«البابا علّمني كيف أستعمل السكايب»،«ذهبنا أنا وبابا للتسوّق»، «نلعب أنا وأخوتي مع البابا كرة القدم كل عطلة أسبوع»، «البابا مسافر ولكن عندما يأتي في إجازة نقوم بالكثير من الأمور الطريفة»... حوارات يتبادلها التلامذة عن مشاركة آبائهم في كثير من النشاطات التي يقومون بها.
وفي المقابل هناك تلامذة نادرًا ما يذكرون آباءهم وفي غالب الأحيان تكاد صورة أن تكون الأب غائبة عن حياتهم.
لا يختلف اثنان على أن صورة الأب النمطية اختلفت عما كانت عليه في الماضي، خصوصًا عند جيل الشباب من الآباء الذي يدرك أن الأبوة لا تعني التسلّط وفرض القانون المنزلي بالقوة وإرهاب الأبناء وتوفير الاحتياجات المادية للعائلة.
وإنما للأب دور رئيسي في تربية الأبناء وتطوّرهم النفسي والفكري، ويكون ذلك من خلال حضوره المعنوي القوي في وعي الأبناء وفي لاوعيهم على حد سواء، على أن يشكّل هذا الحضور مصدرًا للسعادة وشعورًا بالأمان والثقة بالنفس.
ولكن يحدث أحيانًا أن يضطر الأب للسفر خارج البلاد فيكون حضوره المادي مقتصراً على الإجازات السنوية، فهل في إمكان هذا الأب الغائب أن يبقى حاضرًا في حياة أبنائه؟ وماذا عن الأب الذي رغم وجوده اليومي مع أبنائه فإنه غائب؟ وما دور الأم في تعزيز حضور الأب في حياة أبنائها وإن كان مسافرًا؟
«لها» حملت هذه الأسئلة إلى الإختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار التي أجابت عنها وعن غيرها.
في البداية تقول عازار: «هناك ثلاثة نماذج من الآباء في عصرنا الحاضر. الأب الذي يضطر للسفر للعمل خارج البلاد، والأب الذي يمضي الأسبوع خارج المدينة والأب المشغول دائمًا ولا يجد الوقت لمتابعة أبنائه تربويًا.
لذا من الضروري أن يكون الوالدان متكاملين في تربيتهما. وفي المقابل ليس سهلاً على الأم قيامها، في حالة سفر الزوج، بدور مزدوج فهي من ناحية تحاول تعويض غياب الأب مما يضطرها أحيانًا لأن تكون شديدة مع أبنائها، وفي الوقت نفسه عليها أن تمنحهم الكثير من الحنان والعاطفة ومتابعة كل شؤونهم من ألفها إلى يائها، فضلاً عن أنها تعمل على تثبيت صورة الأب الغائب ماديًا في لا وعي الأبناء.
- أي صورة على الأم تثبيتها في ذهن أبنائها؟
أكيد أعني الصورة الإيجابية، لا تلك التي تجعل من الأب مصدر سلطة ظالمة، فهناك الكثير من الأمهات يهددن أبناءهن بعقاب الأب سواء كان مسافرًا أم لا.
كأن تقول الأم لابنها إذا تصرف في شكل سيء» سأخبر البابا عندما يعود من السفر وبالتأكيد سيعاقبك» فترتبط صورة الأب الغائب عند الإبن بالعقاب والقسوة، مما يجعل العلاقة بينهما قائمة على الخوف، وبالتالي فإن الحوار يكون صعبًا بينهما.
وفي المقابل قد تساهم الأم وعن غير قصد في جعل صورة الأب ضعيفة وغالبًا ما يكون على الهامش في كل ما يتعلّق بتربية الأبناء وعدم السماح له بإبداء رأيه إذا ما اتخذت الأم قرارًا مثلاً عندما يسمح الأب لابنه أو ابنته باللعب قبل الدرس، فيما تمنعهما الأم فتكون هي صاحبة القرار النهائي وعبارة: «لكن البابا سمح لنا» التي ترد عليها الأم «مهما يكن فأنا أعرف مصلحتكما أكثر منه»، هذه العبارة تجعل الأب لا حول ولا قوة له وبالتالي لا يعود الأبناء يشعرون بضرورة مشاركته همومهم ومشكلاتهم أو حتى نشاطاتهم.
غير أن هذا لا ينفي وجود الكثير من الأمّهات اللواتي يساهمن في جعل صورة الأب الإيجابية حاضرة في ذهن الأبناء، ففي كل قرار يتخذنه يشرن إلى دور الوالد في اتخاذه.
- ولكن أحيانًا عندما يعود الأب من السفر يتحوّل البيت إلى فوضى وتخرق القوانين التي وضعتها الأم في غيابه. ألا يؤدي هذا إلى اهتزاز صورة الأم؟
من الطبيعي أن تكون الأم قد وضعت قوانين منزلية وطقوسًا يوميًا يلتزم فيها الأبناء، وغالبًا ما تخرق هذه القوانين عندما يكون الأب في إجازة، فمثلاً قد يسمح للطفل بالسهر ليكون مع والده، ونسمع الأب يقول لزوجته «لا بأس في القليل من الفوضى فأنا مشتاق إليه دعينا نستمتع بالوقت»، هذه العبارة مقبولة إلى حد ما إذا ما دارت بين الأب والأم من دون حضور الطفل على أن يشرح الأب لطفله أنهما اخترقا القاعدة لفترة قصيرة وأنه والماما متوافقان على هذه المسألة.
لذا على الأم أن تستوعب تدليل الأب لأبنائه أثناء وجوده معهم وألا تحوّل متعة اللقاء إلى صراع بينهما. المهم نوعية الوقت الذي يمضيه الوالد مع أبنائه، أن يشرح لهم أسباب غيابه وأنه حاضر للاستماع إلى مشكلاتهم ومعرفة ما يفرحهم وما يحزنهم، ومشاركتهم همومهم لا سيما إذا كانوا في سن المراهقة.
إذ لا يجوز أن يمضي إجازته في النوم أو القيام بزيارات الأقارب ويهمل الأم والأبناء. ولكن هذا لا يعني أن يمضي كل وقته مع أبنائه بل عليه أيضًا أن يخصص وقتًا لزوجته ويشير إلى ذلك لأبنائه. المهم ألا يغض الأب النظر عن السلوك الخطأ في تصرّف الإبن أو الإبنة.