رفيقة الأرائك ....قصة قصيرة
بقلم:سنية عبد عون رشو
مهداة لروح الطفلة الشهيدة ... مريم البابلية
سمعت مريم تهمس قبيل رحيلها ..تدلى قرص الشمس ليقبل ثغر الفرات عند لحظات هدوئه...أزف
الغروب فداعبت الريح سعف النخيل المحاذي لضفة النهر...تطايرت الفراشات..متحدية غلالة الليل... قادتني هواجسي ان العمر سيغرب كذلك ...
فكرة مجنونة اعتصرت انفاسي لتثير شجوني وتتركني نهب أفكاري وبين الحلم والدهشة ... كأن يدا خفية تمتد الى رقبتي لتخنقني ..هرعت هاربة من داري ...دفعني قلقي لأقصد حديقة مطلة على ساحة فسيحة ...ولأتمكن من استنشاق كمية من الهواء النقي الممزوج ببرودة أول نيسان ولأشم رائحة تفتح الأزهار والأشجار ....
كنت اتمنى ان انفرد بنفسي علني أتخلص من وسوسة أفكاري حين كنت ذرة غبار في سديم الكون حيث كنت أسمع وأرى وأفهم ....ثمة برنامج تلفزيوني قديم ( كي لا ننسى ) كان يصفع المشاهد كي لا ينسى الحرب ويظل يدور في بشاعتها وثاراتها.. ...لكني نسيت .... حين رأيت نور الحياة ....جلست في الحديقة وتنفست الصعداء بحرية تامة ...بلا خوف من عين تراقبني أو تسجل حركاتي العفوية كما كان يعاني أبي .... أخذت أستمرأ زادي وأتذوق عذوبة ماء الفرات ...كنت أراقب الصبية وهم يتقافزون خلف كرة القدم كانوا يسمعون كركرتي حين يسقط أحدهم أرضا .... وقد رشقني أحدهم بحفنة من الماء بعد ارتوائه من قنينة كان يحملها ...وفي غمرة اندماجي بفرح فريقهم الذي حقق هدفا نسيت نفسي وهمومي...
فجأة سمعت جلبة وضوضاء وأصوات شبه بشرية تشبه الى حد ما ضجيج غابة مليئة بالضجر والموت القسري والصراع الابدي بين القاتل والمقتول.... سبقه صوت دوي هائل .....!! شعرت بذعر شديد كذلك الصبية مما جعلهم يختفون عن أنظاري ....خانتني شجاعتي وفضلت الاكتفاء بالتحديق ومراقبة الاحداث ....وكانت هذه اللحظات أغرب ما رأيته في حياتي ...
رأيت رجلا قصير القامة أشعث الشعر يرتدي أسمالا بالية ممزقة ... أخذ ينتفخ جسده شيئا فشيئا...ثم تحول لهيئة حيوان غريب لم أر مثله خلال سنواتي الخمس... أثار الرعب والقلق في نفسي امتلأت مخيلتي بما يشبه حافة الافراط بالدهشة ورجفة تنتاب مفاصلي ... والأدهى والأمر (الأكثر مرارة..) لم يكن وحده بهذه الهيئة بل توافدت عليه مجاميع تشبهه كأنهم كانوا في انتظاره .....اقتادوه بسلسلة حديدية وغادروا المكان دون ان يلتفتوا ....
ثم توافد فريق آخر ...وجوههم سمحة مضاءة بنور يتلألأ من بين أيديهم ومن خلفهم ...توجهوا نحوي
كادت قاماتهم ان تضاهي سطح داري ابتسموا بخجل مهيب وهو يقلبون رؤوسهم يمينا وشمالا ....وكان عزاؤهم انه لم ينتبه اليهم أحد غيري أخذوا يرشون عطرا فوق رأسي وهم يبتسمون ويتمتمون بكلمات لم أفهمها .....تساءلت مع نفسي .... أهولاء بشر مثلنا أم انهم نوع من المخلوقات التي تهبط من السماء عند سماعها استغاثة الحشود وهمس دعواتهم وتراتيل صلاتهم... .... لكني انتبهت لمسألة مهمة فلا أدري ....أين اختفى أبي الذي كان ممسكا بيدي ...ها اني أتحسس لمسة حنانه الطاغي ....
