التوتر أوالقلق، أمرٌ مزعجٌ لا يستطيع معظم البالغون احتماله، فكيف
يكون الحال لدى الأطفال!؟ فالتوتر لا يقتصر على كونه مزعجاً فقط، بل إنه يؤثر على نمو دماغهم، الأمر الذي قد يؤثر على أدائهم لبعض نشاطاتهم، هذا ما أثبتته دراسة جديدة قام بها باحثون من جامعة ويسكنسن-ماديسون.
أجرى فريق من الباحثين دراسة نشرت نتائجها على مجلة Neuroscience قاموا من خلالها بجمع سير ذاتية للأطفال للبحث بشكلٍ واسع في الأحداث المجهدة التي تعرضوا لها، والتي قد تتراوح بين البسيطة إلى الشديدة، حيث قاموا بإجراء مقابلات مع الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و 14 سنة بصحبة ذويهم.
حيث يقول الباحث الرئيسي جيمي هنسن: "لقد حاولنا أن ننظر إلى مجموعة واسعة من الضغوطات بدلاً من التركيز على نوع واحد فقط".
و كانت النتيجة أنّ الأطفال الذين عانوا لفترة طويلة من طفولتهم من ضغوطات مجدهة حصلوا على درجات أقل في اختبارات الذاكرة الفراغية التي أجريت لهم ، حيث واجهوا صعوبةً بالغة في اجتيازها.
ويعتقد الباحثون حسب النتائج التي أعطاها التصوير الطبقي المحوري للدماغ أن الحزمة الأمامية - وهي جزء من الفص قبل الجبهي من قشرة الدماغ- تلعب دورا رئيسياً في الذاكرة الفراغية، والتي لاحظ الباحثون أنها تحتل مساحة أقل لدى الأطفال الذين يتعرضون للضغوط بشكل كبير، إلا أنّهم لا يستطيعون الجزم من خلال اللقطة التي حصلوا عليها من التصوير الطبقي المحوري فيما إذا كان تأثير التوتر على الدماغ هو مرحلي أم دائم، وذلك لأنه حسب ما يقول الباحث: "إنّ الدماغ عضوٌ مرنٌ جداً وبالتالي فهو قادر على التغير والتأقلم بسهولة، الأمر الذي يسمح للأطفال بتعويض تأخر النمو في دماغهم والذي تسبب به تعرضهم لقدر كبير من الضغوطات".
ويضيف الباحث: "لقد أجرينا الكثير من الأبحاث على الحيوانات لربط الإجهاد الحاد والمزمن على حد سواء بالتغيرات الحاصلة في الفص ما قبل الجبهي في قشرة الدماغ، حيث يعدّ هذا الفصّ مسؤولاً عن التحكم بالقدرات الإدراكية المعقدة، كالاحتفاظ بمعلومات هامة والقدرة على سرعة تذكرها والاستفادة منها، فكانت النتائج مشابهة لتلك التي وجدناها على البشر، حيث أنّ كثرة الضغط والتوتر يتسببان بالكثير من المشاكل التي تؤثر على أنواع معينة من العمليات المعرفية"
وهو ما أكده الباحث بقوله: "ونحن لا نقصد أنّ التوتر الدائم يسبب أضراراً دائمة للدماغ، فما زلنا نجهل الآلية التي يؤثر الإجهاد من خلالها على الدماغ ولذلك فقد حاولنا فهم كيفية تعامل الأطفال مع التوتر الذي قد يتعرضون له"
كما أخذ الباحثون التغيرات الحاصلة في مناطق المخ المختلفة بعين الاعتبار، حيث أنها شملت أنسجة المخ بما فيها المادتين : البيضاء والرمادية التي اختلف تأثرهما تبعاً لاختلاف الضغط النفسي الذي تعرض له الشخص، حيث انخفضت حجومهما لدى الأطفال الذين يتعرضون للضغوط النفسية الشديدة باضطراد.
فالمادة البيضاء هي بمثابة الأسلاك التي تربط أجزاء الدماغ مع بعضها لتسمح بتبادل المعلومات، في حين أن المادة الرمادية هي المسؤولة عن معالجة هذه المعلومات، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه في إكساب الطفل المرونة التي تساعده بالقيام بالعديد من النشاطات المختلفة، إلا أنّه لدى تقدم الطفل بالعمر، تستدق لتصبح مهمشة لدى البلوغ الذي تزداد فيه كمية المادة البيضاء.
ويختم الباحث بالقول: "مازلنا نرغب بالقيام بالعديد من الدراسات في المستقبل لمعرفة تأثيرات التوتر على مختلف أنواع أنسجة الدماغ، وذلك لأنّ فهم آلية اختلاف هذه المناطق تساعد على إيضاح الصورة للتأكد فيما إذا كانت هي عبارة عن تأخر للنمو فقط أم أضراراً دائمة لا يمكن معالجتها".