المرأة في الإسلام والأعراف الاجتماعية

بقلم : فلاح العيساوي

ان تاريخ العرب قبل الإسلام قد نقل ألينا وضع المرأة في ذلك المجتمع (الذكوري) بكل معاني كلمة (الذكورة)، إذ كانت تلك الكائن الضعيف واللطيف المرهف الحس والمشاعر الرقيقة، تسترق وتستعبد وتستباح وكأنها مخلوق لأستفراغ (اللذة الجنسية) إذا كانت تملك آيات من الجمال، إما ان كانت لا تملك مسحة من الجمال فيصبح مصيرها المحتوم العمل المضني والشاق وتبقى طول حياتها ترزح تحت سياط العبودية، والاستحقار ولا سبيل للراحة غير الموت، وان كانت ترفل بعض بنات العرب من العشائر المعروفة ببعض الرفاهية فتبقى في خطر دائم من خوف السبي والاستعباد، هذا ان قدر لها الحياة بعد الولادة في مجتمع كان يئودها تحت رمال الصحراء الملتهبة، خوفا من عار السبي والاستباحة، أو من حدث تحدثه أو من خشية إملاق وعدم الاستطاعة من توفير مستلزمات الحياة لها، وهذا هو الجهل بل هو قمت الجهل، وقمت الامتهان والاستهتار بحياة البنت التي هي نعمة عظمى من نعم الله تعالى .

وأشرقت الأرض بنور الإسلام ودستوره الإلهي العادل على يد نور المشرقين النبي المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صاحب الخلق العظيم والسيرة الحميدة (عليه وعلى اله صلوات الله التامات).

فجاء الإسلام ليرفع تلك المظالم القاسية والامتهان المجحف عن المرأة المظلومة فحرم وأدها، قال تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا ). الإسراء/ 31. وهتف لأخذ حقها من قاتلها، فقال تعالى (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ). التكوير / 8-9. فأعاد الإسلام لها حقها في الحياة الكريمة وكفل رزقها، وقال رسول الإنسانية: ( من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وسرائهن وضرائهن أدخله الجنة بفضل رحمته إياهن ، قال رجل : وابنتان ؟ قال : وابنتان ، قال رجل : وواحدة ؟ قال: وواحدة ). وقال أيضا (ص): (من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها -يعني الذكور- أدخله الله الجنة). وحرم سبي المسلمة واسترقاقها ، وجعل لها حرية اختيار شريك الحياة الزوجية، وحرم إكراهها بالاقتران بمن لا ترغب ان يصح بعلا لها، فقال تعالى (فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ). البقرة / 232.وجاهد رسول الإنسانية بكل طاقاته ليحبب البنت إلى الإباء الذي وصفهم الله بقوله (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ). النحل / 58.

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: ( نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات ).

وروي أن رسول الله (ص) بشر بابنته فنظر إلى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم فقال: ( مالكم؟!.. ريحانة أشمها ورزقها على الله عزّ وجلّ ).

وروي أيضا عن رسول الله الأعظم (ص) أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى أرقّ على الإناث منه على الذكور وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها قرابة إلاّ فرَّحه الله يوم القيامة).

وجاء في الروايات أنه ولد لرجل من أصحاب الإمام أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) جارية، فدخل على أبي عبد الله فرآه مسخطاً فقال له: ( أرأيت لو أوحى الله إليك أن أختار لك أو تختار أنت لنفسك ما كنت تقول؟ قال: كنت قول يا رب تختار لي. قال: فإن الله عزّ وجلّ قد اختار لك، ثمّ قال: إن الغلام الذي قتله العالمُ الذي كان مع موسى وهو قول الله عزّ وجلّ، (فأردنا أن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خيراً منه زكاة وأقرب رحماً) الكهف / 81، أبدلهما الله عزّ وجلّ بجارية ولدت سبعين نبياً ).

وقد روي عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أيضاً، أن رجلاً تزوج بالمدينة فلما جاءه سأله أبو عبد الله كيف رأيت؟ فقال: ما رأى رجل من خير من إمرأة إلاّ وقد رأيته فيها، ولكن خانتني. فقال: ما هو؟ قال: ولدت جارية. فقال أبو عبد الله: لعلك كرهتها، إن الله عزّ وجلّ يقول: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً). النساء / 11.

وكانت المرأة في الجاهلية لا ترث أبويها ولا زوجها ولا من غيرهم مطلقا، والإسلام أعطاها حقوقها الطبيعية وورثها فقال تعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ). النساء / 11. وقال تعالى (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ). النساء / 176.

وكانت في الجاهلية (تورث)، (بكسر الراء وفتح الثاء)، وكأنها بضاعة مملوكة، فالابن الأكبر للمتوفى يرث أبيه ويرث زوجة أبيه مع الأملاك، وله ان يسرحها فترجع إلى أهلها وعشيرتها، وله ان يتزوجها !، أو يزوجها من يشاء من الرجال ويقبض مهرها حلالا تلالا، فجاء الإسلام وحرم هذا الامتهان والاستعباد وهضم الحرية الشخصية للمرأة، فقال تعالى (َلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً ). النساء / 22.

وقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في كثيرا من الأمور:
منها في حق الملكية، فالمرأة كالرجل في حرية الامتلاك والتصرف بما تملك من أموال وعقار فتهب أو تتصدق أو تقرض أموالها، ولا يحق للزوج منعها أو التعدي على أملاكها وأموالها دون اخذ إذنها ورضاها، قال تعالى (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ). النساء / 20.

