سوق مريدي يدخل موسوعة " ويكيبيديا".. ويزوره عادل امام
بغداد/إيناس طارق - تصوير /محمود رؤوف
في موقعها الالكتروني وضعت موسوعة ويكيبيديا، سوق مريدي كاحد معالم بغداد الرئيسية وجاء في الموسوعة تعريف السوق بما يلي : هو من الاسواق الشعبية في الجانب الشرقي من بغداد، في مدينة الصدروتحديدا في شارع يسمى شارع الجوادر وبين تقاطعي شارع القيارة وشارع الشركة حيث يساوي طوله مايقرب من ثلاثة قطاعات من قطاعات المدينة البالغ عددها 80 قطاعا اي ما يساوي 1500 متر بعرض 100 متر تقريبا وهو مستمر بالتوسع.
وسمي بسوق مريدي نسبة إلى أحد البائعين في هذاالسوق يسمى مريدي حيث تاسس بعد إنشاء مدينة الصدر(سابقا الثورة) بحوالي عشر سنوات اي تقريبا في سنة 1972.
ويضيف الموقع ان ميزة هذا السوق هي توفر كل ماترغب بشرائه من مصوغات ذهبية وفضية ومسابح نفيسة وساعات واحجار كريمة ومعدات كهربائية أو اثاث منزلية أو ملابس أو فرش وسجاد وحتى سيارات ودراجات نارية إضافة إلى الاطعمة بكافة اصنافها من لحوم وسمك وبقوليات وخضراوات وفواكه،
وظهر سوق مريدي على الشاشة العربيه لاول مرة في مسلسل فرقة ناجي عطاالله عام 2012 حيث قام ناجي عطا الله (مثل الدور عادل امام) مع فرقته بتزوير اوراقهم الثبوتيه وعمل له وثيقة زواج مزورة وكذلك شهادة دكتوراه بالجراحه.
يمتد السوق لمسافة متعرجة، تعلوه صفائح من (الجينكو) مثلثة الشكل تقريباً تمنع حرارة الصيف وبرودة وأمطار الشتاء. لم يكن السوق بطوله الحالي قد أنشئ دفعة واحدة، تخلل السوق عدة أسواق أخرى فرعية على جانبيه يعرف بعضها بـ (القيصرية) بل لم يكن أول سوق في المدينة التي كانت تدعى سابقا "الثورة "سوق مريدي يشهد فصلا عشائريا كبيرا بسبب سرقفلية جنبر او ما تسمى البسطية ،حكاية "الكوامة" جعلتنا نبحث في دهاليز هذا السوق والأسواق الأخرى وأسعار السرقفليات التي تجاوزت الملايين لبسطيات الأرصفة ، واليكم الحكاية التي رواها لنا أبو حسن وهو من اشترى بسطية او مترين من الأرض لفرش بضاعته ، من أبي ياسر الذي كان قد باعها لغيره وتركهما يتعاركان مع بعضهما عندما حضر كل منها لبسط البسطية وعرض بضاعته واذا الحال يمتد الى السب والشتم والعراك بالسكاكين لينتهي بإطلاق النار وإصابة عدد من الأشخاص من الطرفين وتدخل أصحاب الخير لتحل المسألة بفصل عشائري بين عشيرة ابي حسن وابي ياسر وبين عشيرة ابي محمد البائع للشخصين والذي اختفى ولا احد يعرف مكانه لكن أخوته هم من يدفعون الفصل بمساندة العشيرة . باعة السوق استولوا على أربعة شوارع متقاطعة وقطعوا السير تماماً، وقد غيرت نتيجة ذلك باصات النقل خطوطها مرغمة وحاول المجلس البلدي تنظيم أماكن لهؤلاء الباعة في نهاية المدينة لكنهم لم يغادروا أماكنهم، وبقيت الفوضى والزحام على حالها. كما ان هؤلاء الأفراد والدلالين الذين تفرغوا لهذه المهنة بشكل كامل اصبح من الصعب السيطرة عليهم فهم يتحكمون بالأملاك العامة وارزاق الناس
السرقفلية ترفع الأسعار
الإيجار من الباطن او ما عرف في السوق بالسرقفلية ونسمع في كل يوم حكايات تفيد بأن الإيجارات في بغداد او في بعض أحيائها التجارية قد انخفضت أو ارتفعت وهو ما يراه بعضهم تذبذبا حال من دون استقرار سوق الإيجارات لكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن السوق لن تستقر ما دام سماسرة التأجير من الباطن يمارسون لعبتهم المفضلة والتي يتحكمون عن طريقها في مفاصل سوق العقارات وعمليات التأجير التي يحولونها من عملية بسيطة يقوم عن طريقها المستأجر ومالك العقار بتوقيع عقد برضا الطرفين وهذا يحدث في بيع وتأجير البسطيات والجنابر ايضاً. ان السرقفلية أصبحت أمرا شائعا ضمن نطاق تداول عقود الإيجار الخاصة بالعقارات برغم ان قانون أيجار العقار رقم 87لسنة1979 اعتبر السرقفلية فعلا غير مشروع يعاقب عليه بموجب المادة الثالثة والعشرين لأنها تمثل اعتداء على حقوق الآخرين لا يمكن السكوت عليه لكن الحال يتسع ولا احد يحاسب والكل يتصرف على هواه .
