يعد جريجور مندل واضع حجر الأساس لعلم الوراثة، وهو أول من توصل إلى نتائج ذات أهمية في هذا العلم. وفي خلال فترة عمله مدرساً للفيزياء والأحياء والتاريخ الطبيعي في مدرسة برون الثانوية في تشيكو سلوفاكيا، كان مندل يزرع نبات البازلاء في حديقة الدير الذي يعيش فيه، بهدف البحث عن الكيفية التي يتم بها انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء.
و في عام 1866 استطاع مندل توضيح نتائجه التي جمعها في السنوات السابقة، ولكنها أهملت حتى بداية عام 1900 حين إكتشف العلماء أهمية تلك التجارب بعد وفاته. وقد عمل مندل في وقت لم تكن الصبغيات أو انقسام الخلايا قد عرفت بعد، ومع ذلك فقد أعطى تفسيرات تتطابق مع ما يتوافر حالياً من معلومات عن آلية التوارث، وقد استخدم مندل نبات البازلاء في تجاربه.
اختيار مندل لنبات البازيلاء
إختار مندل لنبتة البازيلاء لأسباب عديدة:
1.الزهرة خنثى، وهي من نوع Pisum sativum. إن هذا التركيب يتيح إجراء عمليتي التلقيح الذاتي عن طريق تغطية الأزهار بأكياس من الحرير، كما يتيح إجراء عملية التلقيح الخلطي بإزالة المتوك قبل أنفتاحها وتزويد ميسم الزهرة بحبوب لقاح من نبات آخر باستخدام ريشة ألوان.
2.وجود عدة أنواع من الصفات الوراثية المتضادة التي يمكن ويسهل ملاحظتها ودراستها. فمثلا تكون البذور مجعدة أو ملساء، وتكون السيقان طويلة أو قصيرة.
3.قصر دورة حياة هذه النبتة، مما مكّن مندل من الحصول على النتائج بشكل سريع.
4.سهولة زراعة نبات البازيلاء وجمع بذوره.
قوانين مندل
لخص مندل اكتشافاته في قانونين: قانون الفصل، وقانون التوزيع المستقل.
قانون الفصل (القانون الأول)[عدل]قانون الفصل ينص على أن كل فرد يحمل زوجاً من الألائل(أشكال مختلفة من الجينات) لكل سمة. وكل من الأبوين يورث عشوائياً أحد الأليلين لنسله، فيحصل النسل على زوج خاص من الألائل (أليل من كل من الأبوين). الأليل السائد من بين الأليلين هو الذي يحدد كيفية ظهور السمة في النسل (مثل لون النبتة، لون فراء الحيوان، لون عيني الشخص).
قانون التوزيع المستقل (القانون الثاني)[عدل]قانون التوزيع المستقل، المعروف أيضا بقانون الوراثة، ينص على أن الجينات المنفصلة للسمات المنفصلة تورث من الوالدين إلى النسل بشكل مستقل عن بعضها البعض. أي أن اختيار أليل معين من بين الأليلين ليتم توريثه لسمة معينة لا يؤثر على اختيار أي أليل آخر لأي سمة أخرى ليتم توريثه. أي أنه، على سبيل المثال، لا تمت علاقة بين لون القط وطول ذيله. وفي الحقيقة هذا القانون ينطبق فقط على الجينات غير المرتبطة ببعضها البعض.
تجارب مندل
إتبع مندل المنهج العلمي في البحث والتجريب، ولتوضيح تجاربه:
1.زرع مندل عدداً من بذور البازيلاء أزهارها أرجوانية اللون، وترك كل منها تلقح ذاتيا للحصول على سلالة نقية للصفة. ثم قام بإجراء التلقيح الخلطي، حيث نقل حبوب لقاح من متك نبات أرجواني الأزهار إلى مياسم نبات أبيض الأزهار، ثم عكس العملية وسمي هذين النباتين بالآباء P. وقد ضمن عملية التلقيح الخلطي بقطع أسدية النبات المنقول إليه حبوب اللقاح.
2.زرع البذور الناتجة من النباتات السابقة، فنمت هذه البذور، ووجد أن النباتات جميعها أفرد الجيل الأول F1، وكانت أرجوانية الأزهار.
3.لمعرفة ما حصل لصفة اللون الأبيض للأزهار، زرع بذور نباتات الجيل الأول، وسمح لها بالتلقيح الذاتي، فحصل على 3/4 الجيل الناتج أزهارها أرجوانية، والـ 1/4 الباقي أزهارها بيضاء، بنسبة عددية تقارب 3 أرجوانية : 1 بيضاء، وسميت النباتات الناتجة بأفراد الجيل الثاني F2.
4.قام مندل بإعادة الخطوات السابقة على الصفات الستة الأخرى، مثل لون القرون، وطول الساق، ولون البذور، إلخ. وكان يحصل على نتائج مماثلة في كل حالة بالنسبة لأفراد الجيل الأول، والثاني، حيث كان يظهر في كل مرة صفة لأحد الأبوين في الجيل الأول وتختفي في الجيل الثاني. وسمّى الصفة التي تظهر بالصفة السائدة والصفة التي إختفت بالصفة المتنحية.
كيف فسر مندل هذه النائج؟
وضع مندل مجموعة من مجموعة من الافتراضات لتفسير النتائج التي توصل إليها:
1.إفترض مندل أن من يجعل نبات البازيلاء أرجواني الأزهار أو أبيض الأزهار يعتمد على عوامل داخلية، سمّاها العوامل الوراثية، وهذه العوامل بالمفهوم المعاصر هي الجينات التي تحملها الكروموسومات.
