، لا تنسجم وعواطف المرأة المبنية على اللطف والرقة، فقد تجنح بها رقتها وعاطفتها إلى سبيل آخر غير الحق. ثم أنّه ليس فی كل موارد الشهادة تمنع المرأة منها، سوى تلك التی تسبب حرجًا أما بسبب الاختلاط بالرجال كالشهادة فی الحدود، أو تلك التی تتنافى وطبائع المرأة من الرحمة والعطف. أما ما يختص بمشاورة المرأة، فالنهی محمول على تدخلها فی شؤون الدولة والحكم الذی فی الغالب لا خبرة لهن فيه، لا مطلق أمور الشورى؛ لأنه قد ينبعث من المرأة رأیًا ناتجًا عن العقل لا العاطفة، كون الجانب العاطفی مغالب على الجانب العقلی عند معظم النساء، على خلاف الرجال، لذا فإن أمير المؤمنين عليه السلام حين نهى عن مشاورة النساء استثنى المجربات بالعقل، وفی ذلك دلالة قطعية على أن المرأة تتمتع بحصافة العقل، كما الرجل، يقول الإمام عليه السلام:>إياك ومشاورة النساء، إلا من جربت بكمال عقل.