لقد شكل موضوع التفسير والتأويل امتحان ذو طبيعة مفصلية في حياة المسلمين ككيان وكوجود مستمدة هذه المفصلية من حقيقة كون القرآن الكريم هو دستور الاسلام ومنبع الاحكام ومصدر الفكر الرسالي فهو المرشد والهادي الأول الذي يستنار بوجوده المجتمع الاسلامي في سيعه لبلوغ فهم وادراك المقاصد الالهية منه وبدون القرآن الكريم لايبقى من الاسلام إلا ما يمكن ان نسميه الحركة النبوئية التي في حقيقتها لو رجعنا لجوهرها ترجمة سلوكية لمقاصد الفكر الرسالي تنتهي بأنتهاء الوجود المادي لعنصر النبوءه المتمثل بالرسول الأكرم صلى الله عليه وأله وسلم.المقدمة
فالقرآن اذن هو من جهة كاشف عن صدق النبوءة وصاحبها واداتها ومن جهة ثانية هو البناء الفظي وبه جوهر القصدية الالهية المحكمة التي نزلت بين دفتيه ففهم القرأن على المستوى الاداراكي والعقلي المبني على قواعده هو لا على القواعد المتعارفة عند الامة التي نزل في خضم صراعها نحو الرقي من جهة والتمسك بالمورورث الجاهلي المعاش,فهو يشكل اسهام من القرآن الكريم وبالأصل من رب العزة على دفع المسيرة وتوجيه مدياتها نحو الحقيقة السامية المتمثلة بالإيمان بقيم الحق والعدل والأنصاف والخير,يقول الاستاذ الشيخ المحقق محمد هادي عرفه((مما لاشك فيه ان القرآن الكريم هو معجزة النبي صلى الله عليه وأله الخالدة,ويعتبر المحور الاساسي للشريعة الاسلامية,فتفسيره و تبيان ما اشكل على المسلمين هدف منتظر,و دعوة من اللّه تعال اذ{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء83,من هنا نرى النبي صلى الله عليه وأله هـو اول مـن بـادر الى تفسيره,فشكل حلقات دراسية لذلك,واخذ يسعى مثابرا في تربية صحابته الاكفاء وهم حشدعظيم,و قد اشتهر منهم عدد بتفسير القرآن الكريم,و افصاح معانيه,وكان في طليعتهم الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام))(التفسير والمفسرون ط1 الجامعه الرضويه للعلوم القرآنيه عام 1418),هذه الدعوة المنتظره كانت يجب أن تسري على نفس منوال القواعد الملزمة التي صاغتها الدعوة نفسها دون أن يكون لمجتهد ما برغم عن مستوى علمه وفكره وإيمانه,فهي اذن لابد ان تجري وفق المحددات{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}فالنتيجة التي تخالف هذا المحدد لابد وأن تكون أتباع الهوى والميل نحو محددات خارج روح القرآن والرسالة وقد نبأ بها النص بقوله{لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً},فأتباع الشيطان نتيجة منطقية للخروج عن حكم النص وقصديته وعن الدعوة المخصوصةبمن هم اهلا لها{إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ},والنص يشير إلى ضمير الغائب البعيد المقصود ولم يشير إلى الحاضر المخاطب منكم.
ويستطرد الكاتب بعد ذلك في شرح كون الرساله في عهدها الزاهر في حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله حيث لا أشكالات في التفسير والتأويل كونه هو المأمور الاصلي بالتبليغ والانذار وفق المحددات ووفق روح ونص الدعوة حتى انتقل صاحب الرسالة الأعظم ملتحقا بالرفيق الأعلى نشأت الاشكالية بين مدرستين متناقضتين بالتوجهات والأسس والمقدمات مدرسة اهل الدعوة المخصوصين بها وبين تيار المحافظة والتقديس لكل ما هو عروبي بمعنى الفهم الجاهلي لها وطابع البدوانية والتزمت والتحدد الذي ميز حياة المسلمين(العرب) قبل الإسلام فيقول في مقدمة كتابه((ثـم خلف من بعدهم خلف على تطاول الايام,أضاعوا بعض تلكم الطريقة المثلى,واتبعوا السبل,فـتفرقت بهم ذات اليمين و ذات الشمال,ربما في أهواء متباينة وآراء متضاربة,فكانت احداث وبدع و ضلالات,وابتداع مذاهب وانحيازات,كل يضرب على وتره,ويعمل على شاكلته .و كـان من جراء ذلك ان دخلت في الحديث والتفسير دخائل و اساطير مستوردة من ابناء اسرائيل و مـسـلـمة اهل الكتاب,كان يبثها بين المسلمين فئات تظاهرت بالاسلام اما لغلبة الجو والمحيط,أو لرغبة في الدس والتزوير.))(مصدر سابق).
