الغبار الذريالغبار الذري مادة مشعة تستقر على سطح الأرض عقب حدوث انفجار نووي في الغلاف الجوي، ويتكون من ذرات تسمى النظائر المشعة. وتنتج هذه النظائر عن انشطار اليورانيوم أو البلوتونيوم في سلاح نووي أو مفاعل، أو عندما يحول الإشعاع الناتج عن انفجار ما الذرات المجاورة الأخرى إلى ذرات مشعة.
فعقب الانفجار، تنحل (تتفتت) النظائر المشعة الموجودة في الهواء، أو على سطح الأرض، أو في أجسام الكائنات الحية، إلى نظائر أكثر استقرارًا، وذلك بإطلاق الإشعاع في شكل جسيمات ألفا وجسيمات بيتا وأشعة جاما. وقد يؤدي التعرض إلى كميات كبيرة من الإشعاع إلى المرض، أو ربما الوفاة. أما التعرض إلى الإشعاع لفترات طويلة فيسبب السرطان ويدمر المورثات.
وفي الماضي، كانت اختبارات الأسلحة النووية في الغلاف الجوي، تنتج كميات كبيرة من الغبار الذري. أما اليوم فقد قلل إجراء الاختبارات تحت الأرض كميات الغبار الذري. ولكن الغبار الذري قد ينتج أيضًا عن الحوادث الخطيرة التي تصيب المفاعلات النووية.
غطى الغبار الذري الناتج عن حادث محطة تشيرنوبل للقدرة النووية في شرق أوروبا أجزاء واسعة من أوكرانيا وبيلاروس وروسيا. يوضح الخريطة إلى اليمين التلوث الأرضي بالسيزيوم 137، وهو شكل مشع من السيزيوم. وقد قيست كميات التلوث بوحدة النشاط الإشعاعي المسمى الكوري.
كيف ينتج الغبار الذري. تنتج كل الانفجارات النووية كرات نارية عملاقة من الغازات الساخنة والغبار الساخن، حيث تتحول كل المواد داخل الكرة النارية، وكل المواد الملامسة لها، إلى غازات. وعندما يحدث الانفجار قريبًا من سطح الأرض، تحول الكرة النارية التربة والغطاء الخضري والمباني إلى غازات. وتجذب الغازات الساخنة في الكرة النارية الأوساخ والغبار وغيرها من الجسيمات الصغيرة، أثناء صعود الكرة النارية في الغلاف الجوي. ثم تتحد كل المواد المتبخرة بالنظائر المشعة الناتجة عن الانشطار. وتبرد هذه المواد المتبخرة أثناء صعودها ويتكثف بعضها إلى جسيمات صلبة تتراوح في الحجم بين الغبار الدقيق غير المرئي إلى الرماد الذي يبلغ حجمه حجم الكسف الثلجية. وتعود هذه الجسيمات، التي تلتصق بها النظائر المشعة، إلى الأرض في شكل غبار ذري.
الغبار الذري المحلي يترسب على منطقة ذات شكل غير منتظم. توضح المساحات المحمرة في هذا الرسم الشدة النسبية للإشعاع من انفجار سعته 15 مليون طن. وتمثل المناطق الحمراء الغامقة البقع الساخنة.
كيف ينتشر الغبار الذري. تؤثر عوامل كثيرة على الزمن الذي تستغرقه جسيمات الغبار الذري لتتكثف في الجو وتستقر على الأرض، والمسافة التي تقطعها ابتداء من المصدر، منها 1- أحجام الجسيمات وتركيبها 2- الارتفاع الذي تبلغه قبل أن تبدأ في السقوط 3- نمط الرياح التي تحمل الجسيمات 4- خط العرض الذي يحدث عنده إطلاق النظائر المشعة 5- الجزء من السنة الذي يحدث فيه الانفجار.
الغبار الذري البعيد تبعثره الرياح في منطقة الستراتوسفير (الطقة الجوية العليا) إلى أي مكان في العالم. توضح الأسهم كيف أن الغبار الذري الناتج عن انفجار نووي في شيكاغو يمكن أن ينتقل إلى شمال أوروبا.