شعرت بدوار يلف مخيلتي ويجعلني أشعر بحالة تتأرجح بين الوعي واللاوعي ...حاولت ان استعيد نباهتي ومجابهتي للضعف الذي أخذ يحتل مسامات روحي وبدني وبات عقلي ينشد المؤازرة في فهم هذا اللبس....
...ثم رأيت الناس وقد تجمعوا حولنا في حالة من الارباك والحيرة ورأيت وجه أمي بين الجموع ...ولا أدري أكان حقيقة أم محض خيال كاذب....
.... تدافع الناس فيما بينهم وجاهد كل منهم ان يمد يد العون للآخر ... وكانت ظاهرة التشنج بادية على قسمات وجوههم .. ....بينما تبقى عيونهم طافحة بإلف سؤال وسؤال ......
السؤال الذي سمعته من الجميع ...لماذا يحدث هذا ....؟؟؟
هزني منظر مؤثر للغاية ...وكأني تحولت لغابة من الاشجار والبساتين والأزهار اليانعة والماء الزلال في أنهار جارية رقراقة
أخذت أندس بين صفوفهم في بادرة مني لمشاركتهم علني أتخلص من ضعفي وشوقي لأهلي وأحبتي ...
فقد تذكرت بريق عيون أمي وأبي....عندها تيقنت اني فراشة أحلق في جنة الفردوس ....هناك في السماء...أختلس نظرات الشوق والحسرة الى عالم الارض ....
هناك ....تشعر مريم بالراحة والأمان
......
ولكن .... تبقى الدفاتر حزينة ...
وتبقى الشمس مقطوعة الضفائر....
ملف حملة الطفلة مريم
في كل يوم لنا عرس نثاره الدماء واطراف الاطفال المتطايرة , في كل يوم لنا نوائح ودموع وحسرات , فالاوصال المقطعة والحانيات الظهور على احتضانها , مشهد يرافقنا مع كل شروق وغروب , لقد ارهقنا هذا النزيف المتواصل واورثنا شحوب الافق وانحساره , واصبحنا نعاني سطوة اليأس امام حلول بلا حلول , ووعود بلا ايفاء عرّتها التجارب من كل مصداقية , لذا اعلن الصبر انتحاره لاسيما ونحن نرى براعمنا - فلذات اكبادنا - تبعثر اجسادهم الرقيقة شفرات الشظايا وعصف الانفجارات , لم يعد الصمت ممدوحا في انتظار هِبة سياسية او مرحمة يطلقها من يشرّع القتل ويدعو له , فلكل شيء طاقة وحدود , وامام الانفجارات الاخيرة وصور الاطفال المبرقعة بالدماء وما حدث في مدينة الحلة في الـ 20/05/2013 من تفجير لمسجد وحسينية الامام زين العابدين - وما سيحدث بعده - انما يدعونا للتفكير بآلية جديدة وخطوات فعالة لايقاف سيل الدماء , فصوت الطفلة ( مريم علي ) وهي احد ضحايا ذلك اليوم الدامي ينادي : الى متى تبقى الطفولة في بلدي نهبا للموت وللأفكار العفنة ؟! .
من هنا ندعو اصحاب الافكار والاقلام البارعة للكتابة في مظلومية الطفل العراقي وما يحدث من انتهاك للانسانية في بلد الحضارات , مستلهمين من قصة الطفلة ( مريم علي ) مدخلا لرسم رؤية توضح ما يحدث في العراق وتضع حلولا مقترحة لنكوّن معا مجموعة تضع بصمتها الايجابية للنهوض بهذا الواقع السلبي , كما نرجو ابداء المقترحات التي ترونها مهمة لتفعيل هذا الملف والارتقاء به , وسوف نثمن كل الجهود المبذولة بالاضافة الى جائزة لافضل مقال او قصة او نتاج ادبي