TODAY - February 13, 2011
اوضاع البلاد تعزز الانتقادات الدولية لتعامل اوروبا مع ملف اللاجئين العراقيين
صحفي عراقي فر من العنف الى السويد وفقد ساقه بمجرد عودته الى بغداد
الصحفي علي جاسم محمد في منزل شقيقه في بغداد بعد فقد ساقيه (كريستيان ساينس مونيتور)
بغداد- جين غراف
من خلال عمله في وسائل الاعلام الاميركية راح علي جاسم محمد يوثق البؤس الذي يعانيه العراقيون الذين وجدوا ان الحرب قد احاطت بهم من كل جانب. لكنه بعد ذلك أصبح هو نفسه قصة معاناة حزينة.
ويروي حكايته التي تمتد من بغداد الى السويد ثم العودة الى بغداد ثانية. ويؤكد نموذجه المشكلة التي راحت تتنامى مع الوقت بسبب اصرار الدول الاوروبية على ابعاد اللاجئين العراقيين واعادتهم الى البلد الذي لايزال يدمره العنف. ووسط الحرب الاهلية التي اجتاحت العراق، كان علي جاسم محمد يعمل سائقا ومصورا صحفيا في الوقت نفسه. وحاله حال العراقيين الذين يعملون لوكالات الانباء الاجنبية كان هو سمع وبصر المراسلين الغربيين الذين لايمكنهم التحرك بحرية داخل العراق. وكان الحي السكني الذي يقيم فيه يخضع لسيطرة منظمة القاعدة في العراق، وفي كل مرة كان يغادر بيته فيها، لم يكن يعرف ان كان سيعود حيا الى بيته في المساء أم لا.
لكنه قرر مغادرة العراق في عام 2007 عندما كبرت قائمة الاصدقاء والاقرباء الذين قتلوا في العنف. وسلك الطريق المتعرج الذي يسلكه العديد من طالبي اللجوء، فقام بتزوير جواز سفر اوربي ووصل الى اوربا عبر ايران وبعدها الى السويد بلد اللجوء.
ويقول علي جاسم محمد "خلال احد عشر شهرا حصلت على الاقامة في السويد، ولاكون صادقا فاني حصلت في السويد على رعاية افضل".
ولكن ولغرض الابقاء على الاقامة كان لزاما على هذا اللاجئ العراقي ان يستخرج جواز سفر من العراق لاثبات هويته. وبعد اكثر من سنة من محاولة الحصول على جواز عبر سفارة بلاده في السويد، اضطر للعودة الى بغداد للحصول على الوثائق المطلوبة.
وبعد ثلاثة ايام على وصوله في ايلول (سبتمبر) واثناء ذهابه لدائرة الجوازات انفجرت قنبلة مزروعة على الطريق تحت سيارته. وكان قريبا جدا بحيث انه لم يسمع سوى "بوب" بدلا من ان يصم الانفجار أذنيه.
ويقول الصحفي العائد من السويد "رأيت كل شئ حولي يصبح غائما او اصفر وعندها حاولت الخروج من السيارة لكني لم اعد أشعر بأقدامي، وفي تلك اللحظة ادركت ان احدى ساقيَّ كانت معلقة بي بخيط". واسرع الى المستشفى وفيما كان يخرج من سيارة الاسعاف انفجرت قنبلة أخرى.
ولحسن الحظ قامت القنصلية السويدية بترتيب عودته الى السويد لكي تتم معالجته وليحصل على رعاية صحية. وفي الفترة الاخيرة واثناء زيارته لاحد اقربائه قبل ان يعود للسويد كان علي جاسم محمد يتناوب على الجلوس في كرسي للمعوقين او الجلوس على سرير النوم في غرفة المعيشة حيث يمضي معظم ايامه. وقضية هذا الصحفي توضح المشكلة المتنامية في السويد وفي البلدان الاوربية الاخرى التي تعيد العراقيين الى مناطق في بلدهم تعتبرها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، خطرة ويشمل ذلك العاصمة.
ويقول مسؤولو اللجوء ان العائدين بالطيران من السويد الى بغداد ومنهم مسيحيو الموصل، هم من الاقلية الدينية التي تم استهدافها بشكل خاص السنة الماضية. ويقول عمران رضا، وهو من كبار مسؤولي اللاجئين العاملين في الامم المتحدة في الاردن التي يتخذها العراقيون ملجأ مؤقتا، ان بريطانيا وهولندا والنرويج والسويد وقعت كلها اتفاقيات ثنائية مع الحكومة العراقية بهذا الشأن. ويضيف هذا المسؤول في مقابلة اجرتها معه صحيفة كريستيان ساينس مونيتور مؤخرا "لقد نصحنا هذه الحكومات بأن تبقى حذرة حول موضوع اعادة اللاجئين. ونحن نعتبرها رسالة غير صحيحة نقوم ببعثها في هذا الوقت حيث لايزال هناك الكثير من عدم توفر الامان". وتعتبر الأُمم المتحدة أي عراقي يسكن وسط العراق معرضا لمخاطر محتملة وانه يعتبر لاجئا بصورة آلية، وهذا الاعتبار غير مُوقعٍ عليه بين العراق وبين العديد من الحكومات الاوروبية. ويقول علي جاسم محمد "ان الوضع افضل عند مقارنته بما كان عليه الامر عام 2007، لكنه ليس آمنا. وعندما يقولون ان الوضع آمن فهم يكذبون على انفسهم".
والالم الذي يعانيه الصحفي لكونه لم يعد قادرا على اللعب مع ابنتيه الصغيرتين اكبر بما لايقاس من الالم الذي لايطاق والذي يعانيه في الليل او ذاك الالم الذي يعرف انه سيقاسيه عندما يذهب الى دورة المياه في الصباح. ويقول ان ابنته البالغة من العمر سنة واحدة تبدو وكأنها لا تعرف سبب عدم تمكنه الان من قذفها في الهواء وتلقفها. ويضيف معبرا عن فكرة تجعل عينيه تنديان بالدمع "اعتقد انها لاتعرف اني ابوها".
ويقول "لقد اعتدت كل يوم ان استيقظ واتمشى وألعب كرة القدم حتى وانا في السويد. وكنت آخذ ابنتي الى (الروضة) كل يوم وعندما ينتهي الدوام اعيدها الى البيت، كنت ممتلئا بالطاقة والقوة، وفجأة وفي ثانية واحدة لم اعد اتمكن من القيام بشيء".
لكنه لم يفقد الامل في مستقبل بالسويد، فسيقوم بتركيب ساقين بديلتين، ويتمنى ان يتمكن من المشي بعد سنة من الان. وبعدها سيبحث عن عمل كمصور فوتوغرافي او ان يقف وراء كاميرا فيلمية. ويعترف انها ستكون "لقطات تسلسلية طويلة" لاي شخص لكنه يقول "اتمنى ان انجح ذات يوم".
عن صحيفة كريستيان ساينس مونيتور