بـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم
ما هي الفصاحة ؟ وما هي البلاغة ؟ وما الفرق بينهما ؟ وكيف يكون الكلام فصيحا بعيدا عن البلاغة في نفس الوقت ؟
*
الفصاحة
هي بمعنى الظهور والبيان .. تقول : "أفصح الصبح لذي عينين" يقال للأمر إذا انكشف وظهر بعد خفائه واستتاره ..
والفصاحة في الاصطلاح تكون وصفا للمفرد وللكلام وهما أمران مختلفان , لذا لم يعرفوها تعريفا شاملا واحدا بل تحدثوا عن كل قسم على حدة ..
فصاحة المفرد
المراد بالمفرد هو الكلمة الواحدة .. وفصاحتها تعني سهولة نطقها ووضوح معناها وجريانها على القياس اللغوي ..
توجد عيوب إذا تطرقت إلى الكلمة جعلتها مستسمجة مستكرهة .. وهذه العيوب باختصار هي : تنافر الحروف لتكرار بعضها واقتراب مخارجها ..
وغرابة الكلمة من العيوب ومخالفتها للغة العرب وقواعدهم .
فصاحة الكلام
تتشابه شروط فصاحة الكلام مع شروط فصاحة الكلمة .. البعد عن تنافر الكلمات ..
انظر : وقبر حرب بمكان قفر .. وليس قرب قبر حرب قبر
هذه كلمات متنافرة مكررة حروفها فثقلت وكره نطقها , على الرغم من أن كل كلمة فصيحة وحدها .
والبعد عن التعقيد وما إلى ذلك .
****
البلاغة
في اللغة تعني الوصول والانتهاء .. تقول بلغت هدفي إذا وصلت إليه ..
قال البوصيري في مدح النبي :
فمبلغ العلم فيه أنه بشر .. وأنه خير خلق الله كلهم
أي منتهى علم البشر .
قال عمرو بن كلثوم في الفخر :
إذا بَلغ الفطام لنا رضيعا .. تخر له الجبابر ساجدينا
يريد إذا وصل الرضيع لزمن الفطام .
والبلاغيون عرفوا البلاغة بأنها :
"تأدية المعنى الجليل واضحا بعبارة فصيحة صحيحة , تأسر النفس وتثير الوجدان , مع ملاءمتها للموطن الذي تُقال فيه وحال الأشخاص الذين يُخاطبون"
وبالتأمل نجد أن البلاغة أعم من الفصاحة .. فلا يكفي أن تكون الجملة واضحة المعنى قوية السبك خالية من التعقيد حتى نصفها بالبلاغة , بل هناك شرط بالغ الأهمية , وهو مراعاة الحال والمقام الذي يُقال فيه الكلام ..
مثلا في الفخر يجب أن يطيل المتكلم ويطنب ويسهب قدر ما يستطيع .. هذا في مقام يستدعي الإكثار من ذكر الأشياء الجالبة للمدح في الممدوح حتى ينبهر المخاطَب ويهتز شعوره بهذه الأوصاف .
فإذا اختصر المتكلم في هذا المقام اعتبر كلامه سخيفا بعيدا عن البلاغة وإن كان فصيحا !
مقام الإنكار يستدعي التأكيد .. "إن إلهكم لواحد" .. إذا ابتعدت عن التأكيد ابتعدت عن البلاغة وأسرارها !
*
بوجه عام البلاغة تنقسم إلى ثلاثة علوم ..
1- علم البيان : وهو طريق الأديب إلى صوغ المعنى الواحد في صور متعددة من الأساليب .. التشبيه , والمجاز , والكناية وما إلى ذلك ..
2- علم البديع : وهو الوسيلة لتزيين الألفاظ بصور بديعية , تضفي عليه الجمال والرونق .. المحسنات البديعية كما يسمونها , الجناس والسجع وما إلى ذلك .
"والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحيٌ يوحى"
3- علم المعاني : وهو الرأس ! هو طريق الأديب إلى صوغ عبارته في صورة تختلف باختلاف المواطن التي تقال فيها ..
وإذا تأملنا في التعريف السابق للبلاغة وقسمناه حسب علوم البلاغة نجد أن :
"تأدية المعنى الجليل واضحا بعبارة فصيحة صحيحة , تأسر النفس وتثير الوجدان"
هذا يشتمل على علمي البيان والبديع.
"مع ملاءمتها للموطن الذي تُقال فيه وحال الأشخاص الذين يُخاطبون"
هذا علم المعاني ..
ويمكن أن نقول أن علم المعاني هو الطرف الزائد للبلاغة .. أي أن البلاغة تشتمل على كل معاني الفصاحة مع علم المعاني ..
هكذا يمكن للكلام أن يكون فصيحا ولكنه - في نفس الوقت - بعيدا عن البلاغة