ما يزال الرجل يرى أن مساعدة زوجته في اعمال المنزل إهانة له وانتقاصاً من قدره، ورغم أن هذا مفهوم خاطئ إلا إننا نتساءل: لماذا؟ وكيف يرضى الزوج لزوجته بما يكرهه لنفسه؟ لم تعد المشاركة في عبء الحياة الزوجية ممنوعة فقد إقتربت منها وتناولتها أقلام كتاب وباحثين ومنظمات مجتمع مدني وعرضت لها برامج إعلامية ضمن إرساء حق المرأة في العمل ومنذ ذلك الحين لا أحد يرى قضية المشاركة إلا في جانبها المادي وهو راتب الزوجة ،
وبين اجتهادات كثيرة حول هذا الامر تناسى الناس المعنى الحقيقي للمشاركة .. وهي الحياة داخل المنزل ونحن نحاول في صحيفة البينة الجديدة ان نثير القضية مع أطرافها الزوجة والزوج والأم التي تولت التربية للأطفال وفي أحيان اخرى سيدة المنزل، ولكي نحاول ان نخرج بتفسير لظاهرة المشاركة في اعمال المنزل كلمنا أطراف العلاقة وسمعنا الأراء ولم يبق شيء نقوله الا أنه ليس وارداً أن نطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة, ولكن ما نطرقه للنقاش هو مشاركة الحياة بين الزوجين وهذه المشاركة التي يحث عليها وتفرضها التطورات الأجتماعية المختلفة .
(الزوجات اولاً)
تقول غيداء محمد وهي طبيبة شابة: ان اهم اسباب نجاح المرأة في عملها هو دور الزوج في مشاركتها الأعباء الملقاة على عاتقها إذ يتقبل عن طيب خاطر بمساعدته لي في أعمال البيت تقديراً منه ومشاركتي في الإحتياجات المالية للأسرة ، ولأنني زوجة لرجل يعتبر أن أدنى مساعدة في شؤون البيت هي إهانة له بكل ، المقاييس ، فإنني مازلت ألهث وراء إستكمال دراستي التخصصية ، وهي جزء لا يتجزأ من عملي كطبيبة وذلك بسبب ضيق الوقت وأنا في أغلب الأحيان أعجز عن التوفيق بين مسؤولياتي نحو بيتي وأبنائي وعملي.
وتضيف المعلمة : ياسمين علي 27 سنة :
في الواقع أن معاناتي الحقيقية تنحصر في أن زوجي يتناقض مع نفسه كثيراً في مسؤوليات العناية بالبيت, اننا بدأنا حياتنا الزوجية بعيدا عن أهله واهلي ولم يكن زوجي يدخر وسعاً من المساعدة في متطلبات البيت وكثيراً ماكان يشاركني في غسل الثياب وكيّها أو في تحضير بعض وجبات الطعام الخفيفة وكان ذلك أثره في أن نستمتع معاً بقضاء أوقات ممتعة في البيت دون معاناة أي منا من مشاعر الأرهاق التي أختصت بها المرأة أمداً طويلاً ولكن الأمر يتبدل تماماً عندما يقوم بزيارتنا أهلي أو أهله ,, ولا فرق فتنقلب شخصية زوجي تماماً..يتلاشى اهتمامه بمتاعبي ، وبالتالي لا يقوم بأية محاولة للتخفيف عني بل يتكلم باستعلاء وبلهجة آمرة منفرة كأنما يقول لهم أنا هنا سيد البيت على طريقتكم وزيادة العبء على زوجي لا يعني ان أتخلى عن ذلك المفهوم , من هنا وجدتني أكره اهلي واهله وأصبحت اجد في زيارتهم لنا معاناة مضاعفة بالأضافة الى الأعمال الكثيرة في البيت على ان اتحمل نفسية زوجي المتعبة بسبب دوره المتناقض في علاقتنا .
اما السيدة دلال احمد فتقول: بسبب طبيعة عملي في أحدى الشركات وينتهي دوامي الثالثة عصراً بينما يعود زوجي في الثانية ظهراً ونحن زوجان متفاهمان كثيراً وتقوم علاقتنا على التقدير والاحترام المتبادل وهو يبدي رغبة حقيقة في مساعدتي ولكن بعد التجربة تأكد لي ان إنجازي لأعمال البيت على أية صورة, أفضل من مساعدته .. إنه يقلب الاشياء رأساً على عقب لأظل في النهاية اعاني الأرهاق مع زوج «متفهم».