تجمع حاشد من الاجساد
اصبح السوق اليوم عبارة عن تجمع حاشد من الأجساد البشرية تحفها البضائع المحلية والمستوردة وهي معلقة بكلاليب او منضدّة على رفوف خشبية او حديدية او مطروحة على قارعة الطريق تعرقل سير المارة من كثرة انتشار البسطيات والبضائع المختلفة والخضار والفواكه وكل ما تبحث عنه تجده في هذه البسطيات ،وقد قادتنا الصدفة ونحن نبحث عن مواد احتياطية للسيارة المرقمة منفيست والتي أصبحت متقاعدة عن العمل ولابد من إصلاحها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هيكلها وتجديد محركها وبحثنا كثيرا عن ادوات احتياطية للسيارة فلم نجدها، فارشدنا مجموعة من الاشخاص إلى ان ما نبحث عنه لا نجده الا في سوق مريدي، فذهبنا وسمعنا الحكاية والمشاجرة عن البسطيات والفصل العشائري الذي لم يكن الأول ولن يكون الأخير طبعا في ظل التجاوزات التي يقوم بها المواطنون على الأملاك العامة .
ازدهار عمل الحمالين
وبالنظر لقرب علاوي جميلة من السوق ازدهرت صناعة عربات الدفع التي كانت شائعة أيام الخمسينات في بغداد، وقد امتهن الشباب في المدينة العمل حمالين في علاوي جميلة، افضل من الجلوس بدون عمل وهم يحصلون لقاء عملهم هذا على مبلغ خمسة الاف دينار لكل (درب لنقل بضائعه )على حد تعبير مرتضى البالغ من العمر العقد الثاني الذي قال : سوق مريدي يشهد حركة عمل كبيرة تبدأ من ساعات الصباح الأولى ولا تتوقف إلا ساعات المغرب اي ساعة 6 هذا بالنسبة لأصحاب البسطيات الخاصة ببيع الخضار وبعض الأنواع من البضائع التي لا تتجاوز أسعارها 250 و500 دينار ،اما كرار الذي يبلغ من العمر 10 سنوات وكان يدفع عربة محملة بقناني المياه المعدنية قال : لو كان عند والدي ملايين لاستطعنا شراء بسطية صغيرة افضل من تحميل القناني والبضائع التي لا نحصل من وراها غير مبالغ زهيدة من المال لا تسد طلباتنا اليومية لان الحمالين هنا كثيرون ونحن لا نحصل الا على درب او دربين لنقل البضائع في اليوم .
(البسطات) التي افترشت السوق لا تختص بنوع معيّن من البضائع، بل هي متنوعة يغلب عليها طابع ما خف حمله من المواد.. فالملابس الرجالية والنسائية والعطور والبهارات والاكسسوارات وغيرها.. والجديد في اتساع هذه الظاهرة ظهور مهنة بيع الأقراص (سي دي) وهي ظاهرة غير مقبولة لما فيها من انتهاك لحقوق المواطنين الذين يفرض عليهم سماع ما يبثه أصحاب البسطات من اغانٍ رخيصة او غير ذلك من الغش الملوث للذوق العام..
لاتجاوز على الأملاك
يقول سلام وهو صاحب بسطية لبيع (البالة ) ملابس قديمة مستوردة مستعملة : اشتريت هذه البسطية بمليونين وخمسمائة دينار من شخص اجر محلا الآن في ساحة مظفر يبيع فيه المشروبات الغازية ، ومنذ شهرين وانا احاول تسديد ما اجنيه من بيع الملابس القديمة لسد الدين فالمبلغ كان بالنسبة لي كبيرا لكن الحصول على مكان في سوق مريدي وان كان مترا واحدا هو حلم كل شاب يريد العمل والحصول على المال فالعائلة تحتاج الى المال والمولد الكهربائي يجب ان يدفع ثمنه والكثير من الأمور الأخرى والبطالة يملؤون الشوارع وعلق قاسم وعمره لا يتجاوز العشرين كان يحمل عربته ببعض البضائع المختلفة مثل الجبس والعصير قائلاً: لماذا تقولون انتم تتجاوزون على الأملاك؟ أين نذهب؟ لا نملك غير هذا المكان.. المكان ليس لأحد انه ملك الدولة.. وأصحاب المحال يحاربوننا في ارزاقنا وبدل ان يجدوا لنا فرص عمل تليق بنا كبشر يحاربوننا في رزقنا! كيف تعيش عوائلنا ونحن بلا رواتب ولا تقاعد وسعر قنينة الغاز تجاوز 7 آلاف دينار و (كيلو الرز 2000 ) وصاحب الملك يريد إيجارا ونحن لا نبيع غير أشياء بسيطة فالناس هناك ليس لديهم المال وما ينفقوه قليل ولكن حركة البيع والشراء قوية وهو ما يساعدنا على العيش .