إن تيار الانحراف والتحريف جر الويلات على المسلمين دون أن يمس جوهر الاسلام المحفوظ بحكم الله القاطع ولكن الذي تأثر وأنعكس عليه الأثر السلبي هي الأمة التي أراد الله منه أن تكون خير أمة أخرجت للناس طالما كانوا على المحدد الذي رسم لهم وضرورة مطابقة الهدف مع الوسيلة,يقول الأستاذ سعيد أيوب في كتابه الأنحرافات الكبرى يؤشر لملامح الصراع بين المدرستين بقوله((وخطوات الشيطان كلها تصب في آخر الزمان في سلة المسيح الدجال بمعنى أن كل انحراف منذ ذرأ الله ذرية آدم وإن بدأ في أول الطريق ضئيلا إلا أن الشيطان يتعهده على امتداد الطريق بإلقائه على المسيرة البشرية وفقا لتطورها.ليكون في النهاية له صفة القانون. وتحت حماية الجماهير لهذا القانون يأتي المسيح الدجال رمزا لقاعدة لا تعرف إلا الانحراف والشذوذ. وكما في روايات عديدة أن المسيح الدجال هو سر إبليس وحامل رايته آخر الزمان. وإذا كان الدجال ثمرة لطريق الانحراف. فإن المهدي المنتظر الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو عنوان الفطرة النقية وتحت رايته سينتظم الذين ساروا على الصراط المستقيم ولم تعرقل خيمة الانحراف والنفاق خطواتهم. وبين الحق والباطل ستدور معارك آخر الزمان.))(الانحرافات الكبرى,القرى الظالمة في القرآن الكريم,تأليف سعيد أيوب سلسلة الرحلة الى الثقلين (32) إعداد مركز الأبحاث العقائدية).
أن مدار الصراع كان النص القرآني وفهم مقاصده الحقيقية وليست ما يشاع من أنه أما أنه صراع قومي أو طبقي أو صراع بين السنة والجماعة وبين الأقلية التي تمسكت بالنهج الرسالي على الصورة التي يعرفها الجميع,كان صراعاً ثقافيا فكريا محضا بين الجديد المنطلق في فضاءات الإيمان المطلق بصورتيه التسليم والطاعة المطلقين لروح الرسالة والدعوة وبين التمسك بالظواهر والسطحية التي تمليها مكنونات النفس البدوية العربانية{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة97,وما يمكن أن تسببه من ميل نحو اهدافها هي وليست مقاصد الرسالة والدعوة وهذا ما شهدناه من نتائج كانت وبالا على أمة الإسلام كان الدم والأحتراب والأنقسام والفرقة مظاهرها وعلاماتها فقد ذهبت ريح المسلمين بغير الوجهة التي أراد الله لها أن تكون {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46.
إن سوق مثال بسيط يغني عن الأطالة في الكلام ولابد ونحن أذ ندخل في صلب الموضوع علينا أن نسوق هكذا مثال لنبين الفرق بين الفهمين من جهة القصدية والمقصديةو اليك ما يمكن فهمه من مفاهيم عامة منتزعة من الايات,قال تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الأنفال41, هذه الآيه الحكمية على ما يقول التيار المحافظ نزلت بشان غنائم بدر,وغاية ما هناك إن عمت غنائم المسلمين من عدوهم فهي تعم جميع غنائم الحروب,على شرائطها.
لـكـن الامـام ابا جعفر محمد بن على الباقر عليه السلام نراه ياخذ بعموم الموصول,و يفسر ((الغنيمة )) بمطلق الفائدة,وارباح المكاسب و التجارات,على قاعدة الغرم بالغنم وهي قاعدة شرعية فقهية متفق عليها على كل المغانم التي يربحها ارباب الصناعات و التجارات و غيرهم طول عامهم,في كل سنة بشكل عام .
قـال عليه السلام ((فـامـا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام,قال اللّه تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ})).بدليل قوله تعالى ما غنتم من شيء والشي هنا مطلق غير محدد والمطلق يسري على أطلاقه ما لم يرد نص مقيد فأين القيد الذي زعموا أنه في غنائم الحروب؟.و هـكـذا عـن الامـام مـوسـى بـن جعفر الكاظم عليه السلام يقول ((الخمس في كل ما افاد الناس من قليل او كثير)) .
إن الأدعاء بكون النصوص محكومة بأسباب نزولها وتقصير الحكم على ذات الواقعة أو ما يشاكلها بالظرف والسبب هو تفريغ للحكم والنص من قصديته نحو هدف تعطيل الأحكام ومن ثم التمهيد لنزعها من العمل المطلوب أتباعه بالوجوب البنائي الوارد في النصوص,وهكذا تحولت المفاهيم القصدية مجرد أهداف خلا وقتها وأنتهى وتحول القرآن الكريم كما هو الحال مجرد كتاب يتلى للبركة وشهادة على اسلامية المسلمين دون العمل بأحكامه فتحول من مرشد ودليل إلى كتاب ترفي فيه قصص وحكايات وأساطير عن من كانوا وهذا هو هدف التحريف والأنحراف الذي قادته المدرسة المحافظة على طول أربعة عشر قرنا ولا تزال تمنع من العودة إلى مقاصده وأهدافه متذرعة باللغة وبناء اللغة والبيان والبديع والبلاغة وما إلى ذلك من أدوات تزج بها في حربها على الأسلام والدعوة وأصحابها الذين خصهم الله بمنزلة يحسدهم الناس عليها بغيا من عند أنفسهم {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً }النساء54,وعن أبي أيوب الأنصاري سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول: لا تبكوا على الدين إذا وَلَيَهُ أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله ". رواه الحاكم في المستدرك الجزء 4 ص 515، وصححه ولم يعقبه الذهبي