وتقول الزميلة الاء نعمان:
مشكلتي الاساسية هي انصراف زوجي عن شؤون أبنائنا ، فعندما وصلت إبنتي الى المرحلة الثانوية وأصبح أبني مراهقاً في الثانية عشر من عمره تتطلب رعايتهما جهوداً إضافية سواء في متابعة مستوى تحصيلهما العلمي واستذكارهما لدروسهما أو في حمايتهما من مخاطر ذلك السن الذي كثيراً مايخلف أثاراً سلبية على شخصيات الأبناء إذا لم تعالج بحكمة وتوجيه سليم حاولت كثيراً ان أوفق بين عملي كصحفية ورعايتم بعدما يأست من مشاركة ابيهما لكنني تعبت وترك القلق الدائم بصمته على ملامحي وفي النهاية فضلت البقاء في البيت حرصاً على مستقبلهما, والعجب ان زوجي يعتبرني قد تخليت عن مشاركته في الانفاق على أحتياجاتنا.
وتقول أحدى الامهات :
لدي ثلاثة ابناء ولد وإبنتين وانني اعترف بمساهمتي السلبية في تربية ابني فقد انصب اهتمامي طوال فترة طفولتهم على ضرورة ان تتعلم البنات كل فنون الطبخ وترتيب البيت بما في ذلك فراش اخيهم وخزانة ملابسه وعندما كبر ابني لم يكن يعرف كيف يلتزم بأبسط الاشياء ، مثل وضع ملابسه في المكان المخصص وبعد زواج ابنتي كنت اقوم بأعباء البيت كلها وحدي. ام اخرى تقول: لاحظت ان ابني لديه ميل لمساعدتي في اعباء البيت, وكثيراً يقوم بترتيب فراشه واحياناً يحضر الافطار, وتصورت في لحظة أن مساهمتي في الاعمال المنزلية تعني انه سيصبح رجلاً ضعيف الشخصية فأجبرته على ترك المهام المنزلية لأقوم بها انا وأخته الصغيرة.
(تطوير القيم الاجتماعية)
وحول امكانية لتعديل القيم الاجتماعية السائدة يحدثنا الكاتب والصحفي : عبد الزهرة الهنداوي
توزيع العمل بين المرأة والرجل في البيت هم اساس التوازن الجديد الذي تقتضيه التطورات التي يشهدها مجتمعنا بما افرزته من زيادة في أحتياجات الأسرة المادية وما اقتضته من اتاحة الفرصة لكافة الموارد البشرية رجالاً ونساءً لمواجهة تحديات التنمية واعداد الرجال والنساء وتأهيلهم للمشاركة الفعالة في تطوير القيم بما يدفع الرجال الى تحمل مسؤوليات اكبر من هذا الدور واعدادهم لتحمل المسؤولية المشتركة في المنزل يتطلب جهوداً مكثفة في المجالات التالية.
أولا,ً توجه المناهج الدراسية بحيث تستهدف ثقافة مشتركة للإبن والإبنة ، بهدف تكوين الاتجاهات الإيجابية بين كل من الجنسين باعتبارهما شريكان في الحياة وتتضمن هذه الثقافة المشتركة توضيح مسؤولية الجنسين في تطوير المجتمع والمعرفة بقضايا التطور العلمي والتكنولوجي وتوضيح الاتجاهات السلبية نحو الأبوة المسؤولة في تكوين الاسرة وتربية الابناء.
ثانياً, تثقيف الابناء في البيت والمدرسة ووسائل الاعلام المختلفة لتفهم مسؤولية الشريكين في تكوين الاسرة على قدم المساواة سواء أكان ذلك بالنسبة لمسؤوليات العمل في المنزل ورعاية الابناء أو غير ذلك من أمور الاسرة التي تتطلب المشاركة بين الزوجين في اتخاذ القرارات .
ثالثاً: ان يراعي الاباء والامهات تنشئة ابنائهم خاصة الذكور على مفاهيم ترفض تفوق الذكر على الأنثى ، وما يترتب على ذلك من اختلاف وتمييز في التربية والمعاملة الاسرية.
الباحثة الاجتماعية آمال بدر تقول:
ان الاساس في تحمل اعباء البيت على المرأة وحدها يأتي نتيجة ان انظمة اجتماعية خلال مراحل معينة من التاريخ هي التي خلقت وضعاً للمراة ادنى من وضع الرجل بمعنى ان الظلم الواقع عليها ليس من قبل الرجل كرجل ولكنه من قبل المجتمع الذي لعب فيه الرجال الدور الأساسي في كل شئ . وبعد كل ما سبق نجده من الصعب تغيير اتجاهات الرجل بعد ان نشأ في هذا الوضع الإجتماعي ولكن امامنا فرصة واسعة من اجل ان نتدارك ذلك في تربية أولادنا علينا ان نعلمهم ان المساهمة في اعمال البيت ليست عيباً او اهانة وأحكاماً للحق فإن هناك اتجاهاً حقيقياً للمشاركة من قبل الرجل في اعمال البيت وأن كانت في اغلب الحالات ليست طوعية كما انها ليست مسألة قناعة لكنها ضرورة فرضتها ظروف عمل المرأة ولا شك ان ذلك يبشر بأمل كبير..
البينة الجديدة