كان اطرف ما شاهدت أثناء تجوالي في السوق هو ان بعض الباعة كانوا لا يعرفون ما نوع السلعة او ما هو استعمالها فلقد رأيت احد الباعة وقد عرض بضاعته على رصيف الشارع وكانت سلعاً متنوعة لا يجمعها جامع من إطارات قديمة وتحفيات رخيصة الثمن وعلب فارغة ، وهياكل سيارات وأشياء عجيبة غريبة ،يضم سوق مريدي أيضا كل ما تجده ممنوعا او مسموحا فيه.
حرف وسلع وتجار
صناع وحرفيون دعت الحاجة الى وجودهم، ففي أيام الشتاء الباردة يطغى على السواق باعة المدافئ النفطية والكهربائية، والى جانبهم أفراد امتهنوا تصليح هذه السلع وإعادة الحياة اليها إذ يكون الإقبال على شراء وتصليح المدافئ شديداً وفي ايام الصيف ينتشر باعة المبردات الهوائية ومصلحوها وعلق الكثير من أصحاب البسطيات والجنابر عن محاربة أصحاب المحال التجارية لهم وهم يبررون ذلك وحسب تعبيرهم جاسم (26 سنة): يا أخي هؤلاء قلّة وأصحاب الخير كثيرون. فنحن بوجودنا هنا نقوم من حيث لا ندري بحماية محالهم من اللصوص. فأنا أعطي يومياً لصاحب المحل الف دينار!! من اجل ان افتح بسطيتي كل يوم .. وهناك من يأخذ أسبوعيا مبلغاً اكثر من ذلك.. والبعض يتصرف معنا كأننا من كوكب آخر وليس لدينا أطفال ولا نملك بيوتاً.. لا يوجد في قلب البعض رحمة اما صاحب عامر وهو يملك محلا لبيع الأجهزة الكهربائية قال: ان أصحاب (الجنابر) يضايقوننا، فهم غير مطالبين بدفع بدلات ايجار ولا تسديد فواتير الكهرباء والماء وكذلك المولدات الكهربائية وكل ذلك ويتذمرون ان طلبنا منهم إفساح الطريق قليلا من اجل مرور الناس للدخول الى محالنا دفعت ثلاثة ملايين (سرقفلية) من اجل ان احصل على هذا المحل ويأتي احدهم بكل وقاحة ويضع بسطيته أمام محلي بمسافة متر وربع ليغلق واجهة المحل بالكامل .
مقاولون ودلالون
الإيجارات في السوق للمحال التجارية والبسطيات والجنابر تخضع جميعها الى قانون واحد هو ان تدفع سعر اكثر تستلم المكان اذا أردت البيع والشراء وان تدفع عمولة للدلالة والمقاول لقاء ذلك ،وتوجد مكاتب خاصة لهم او انهم موجودون في السوق وهم اصحاب بسطيات ايضاً، أبو حميد قال وهو صاحب محل لبيع أجهزة الموبايل بين ليلة وضحاها أصبحنا تحت رحمة أصحاب الأملاك وبعض الدلالين ممن تمكنوا وفي غفلة من الزمن من ايجار محال تجارية او بنايات كاملة وقاموا باستغلالنا أبشع استغلال في مصدر رزقنا فقد بدأوا يفرضون في كل شهر زيادات على بدل الإيجار وبشكل كيفي وليس أمامنا سوى الرضوخ لهم أو سيكون إخلاء المحل مصيرنا الحتمي فقد زاد إيجار محلي خلال ثلاث سنوات الى خمسة عشر مليون دينار سنويا واخيرا ودعنا السوق الذي دخلته اشكال مختلفة من البضائع مما جعلنا نتمنى العودة قريبا ، لكن صعوبة السير وكثرة الجنابر والبسطيات تجعلان العودة ليست بالقريبة لذلك لابد من اعتبار السرقفلية تصرفاً عقارياً مثل (بيع العقارات) واعتبارها من العقود الشكلية ولابد من تسجيلها في دوائر التسجيل العقاري او الاقرار المستعجل.