TODAY - February 04, 2011
تحليل: تصاعد الضغوط على مبارك
يعتقد المحتجون أن قدرهم هو تحقيق الانتصار بسبب كثرة عددهم وتصميمهم الكبير
في كل ثورة سواء كانت شعبية أو غير ذلك تأتي لحظة الحسم عندما تتبلور ملامح المستقبل.
وفجأة يأتي الجواب على السؤال الأساسي المتمثل في ما إذا كان المحتجون أقوياء بما فيه الكفاية لاستلام دواليب السلطة أو مدى قدرة قادة البلاد على مواجهة المحتجين.
ففي إيران عامي 1978 و 1979 قاوم الشاه المتظاهرين في الشوارع وأمر جنوده بإطلاق النار عليهم لمدة عدة شهور حتى رضخ في نهاية المطاف وهرب إلى الخارج.
لقد احتشد نحو مليون متظاهر في ميدان تيانمين في بيكن بالصين عام 1989، ولم يقتصر المحتجون على الطلبة وإنما انضم إليهم القضاة أحيانا وكبار ضباط الشرطة وبعض السياسيين لكن القيادة الصينية رفضت الرحيل وعثرت في نهاية المطاف على جنرال كان مستعدا لإطلاق النار على المتظاهرين وإخماد احتجاجاتهم.
كل الثورات تشترك في بعض القواسم الأساسية المشتركة.
وتعتقد حشود المحتجين التي تجتمع في الغالب لأول مرة أن قدرها هو تحقيق الانتصار بسبب كثرة عددهم وتصميمهم الكبير.
لكن إذا رفضت الطبقة السياسية التقاط الإشارات الموجهة إليها واستطاعت الحفاظ على تأييد الجيش والشرطة السرية، فسيكون بإمكانها البقاء في السلطة.
وإذن تطورات الأمور تعتمد على مدى قوة الطبقة السياسية ومدى قابليتها للمرونة في التعاطي مع ما يحدث.
ففي الثورات التي شهدتها أوروبا الشرقية ما بين 1989 و 1990، أبدت الأنظمة الشيوعية الاستبدادية في البداية تصميما على البقاء في الحكم وكانت تحظى بقاعدة عريضة لكنها سرعان ما أثبتت أنها هشة وقابلة للانكسار والانهزام.
وفي روسيا عام 1991، كان المتظاهرون الذين أطاحوا بالنظام الماركسي اللينيني قلة ومتوترين وخائفين من رد فعل السلطات لكن الحكومة السوفييتية كانت من الضعف بحيث سقطت بدون قتال.
مخطط البقاء في الحكم
في تونس، قرر الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، منذ البداية أن اللعبة قد انتهت وجمع أغراضه القابلة للتحويل واستقل الطائرة باتجاه المنفى.
لكن الرئيس المصري مبارك شديد العناد إذ لا يعبأ بعدد المتظاهرين في ميدان التحرير المطالبين بأعلى حناجرهم برحيله رغم أنه بدأ في تقديم بعض التنازلات.
لقد عين مبارك نائبا له وهو مدير جهاز المخابرات العامة، اللواء عمر سليمان، بعد شغور هذا المنصب لمدة ثلاثين عاما ما يضمن خليفة له.
ويعرف اللواء سليمان وزملاؤه أن موقفهم لا يقل خطورة عن موقف مبارك نفسه لكن يجب أن يدركوا الآن أن السبيل الوحيد لتهدئة الشارع المصري هو رحيل مبارك.
وقد يكون هذا السيناريو هو المخطط الوحيد لبقاء النظام في السلطة وسيكون على النحو الآتي:
أولا: إعلان مبارك أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وبالتالي تقديم استقالته.
ثانيا: إجراء مفاوضات مع مختلف القوى الديموقراطية على نحو يلبي مطالب العالم الخارجي المتمثلة في إحداث تغيير سياسي مناسب بمصر أي ضمان "انتقال منظم للسلطة" كما طالبت بذلك الولايات المتحدة.
المشكلة الوحيدة هي أن لا أحد أخبر المحتجين في ميدان التحرير بهذا السيناريو.
والشعار الذي يرفعه المحتجون هو "ارحل يا مبارك الآن" وليس "ارحل يا مبارك بكرامة خلال شهور قليلة في ظل استمرار النظام الحالي مع إدخال بعض التحسينات عليه".
إنهم يريدون الإطاحة بمبارك ومحاكمته.
الجميع هنا يفترض أن مبارك هو الذي أعطى الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين يوم الجمعة الماضي.
انتقام
هناك مطالب حقيقية تنادي بالانتقام والناس تحمل الرئيس مبارك شخصيا مسؤولية ما شهدته مصر من ارتفاع الأسعار إلى الوحشية المعتادة لعناصر الأمن.
وإذن هل سيقود غضب المحتجين إلى صعوبة حكم مصر بحيث يسقط كل أركان نظام مبارك؟
أو هل سيتفرق المحتجون تدريجيا وتنتهي حركتهم خلال الأيام القليلة المقبلة بعد خوضهم تجربة مثيرة ولأول مرة في التعبير عن آرائهم بكل حرية؟
لقد انتصر المتظاهرون في إيران لأن غضبهم كان يتأجج أكثر فأكثر كلما أطلق الجيش النار عليهم.
لكن المتظاهرين خسروا في الصين عندما رفضت القيادة السياسية الشيء الذي كان متوقعا منها وبالتالي تمكنت من استعادة الأمن بقوة السلاح رغم أن خيار تيانمين كان مستعبدا في مصر من قبل القوات المسلحة نفسها.
وإذن قد ينتصر نموذج أوروبا الشرقية المتمثل في مواصلة المحتجين مظاهراتهم حتى رضوخ الحكومة لمطالبهم.
BBC