وتستقر الجسيمات الكبيرة أو الثقيلة من الغبار الذري بالقرب من المكان الذي تطلق منه، في مساحة غير منتظمة الشكل، تختلف حسب اختلاف الرياح التي تحملها. وبصفة عامة، تقل شدة الإشعاع كلما ازدادت مسافة ابتعاد الجسيمات عن المصدر، ولكن النشاط الإشعاعي قد يتكثف في مناطق متناثرة داخل نطاق الغبار الذري تسمى البقع الساخنة. وتحدث البقع الساخنة عندما تجرف الأمطار والثلوج وغيرهما من أنواع التساقط جسيمات الغبار الذري خارج الغلاف الجوي.
وقد تصل الجسيمات الصغيرة من الغبار الذري إلى الأجزاء البعيدة من العالم بفعل الرياح، حيث تحمل الرياح المتنقلة عبر التروبوسفير، أي الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، بعض الغبار الذري، لفترات تتراوح بين عدة أيام وعدة أسابيع. وتغير الرياح القريبة من سطح الأرض اتجاهاتها، ولكن الرياح في طبقة التروبوسفير العلوي تهب عادة في اتجاه الشرق. ويكمل الغبار الذري المحمول إلى هذا الارتفاع دورته حول الأرض خلال أسبوع أو أسبوعين، ويسقط معظمه في نطاق حول الأرض قريب من خط عرض مصدر الغبار الذري.
وفي معظم الانفجارات النووية القوية ترتفع كمية كبيرة من الغبار الذري إلى الستراتوسفير، أي طبقة الغلاف الجوي التي تقع فوق التروبوسفير، وهناك يتسع نطاق انتشا الغبار الذري، ويعود إلى الأرض في فترة تتراوح بين عدة شهور وعدة سنوات.
خطورة الغبار الذري. يشكل الغبار الذري خطورة على النباتات والحيوانات والبشر بسبب العناصر المشعة التي تدخل في تكوينه. انظر: داء الإشعاع. وتشتمل هذه العناصر على حوالي 200 نظير لأكثر من 30 عنصرًا كيميائيًا ينتجها الانفجار النووي.
وتطلق النظائر المشعة في الغبار الذري الإشعاع لفترات متفاوتة. ويختفي معظم النشاط الإشعاعي الناتج عن الغبار الذري بعد عدة ساعات أو أيام. ونتيجة لذلك تساوي قوة النشاط الإشعاعي بعد مرور أسبوعين من الانفجار النووي جزءًا واحدًا فقط من ألف جزء من قوة النشاط الإشعاعي بعد ساعة واحدة من الانفجار. ويحدث ذلك لأن عددًا محدودًا من عناصر الغبار الذري يستمر في إطلاق الإشعاع لفترة طويلة. فالسترونتيوم 90، على سبيل المثال، وهو نظير مشع، يفقد نصف قوته الإشعاعية كل 28 سنة، بينما يفقد السيزيوم 137 نصف قوته الإشعاعية كل 30 سنة. انظر: الإشعاع (الإشعاع والنشاط الإشعاعي).
ويحدث التعرض للإشعاع الناتج عن الغبار الذري بطريقتين. ففي الطريقة الأولى تحدث الإصابة بالإشعاع بسبب التعرض للجسيمات والأحجار المشعة على الأرض. ويستطيع الناس حماية أنفسهم من هذا الإشعاع المباشر باللجوء إلى مخابئ تحت الأرض أو المكوث في المنازل، حيث يوفر غطاء التربة وجدران المنازل الحماية من الغبار الذري.
