انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً

بقلم : فلاح العيساوي

محمود إنسان مثال في الأخلاق الرفيعة مع تواضع جميل لهذا فقد كان كثير من أبناء مدينته يحبون التعرف إليه والتشرف بصحبته وهو خير من يصاحب فالصديق هو من يحفظ صداقتك ويكون على طول الطريق مصداقا لكلمة الصدق فهو لا يجامل ولا ينافق وكلمة الحق دوما هي العليا لديه وكل باطل هو مرفوض عنده ومستقبح ...

للأسف الشديد إن محمود لم يستطع إكمال دراسته الأكاديمية لظروف قاهرة وهذا الأمر لم يثن محمود من إن يستمر بالاستفادة من المطالعة الشخصية والحضور إلى مجالس العلوم والمعرفة الدينية التي كانت تعقد في بيوت المؤمنين والتي يجلس فيها الخطيب على منبر ويلقي بالمعارف والعلوم في كافة الميادين على الحاضرين على كافة مستوياتهم وكل جالس يستوعب حسب فهمه وإدراكه وتحصيله وكان محمود يستفيد جدا من هذه المجالس خصوصا انه في بعض الأحيان يقارن بين ما هو قد قرأه واطلع عليه وبين ما يقوله الخطيب وفي بعض الأحيان يقوم محمود بتصحيح وتقويم شطحات غير مقصودة من قبل الخطيب بينه وبين الخطيب فقط كي لا يحرج الخطيب وكان اغلب الخطباء يثنون على سعة اطلاع محمود بعد مراجعة تلك الموارد العلمية التي نبههم عليها ...

عاد محمود إلى البيت متعبا من العمل وقبل إن يصل إلى البيت صادف في شارعهم فتيان من جيرانه وقد تشابكا بالأيدي والأرجل ولاحظ سامر وهو الأخ الأكبر لسرمد احد المتشاجرين يعدو بسرعة إلى إن وصل إلى ارض المعركة واشترك بالشجار مدافعا ومحاميا لأخيه الأصغر سرمد وأصبح هاني المسكين من غير مناصر ولا مدافع وحيدا فريدا إمام الأخوين سامر وسرمد فأسرع محمود لفض النزاع واستطاع بعد شد وجر وما له من احترام وهيبة شخصية عند أهالي منطقته وقال محمود : اسمع يا سرمد حديثي معك سوف يكون بعد حديثي مع الصغار سامر وهاني ...

وتوجه محمود نحو سامر وهاني وقال : ألستما صديقين وانتم في سن واحده وفي مدرسة واحدة وصف واحد أيضا كما اعلم ؟... فقالا نعم ... قال محمود .. وأنتم أبناء جيران وحي واحدة أيضا ؟..

فقالا نعم ... قال محمود .. أليس شجاركم هذا هو عيب وعمل غير أخلاقي فأنتم بحكم الإخوة بل انتم أكثر من إخوة وانتم أكيد قد مر عليكم في مادة الدين الإسلامي أحاديث نبوية (إن المؤمن اخو المؤمن ) و(المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص ).. فقالا نعم ونحن نحفظهما !!.. قال محمود إذا عليكم ألان إن تتصالحا ولا تعودا لهذا العمل الشيطاني أبدا !!... تعانق سامر وهاني وتصافحا وأمرهم محمود بالانصراف فذهبا وتوجه محمود إلى سرمد وقال : كم صار عمرك يا سرمد ألان ؟..

فقال سرمد عمري 16 سنة .. قال محمود : وكم عمر هاني وسامر؟. فقال سرمد عمرهما 11 سنة !.
قال محمود : وهذا يعني انك تكبرهما بخمس سنين ومع انك اكبر منهم فأنت سارعت لتدافع لأخيك وتشترك في الشجار وكان المفروض عليك كونك اكبر منهم بالعمر إن تكون على الحياد وتقوم بواجبك وتفض النزاع !!..

فقال سرمد : إنا عملت بالمثل القائل (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )!!..

قال محمود : علمت شيئا وغابت عنك أشياء .. أيها المسكين اعلم إن هذه الجملة هي ليست مثلا وربما سارت على شكل مثل دارج بين الناس لكن أساس هذه الجملة هي حديث نبوي شريف ونصه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجلٌ: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره ) رواه البخاري . لهذا يا سرمد كان الواجب عليك أن تنصر أخاك الأصغر وتمنعه من الشجار وبذلك تكون قد طبقت الحديث النبوي الشريف وعملت به !!... وكان مفروضا عليك بعد فض النزاع إن تتقصى من الطرفين وتعرف الحق وأهله والباطل وأهله وان ظهر إن الحق مع أخيك فالتسامح من شيمة أهل الكرم والعزة.

فقال سرمد : أنا أسف يا أخي محمود لتصرفي الخاطئ وأشكرك فقد صححت لي فهمي الخاطئ !!...
قال محمود: لا تثريب عليك يا أخي اذهب في أمان الله وحفظه.