إدمون صبري
يعد الأديب العراقي الرائد إدمون صبري واحدا من أبرز أعلام الأدب العراقي في القرن العشرين, لما قدمه خلال مسيرته الأدبية الطويلة من نتاجات غزيرة في مجال القصة والمسرح, ثم الترجمة, أثرت الحياة الأدبية العراقية و حازت إعجابا وإهتماما محليا و عالميا رغم التعتيم والإقصاء .
ولد إدمون صبري عام 1921 في بغداد لأسرة متوسطة الحال. وتعرف في بواكير حياته على أدب جبران والمنفلوطي و عبد الرحمن بدوي, و قرأ بالإنكليزية لكبار الأدب العالمي أمثال هيجو, زولا. غير أن عمالقة الواقعية الروسية مثل غوغول , غوركي , دوستوفسكي و سواهم كان لهم الأثر الأكبر في منهج إدمون صبري وأسلوبه.
عمل إدمون صبري في الصحافة العراقية بضع سنوات قبل أن ينشر أولى قصصه بعنوان (ماكو شاغر ) عام 1948 ,ثم يحصل على ليسانس التجارة والإقتصاد من جامعة بغداد عام1951 . نشر أول مجموعة قصصية عام 1952 بعنوان حصاد الدموع, لتتعاقب خلفها المسرحيات والقصص, فينشر عام 1957 قصة ( شجار) المأخوذ عنها فلم ( سعيد أفندي) المختار كأفضل فلم عراقي, و أعقبها عام 1958 بقصة فلم ( من المسؤول ).
و يتواصل العطاء حتى شباط 1963 حيث يتعرض إدمون صبري للإعتقال والفصل من وظيفته في البنك المركزي العراقي على يد السلطة الشوفينيةالإنقلابية, ويتوقف عن النشر حتى عام 1967 ليعود و يسطر معاناته وأمثاله من المرغمين على العطالة في مسرحية بعنوان (أيام العطالة), قدمت لاحقا على قاعة المسرح القومي في بغداد, حيث كان في حينها قد عاد للعمل في قسم الترجمة في وزارة الإعلام, وليواصل إنتاجه الإبداعي حتى وفاته في 28 آذار عام 1975 ,إثر حادث سير قرب مدينة تكريت في طريق عودته من سفرة الى شمال العراق ليطلع فيها على آثار إتفاقية الجزائرالمجحفة على الشعب الكردي.
حمل إدمون صبري هموم المسحوقين و المقهورين من الناس ودافع بحماس وبصدق غاليي الثمن عن حقوقهم بحياة كريمة حرة, فسخر قلمه ولأكثر من ثلاثين عاما في نشر الوعي بين الفقراء والمستغلين بإعتبارهم أداة التغيير وغايته و ملقيا بالمسؤولية على سلطة الإستبداد والقمع بإعتبارها حصن الإستغلال الطبقي ومصدر قوته. فإعتمد لغة إنسيابية سلسة لنقل صورة الواقع البائس وإنتقى شخوصه من ذات البيئة ليقدم للقارئ مشهدا طريفا تارة, ومؤلما في أخرى, لكنه إستفزازي ومحرض دائما للرفض والمعارضة, وللثورة أحيانا. كما يظهر جليا في ( حكايات عن السلاطين) المنشورة بجزئين عام 1969 وعام 1973
رغم العزلة الإعلامية و الضغوط السياسية و الصعوبات الإدارية التي فرضت عليه فقد ظل إدمون صبري وفيا لقرائه, أمينا لنهجه, بعيدا عن حلقات الرياء و المجاملة, باذلا شتى التضحيات ليقدم أدبا نزيها ورصينا. فتترجم أعماله للعديد من لغات العالم, ومنها الإنكليزية ,الروسية و الاسبانية ولتحظى بإهتمام المستشرقين والمهتمين بالأدب في بلدان أوربية عدة, وتصبح مادة دراسية وبحثية في العديد من جامعاتها.
لقد قضى إدمون صبري حياته زاهدا عن ترفها غير آبه بأي مطامع شخصية, مشاركا فقراء الأرض متاعبهم بالكلمة والفعل ليكون نموذجا رفيعا للأديب الملتزم وليبقى إسمه محفوظا في ذاكرة كل من عرفه.
***************************