وفي الطريقة الثانية للتعرض يدخل الغبار الذري إلى الجسم عبر الهواء أو الغذاء أو الماء، الملوث بالنظائر المشعة. وفي العادة لا تبقى الجسيمات المشعة محمولة في الهواء لفترة طويلة، ولذلك لايشكل الهواء خطرًا إلا لفترة قصيرة. أما نقل الإشعاع عبر الغذاء فيستمر لفترات طويلة. ومن الطرق المعروفة لانتقال الإشعاع عبر الغذاء انتقال النظائر المشعة عبر اللبن، والذي يبدأ عندما يستقر الغبار الذري على الحشائش التي تتغذى بها الأبقار، حيث تنتقل بعض النظائر المشعة إلى لبن البقرة. ولذلك يتلقى كل من يشرب اللبن الملوث اليود 131، الذي يتجمع في الغدة الدرقية؛ والسترونتيوم 90، الذي تمتصه العظام؛ والسيزيوم 137، الذي يتجمع في العضلات والأنسجة الأخرى. ويتلوث الغذاء أيضًا بالترسب المباشر للغبار الذري على النباتات، وامتصاص جذور النباتات للنظائر المشعة من التربة.
نبذة تاريخية. فجرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبعض الدول الأخرى عددًا من الأسلحة النووية التجريبية في الفترة الممتدة بين أربعينيات وستينيات القرن العشرين، مما أدى إلى ازدياد الغبار الذري إلى معدلات خطرة. وفي عام 1963م وقعت أكثر من مائة دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، على معاهدة حظرت إجراء التجارب على الأسلحة النووية فوق سطح الأرض، وأدى ذلك إلى انخفاض نسبة الغبار الذري بشدة. ولم توقع الصين وفرنسا على المعاهدة، ولكنهما أوقفا مؤخرًا إجراء التجارب على الأسلحة النووية فوق سطح الأرض.
ويأتي معظم الغبار الذري اليوم من حوادث المفاعلات النووية. ففي عام 1986م حدث انفجار في محطة القدرة النووية بتشرنوبل في أوكرانيا، والتي كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي آنذاك، ونتج عن ذلك غبار ذري مكون بصفة أساسية من اليود 131 والسيزيوم 137. وقد نتج الانفجار عن ارتفاع مفاجئ في القدرة الناتجة، أدى إلى ارتفاع درجة حرارة وقود المفاعل بشدة، والذي أدى بدوره إلى اشتعال النيران وتصاعد الأبخرة. وأدى ذلك إلى هروب النظائر المشعة الناتجة عن الانشطار النووي في المفاعل إلى الغلاف الجوي عبر أبخرة النيران التي استمرت في الاشتعال لمدة عشرة أيام.
انتشر الغبار الذري الناتج عن انفجار تشيرنوبل بفعل الرياح، ولكن معظم الجسيمات الكبيرة بقيت في التروبوسفير. وكانت أعلى معدلات ترسب النظائر المشعة في شمال غرب أوكرانيا وجنوب شرق بيلاروس وجنوب غرب روسيا. وبالإضافة إلى ذلك، نتجت عن الترسبات بقع ساخنة في كل أنحاء نطاق الغبار الذري، وحُمِلت النظائر المشعة إلى شمال ووسط أوروبا، وأمكن في نهاية المطاف قياس كميات ضئيلة من الإشعاع في كل أنحاء نصف الكرة الأرضية الشمالي.
كان انفجار تشيرنوبل أسوأ انفجار في التاريخ. وقدحدثت أيضًا انفجارات أخرى خطيرة، كان أشدها الانفجار الذي حدث في محطة وندسكال لإنتاج البلوتونيوم في شمال إنجلترا في عام 1957م، حيث لوث الغبار الذري الناتج عن اشتعال النيران في إحدى مفاعلات المحطة مساحة بلغت حوالي 520كم من المنطقة الريفية المحيطة بالمحطة. وفي الولايات المتحدة حدث انفجار في محطة ثري مايل آيلاند للقدرة النووية بالقرب من هاريسبيرج ببنسلفانيا، في عام 1979م. فقد أدى ارتفاع درجة الحرارة الناتج عن تعطل نظام التبريد بالمفاعل إلى تدمير قلب المفاعل، مما أدى إلى الانفجار. ولكن وقوع المفاعل داخل بناء واق منع انطلاق الجسيمات المشعة إلى الجو إلى حد كبير.