الجبال التي في الأرض هي أربعة أنواع :
1. منها ما تكوّن بسبب البراكين ،
2. ومنها بسبب عوامل التعرية والتآكل وتقلّبات حوادث الخسف والزلزال ،
3. ومنها بسبب تقلّص الأرض وتكسّر وجهِها وهي الجبال السلسليّة المستطيلة [وفي متحف بيروت ترى أسماكاً متحجِّرة وجدوها في جبل من الجبال ببيروت مِمّا يثبت أنّ ذلك الجبل كان في قديم الأزمنة تحت سطح البحر وكانت تلك الأسماك تسبح فوق أرضه ، ولّمّا تقلّص سطح الأرض تكسّر وجهُها فارتفعت منها طبقات وانخفضت أخرى بسبب تقلّصها فصارت المرتفعات جبالاً]،
4. وأكثرها تكوّن بسبب سقوط النيازك على الأرض ، ولا تزال النيازك تسقط أحياناً في بعض البلاد حتّى يومِنا هذا .
قال الله تعالى في سورة النحل{وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فالرواسي يريد بِها الجبال ، فهي نيازك رَسَتْ على الأرض أي ثبتت عليها ورسخت فيها . وقال تعالى في سورة الرعد {وَهُو الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ..إلخ } فالرواسي هي الجبال . وقال تعالى في سورة الحجر{وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} فقوله تعالى {وَأَلْقَيْنَا} بمعنى ألقى النيازك من الفضاء على الأرض فرَسَتْ فيها وصارت جبالاً . وقال تعالى في سورة فصلت{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} ، وقال تعالى في سورة النازعات {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} ، فالجبال يريد بها النيازك ، , أرساها معناها أثبتَها على الأرض . وقال تعالى في سورة الرعد{وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ .. إلخ } ، فقوله تعالى{وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ} يعني هي من غير الأرض {مُّتَجَاوِرَاتٌ}جاور بعضها بعضاً بعدما كانت متفرّقة في الفضاء ، والقطع يريد بِها النيازك لأنّها جاءت إلى الأرض من الفضاء . وقال عزّ من قائل في سورة الحديد { وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ..إلخ } يعني أنزل الحديد مع النيازك فصار منها جبال . وقال تعالى في سورة الغاشية {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ .} أي نُصِبت على الأرض وهي النيزك نُصِبت على الأرض فصارت جبالاً .
وأمّا الجبال التي تكوّنت من عوامل التعرية والتآكل فيدلّ عليها قوله تعالى في سورة فاطر {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} فقوله تعالى {وَمِنَ الْجِبَالِ} معطوف على قوله {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ} والجُدَد بالضمّ جمع جديد ، ومن ذلك قول النابغة :
والأدم قد خيِّستْ فتلاً مرافقُها مشدودةٍ بِرِحالِ الحيرةِ الجُددِ
والمعنى : وأخرجْنا بماء المطر جبالاً جديدة غير الجبال القديمة ، وذلك لأنّ الأمطار تُذيب غاز ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الهواء فيتكوّن حامض الكاربونيك فيذيب هذا الأخير من الأحجار الكلسيّة التي في الجبال فتنزل إلى البحار أو الأراضي المنخفضة فتتحجّر ثانيةً ، وهكذا تستمرّ العمليّة على مرّ السنين حتّى يصبح جبل جديد .
وأمّا قوله تعالى {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} فتقديره : وكوّنّا بِماء المطر غرابيب سود ، ومفرده غربيب وهو الفحم . يُقال "أسود غربيب" أي يشبه الفحم في سواده ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
والماء منهمِرٌ والشدُّ منحدِرٌ والقصب مضطَمِرٌ واللّونُ غِربيبُ
كما يقال "أخضر حشيش" و"أحمر دم" ، ويريد بذلك الفحم الحجري لأنّه يتحجّر بواسطة حامض الكاربونيك المتكوِّن بسبب الأمطار ، وإنّما قال تعالى {غَرَابِيبُ} على الجمع ولم يقلْ "غربيب" على الإفراد لأنّ الفحم الحجري على أربعة أقسام .
والخلاصة أنّ النيازك والجبال يأتي ذكرهما في القرآن بإسمٍ واحد وهو"جبال"
.
منقول من كتاب مفسر القرآن المرحوم محمد علي حسن الحلي(( الكون والقرآن ))