2.الصفة الوراثية التي يحددها عاملان (جينان) على الزوج الصبغي المتماثل، ورمز مندل للعامل السائد بحرف كبير، وللعامل المتنحي بحرف صغير، وعندما يكون هذان العاملان متشابهين فيقال عندها: إن الصفة متماثلة الجينات (نقية)، وعندما يكونان متخالفين يقال عندها إن الصفة الوراثية غير متماثلة الجينات (غير نقية).
3.عند إنتاج الغاميتات (حبوب اللقاح والبويضات) فإن العاملين الوراثيين في كل زوج من العوامل يجب أن ينفصلا بحيث يحتوي العرس (Gamete)الواحد على عامل واحد لكل صفة. فإذا رمزنا للون الأزهار الأرجواني نقي الصفة بالحرقين PP فإن الاعراس تحتوي على عامل واحد فقط P أو
نتائج مندل على وراثة صفة لون الأزهار في نبات البازيلاء
الأزهار أرجوانية (نقية) × الأزهار البيضاء الطرز الشكلة للآباء P1
PP × pp الطرز الجينية لللآباء P1 (انقسام منصف ↓)
P,P × p,p الجاميتات
Pp الطرز الجينية لأفراد F1
(تلقيح ذاتي لأفراد الجيل الأول)
نتائج مندل على وراثة صفة لون الأزهار في نبات البازيلاء
Pp × Pp P2(انقسام منصف ↓)
PP × pp الطرز الجينية لللآباء P1 (انقسام منصف ↓)
P,p × P,p الغاميتات
PP, Pp, Pp, pp الطرز الجينية لأفراد F2
بيضاء == 25% = 1 : أرجونية = 75% == 3 نسبة الأفراد الناتجة
إن هذه الفروض قادات إلى قانون مندل الأول في الوراثة الذي يسمى قانون انعزال الصفات. وينص على:
"زوج العوامل (الجينات) المتقابلة تنفصل عند تكوين الغاميتات في عملية الانقسام الانتصافي."
و ربما يتسائل البعض عن سبب إعطاء الرمز P في تجربة مندل لجين اللون الأرجواني للأزهار، والمرمز p لجين اللون الأبيض؟ لاحظ أن نباتات الجيل الأول ظهرت في تجربة مندل أرجوانية الأزهار على الرغم من الطراز الجيني لهذه الصفة Pp، وهذا يعني أن جين اللون الأرجواني لزهرة البازلاء P قد ستر وأختفي أثر جين اللون الأبيض، لذا يسمى الجين السائد، أما جين اللون الأبيض p الذي إختفى أثره عند التقائه مع الجين السائد فيسمى بالجين المتنحي.
و يلاحظ مما سبق أن الضفة الواحدة في نبات البازلاء يحددها زوج من الجينات، وهو الحال في عدد كبير من الصفات في كائنات حية أخرى. ولكن قد تتحدد بعض الصفات بأكثر من زوج من الجينات، كما في صفة الطول لدى الإنسان.
الصبغيات والعوامل الوراثية
عندما تم اختراع المجاهر المتقدمة الذي جاء ذلك بعد موت مندل، أصبح بالإمكان مشاهدة محتويات النواة بما فيها من صبغيات، وتم دراسة سلوك الصبغيات خلال الانقسام الانتصافي، الذي قاد إلى استنتاج بأن هذه الصبغيات تعمل العوامل الوراثية التي وصفها مندل في تجاربه، حيث وجد أن:
العوامل الوراثية تكون في أزواج، وكذلك نجد أن الصبغيات تكون في أزواج متماثلة في المرحلة الأولى من الانقسام الانتصافي.
العوامل الوراثية تنفصل عن بعضها عند تكوين الأعراس بحيث يحتوي العرس على عامل واحد فقط من زوج العوامل، وكذلك الأعراس تحتوي على نصف العدد الأصيل من الصبغيات فالصبغيات المتماثلة تنفصل خلال عملية الانقسام المنصف.
عدد العوامل الوراثية وكذلك عدد الصبغيات يعود للاكتمال عند حدوث الإخصاب، أي عند اتحاد العرس الذكري والعرسالأنثوي.
إن هذه الأمور الثلاثة برهنت أن الصبغيات تتصرف كالعوامل الوراثية التي وصفها مندل. وقد تبين للعلماء بعد ذلك أن هذه الصبغيات تحوي الكثير من العوامل التي سميت بالجينات. ويعد الجين وحدة وراثية، وبشكل جزءاً من الـ DNA، ويكون مسؤولاً عن صفة وراثية معينة.
ملاحظات
عندما كان مندل يلقح نباتين لدراسة صفة معينة كان يهمل باقي الصفات، فمثلا، عندما كان يدرس لون القرون كان يهمل طول الساق وشكل البذور وغيرها من الصفات، مما ساعد في التوصل إلى قانون الوراثة الأول.
وجود جينين متضادين متقابلين محمولين على صبغيين متماثلين لنفس الصفة تسمى الجينات المتضادة وكل جين يسمى بـ "أليلِ" بالإنجليزية "Allele" للجين المقابل له، فمثلا في الطراز الجيني Pp يكون جين اللون الأرجواني P أليل لجين اللون الأبيض p والعكس صحيح.
العالم مورغان أجرى دراسة في جامعة كولومبيا عام 1900 قدم فيها أول دليل على أن العوامل الوراثية التي سماها جينات هي أجزاء من الصبغيات، وسمى نظريته بنظرية الكروموسومات في الوراثة. وقد حاز نتيجة لذلك على جائزة نوبل عام 1933