حَمورابي أشهر ملوك سلالة بابل الأولى، وكان سادس ملوكها.
وقد حكم (42) سنة (1793 ـ 1751 ق.م). خلف والده (سن مبلط) في الحكم على بلاد بابل.
كان حمورابي مثالاً للقائد المحنك الذي ظهر في تلك الفترة من تأريخ بلاد الرافدين، حتى استحق عدة ألقاب، عن جدارة واستحقاق منها: ملك بابل، ملك الجهات الأربع، ملك أمورو، ملك سومر وأكد، ورئيس العائلة، والسيد العظيم.
يعد حمورابي من أعاظم ملوك العراق القديم، لقد انصرف في أولى سنوات حكمه الى الاصلاحات الداخلية وتحسين حالة السكان المعاشية، واقامة المشاريع، لكسب رضا الناس ومحبتهم، ثم انصرف الى اصلاح الجهاز الاداري ورفع المظالم، وتثبيت العدل في البلاد.
اهتم حمورابي بحفر الترع واقامة السدود وتقوية الجيش، وتجنب كل ما من شأنه الاصطدام مع القوى الخارجية المحيطة، فقد صادف مجيئُه في فترة تعد من أصعب الفترات السياسية في تاريخ العراق العظيم.
قضى حمورابي فترة طويلة من حكمه تقدر بأحدى وثلاثين سنة لتقوية جبهته الداخلية، فعمل على جعل الادارة مركزية وانتخب الولاة الذين يعتمد عليهم، وقد كان يوصيهم بالسهر على ادارة شؤون المملكة ورفع مستوى الشعب اقتصادياً وثقافياً، واشاعة العدل في ما بينهم.
لقد كان لحمورابي العديد من الاصلاحات في شتى المجالات ،هي:
أـ الناحية السياسية:
تمكن حمورابي من تحقيق وحدة العراق السياسية ضمن حدود آمنة، يسهل الدفاع عنها، ولأجل تثبيت دعائم هذا الانجاز السياسي، عمل حمورابي على استكماله من النواحي الادارية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية كافة.
ب ـ الناحية الادارية:
اتبع حمورابي نظاماً مركزياً، وربط جميع حكامه به، وحدد صلاحيات الكهنة، حيث لم نعد نسمع في عهده شيئاً عن محاكم الكهنة، وبذلك يكون حمورابي قد اجتهد في جعل دولته علمانية بما يتفق وظروف عصره، وبذلك اضمحل منصب (الأنسي) الذي كان يجمع بين السلطة الدينية والمدنية في حكم المنطقة التي آلت اليه، وصار موظفاً يستمد أوامره من موظف آخر بعد ذلك، وكان حمورابي حريصاً على حصر القيادة والادارة في شخصه، وجعل كل حكامه في البلاد يستمدون أوامرهم منه.
ج ـ الناحية الاقتصادية:
كان حمورابي يقوم بجولات تفتيشية في مناطق حكامه ليقف بنفسه على مجريات الأمور، ومن الأمثلة على حرصه على دقائق الأمور الاقتصادية انه كان يتدخل في مقادير الاحجام التي يجب ان تقطع بها الاخشاب.
د ـ الناحية القانونية:
تشير رسائل حمورابي، فضلاً عن شريعته القانونية التي وحد البلاد بموجبها قانونياً، الى ضرورة التزام الحكام بتعليماته، وحرصهم على تنفيذها بحذافيرها، ومتابعته الشخصية لجميع النواحي التي تدعو الى العدالة والحق، لدرجة انه كان يحكم حتى في القضايا البسيطة.
وصلته ذات مرة أخبار أحد موظفي الدولة بأنه يأخذ الرشوة، أرسل الى (سين ادنام) أمراً بفتح باب التحقيق في القضية، وأرسل الأطراف المعنية الى بابل لهذا الغرض.
هـ ـ الناحية الثقافية:
أسس حمورابي عدداً من المدارس لتوحيد الدولة ثقافياً، حيث عثر على مدرستين ترجعان لعهده، الاولى (سبار) والثانية في (كيش) وشهدت البلاد في عهده حركة واسعة النطاق استهدفت جميع التراث الفكري المدوّن بلغة بلاده وهذه الحركة تصور ادراك حمورابي لأهمية التراث، باعتباره الأساس الذي يرسي عليه بناء أمته الناهضة، وكانت هذه الحركة خير مؤثر على تشجيع حمورابي لمشروعة الهادف الى وحدة البلاد.
و ـ الناحية العسكرية:
كان حمورابي رأس القوات المسلحة، وكان جيشه يتألف من القوات المجندة، ومهمتها الدفاع عن الدولة ثم الجيش الذي يقوم بالعمليات العسكرية. ولهذا اهتم حمورابي بتنظيمات الجيش وصنوفه وعمل على توسيع تشكيلاته ليكون متمكناً من حماية الامبراطورية البابلية ومستعداً لتأدية واجبات ردع الأعداء ومقاتلتهم وقد كان حمورابي يهتم بتدريب جنوده على فنون القتال، وكانت الخدمة في الجيش واجبه على كل مواطن حتى اولئك العاملين في البلاط الملكي، ومن الجدير بالاشارة ان كبير الخبازين في بلاطه قدم له شكوى بسبب استدعاء أربعة من الخبازين للخدمة في الجيش البابلي فلم يوافق على اعفائهم بل أمر بارسالهم لاداء واجبهم والالتحاق بوحداتهم العسكرية.
اتجه حمورابي الى بناء صرح امبراطورية مترامية الأطراف ضمت العراق كله من أقصى الشمال الى الخليج العربي جنوباً، كما ضم مملكة ماري وبلاد الشام حتى سواحل البحر المتوسط غرباً.
ان المتتبع للخطوات والخطط التي سار عليها حمورابي في تحقيق أهدافه في الادارة والتنظيم يكشف انه قائد عظيم من القادة والملوك العظام الذين أنجبهم العراق منبع البطولة والابداع.
عبد الجبار السامرائي
كاتب عراقي