التونسيون يقبلون بشغف على شراء الكتب المحظورة في عهد بن علي
شهدت بورصة الكتاب في تونس بعد انهيار نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي انتعاشة قوية، و استفاقة كبرى أعادت الثقة في المؤلفين و دور النشر و القراء.
و يبدو أن أجواء الحرية التي تتنفسها تونس اليوم قد طالت رفوف المكتبات التي طالما
غابت من عناوينها الكتب المحظورة و الممنوعة بحسب توجهات النظام السابق. و لعل شارع الحبيب بورقيبة الذي يتوسط العاصمة التونسية خير دليل على ذلك حيث يشهد يوميا مئات المارة المتجمعين على واجهات المكتبات يتصفحون و يمعنون النظر في عديد المؤلفات التي طالما غابت عن عيونهم و أياديهم و التي كان البعض منها إما مخبأ في مخازن المكتبات المظلمة أو محجوزا في الديوانة. و هاهي اليوم تعانق الحرية لتعلن ميلاد عصر الحرية الفكرية و الأدبية.
السيد حطاب نهدي العامل بمكتبة "الكتاب"، إحدى أهم المكتبات في تونس العاصمة أكد "للعربية.نت" أن الاقبال على الكتب التي كانت ممنوعة من التداول، و لو بشكل سري، بسبب الحصار الذي كان يفرضه نظام بن علي فاق كل التوقعات مما أجبر أصحاب المكتبات على تسجيل طلبات القراء و استيراد العديد من النسخ الإضافية،
و خاصة على الكتاب الشهير عن زوجة الرئيس السابق ليلى الطرابلسي
و المعنون بــ"حاكمة قرطاج"، فهذا الكتاب حقق أكبر نسبة من المبيعات، ففي أقل من أسبوع بيع أكثر من 600 نسخة منه علاوة على تسجيل أكثر من 400 طلب جديد لاقتناءه مما دفع صاحب المكتبة إلى التفكير في عقد ندوة صحفية لتقديم الكتاب بحضور مؤلفه الفرنسي Beau Nicolas.
و يأتي في المرتبة الثانية كتاب "بن علي صديقنا الوجه الآخر للمعجزة التونسية" لنفس المؤلف, ثم كتاب" أوروبا و مستبدوها" للصحفية التونسية و الناشطة الحقوقية سهام بن سدرين، و عناوين أخرى كثيرة باللغتين العربية و الفرنسية.
هذا علاوة على الاقبال المكثف حول ما يعرف بكتب الإسلام السياسي، و الكتب الدينية على غرار كتاب "لا تحزن" للداعية الإسلامي عائض القرني، و كتاب "تاريخية الدعوة المحمدية في مكة" لهشام جعيط".
فبعد التصحر القاتل الذي شهدته الساحة الثقافية التونسية، تزينت المكتبات بعناوين ظلت ممنوعة لنصف قرن، و ها هي تتنفس الصعداء و تصبح ساحة لممارسة حرية التعبير بمعناها الحقيقي، و لتعلن انهيار منظومة الاستبداد كما سماها الدكتور الهذيلي منصر، و هو ناقد ثقافي و أستاذ للأدب و الحضارة الفرنسية بالجامعة التونسية. و الذي يرى أن منظومة الاستبداد التي مارسها بن علي أثرت و فعلت في الوقائع المادية (المجتمع و الاقتصاد و التعليم) كما فعلت في الوقائع المعنوية (الثقافة و القيم و الكتب) و على هذا الأساس يمكن فهم تطور مؤسسة الرقابة و المنع التي مارسها بن علي و التي اسهمت في حجب أعمال فكرية و أدبية ذات قيمة، مثلما فعلت مع الأعمال الفنية من سينما و مسرح مقابل التشجيع على الألوان الموسيقية الغنائية.
فالسبب برأيه هيكلي و ليس متصلا بالكتاب بعينه. فالممنوعات منها ما كان يمثل خطرا على ما سماه المستبد، و منها ما كان يضع سياسة الدولة موضع السؤال. إضافة إلى منع بعض المؤلفات بحجة أن مؤلفيها لم يزكوا نظام بن علي، فكل ما يكتبونه، و إن كان غير متصل بالشأن السياسي ينظر له بنظرة سلبية.
و أضاف دكتور الهذيلي أن:"المنع في عهد بن علي نوعان؛ الأول منع بواح مفضوح،
و الثاني متستر، يتمثل في التضييق، كأن توحي السلطة أنها لا ترغب في أن ترى دار نشر بعينها تطبع هذا الكتاب أو ذاك".
"ثم إن هذا الجو من المنع و الرقابة أنتج لدى الباحثين و الجامعيين حالة من الرقابة الذاتية و هذا ما زاد الطينة بلة" على حد رأيه
و مهما كانت الأسباب وراء حجب عديد المؤلفات، فإن الاقبال الكثيف اليوم على هذه الكتب هو ترجمة واضحة عن محاولة استرجاع الحق في الاطلاع و المعرفة، و هو بداية لمرحلة الحرية الفكرية بعدما خرجت هذه الكتب من الظلمات إلى النور، لتجد مكانها الطبيعي في الواجهات البلورية للمكتبات بعد عقود من احتجازها في رفوف بعيدة عن أنظار و أيادي عامة الشعب.