ومنها المساواة بحق تحصيل العلم، فقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. وهذا الحديث لم يجعل طلب العلم حق فقط للمرأة، بل جعله فريضة واجبة، وذلك لتثبت للمجتمع أنها كيان عاقل ومدرك وله حق المشاركة في ميادين الحياة الاجتماعية وفي هذا العصر وصلت المرأة بالعلم فأصبحت نصف المجتمع بمعنى الكلمة ان لم تكن كل المجتمع، وأصبحت بحق كما وصفها رسول الإنسانية جمعاء (ص)،: (إنما النساء شقائق الرجال). وصدق الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال: (المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح).

ومنها المساواة بالإرث !، وقد يقول قائل: أين المساواة وهي ترث نصف ما يرثه الرجل ؟، فنقول: ان حياة الزوجة ومعاشها وسكنها ومأكلها وملبسها مكفولة وواجبة على الزوج وحتى في المرض، ورغم هذه الكفالة فالإسلام جعلها ترث بعد ان كانت (تورث).
ومنها المساواة بالتكليف الشرعي والأوامر الشرعية والعبادية وفي الثواب والعقاب، و أشاد القرآن بالمرأة وخصها في آيات كثيرة تبين مكانتها في المجتمع في قوله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) آل عمران / 195. وقوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل / 97. (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر / 40.

ومنها المساواة في الجهاد مع جهاد الرجل، رغم ان الإسلام اسقط الجهاد المسلح عن المرأة، وأبعدها عن سوح المعارك والدخول إلى غمار الحرب الضروس، لكن جعل لها جهاد يليق بها وبتركيبتها الجسدية اللينة، وعد جهادها في حسن التبعل والعمل في منزلها والحمل والإنجاب وتربية الأطفال، من أعظم الجهاد في سبيل الله، فعدة التي تموت بالولادة بدرجة الشهيد المضرج بدمائه، وقد روي عن أم سلمه أنها قالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بكل خير، فأي شيء للنساء المساكين؟.. فقال (ص): ( بلى، إذا حملت المرأة، كانت بمنزلة الصائم، القائم، المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا وضعت كان لها من الأجر ما لا تدري، ما هو بعظمته، فإذا أرضعت كان لها بكل مصة عدل عتق محرر من ولد إسماعيل، فإذا فرغت من رضاعه ضرب ملك على جنبها، وقال: استأنفي العمل، فقد غُفر لك ). فروع الكافي: ج2، ص 92.
وروي أيضا: أن النساء قلن لرسول الله (ص): ( يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل الله، فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله ؟..قال رسول الله (ص): مهنة إحداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله ).روضة الواعظين 2/376.
وعن عبادة بن الصامت ان رسول الله (ص) قال: ( النفساء يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة ).
وروي أيضا ان النبي (ص) قلن له النساء اجعل لنا يوما كما جعلت للرجال يوما فأتاهن و وعظهن وذكرهن فقال: ( ما من امرأة تدفن ثلاثا إلا كانوا لها حجابا من النار، فقالت امرأة: يا رسول الله لكني دفنت اثنين، قال: و اثنين !..).
حتى غسلها وطهارتها جعل لها ثوابا جزيلا، فروي عن رسول الله (ص): ( إذا اغتسلت الحائض وقت الصلاة، كتب الله لها ألف ركعة، وغفر لها سبعين ذنبا، ورفع لها سبعين درجة، وأعطاها سبعين نورا، وكتب لها بكل عرق في جسدها حجة وعمرة ). وفي حديث آخر عنه (ص) قال: (من اغتسلت من الحيض والجنابة، أعطاها الله بكل قطرة عينا في الجنة، وبعدد كل شعرة على رأسها وجسدها قصراً في الجنة أوسع من الدنيا سبعين مرة، لا عين رأت، ولا أذن سمعت ).

ورفع الإسلام شأن المرأة إلى أقصى الحدود وكرمها وجعل بر أبنائها لها واجبا، قال تعالى ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ). الأحقاف / 15. وقوله تعالى (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ). النساء / 36. وقوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ). لقمان / 14. وفي هذه الآية قرن الله الشكر له بالشكر للوالدين وذلك لعظيم منزلتهما عنده، وقال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا). الإسراء / 23-24.وروي عن أبو عبد الله الصادق (ع): ( وأما قول الله: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما}.قال: إن أضجراك فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما إن ضرباك. قال: {وقل لهما قولاً كريماً}.. قال :إن ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم.قال : {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}.. قال :لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما، ولا تتقدم قدامهما. الكافي للكليني .

وروي عن أمير المؤمنين علي (ع) قال: (بر الوالدين أكبر فريضة، من بر والديه بره ولده). مستدرك الوسائل، ص 627.

وعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: (جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: من أبر؟.. قال: أمك. قال: ثم من ؟.. قال : أمك. قال: ثم من ؟.. قال : أمك. قال : ثم من ؟.. قال: أمك. قال: ثم من ؟.. قال: أباك ). أصول الكافي، ص 389.

وأقصى البر يتعدى الحياة ويصل إلى بعد وفاة الأبوين، فقد جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله!.. هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟. قال: (نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهم من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما ).رواه مسلم وداود والترمذي.

وروي أيضا عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: (ان العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما ثم يموتان، فلا يقضي عنهما ديونهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عاقاً، وانه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار لهما، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه الله باراً). الكافي: ج2، ص 130.

وروي ان رجل قال، لرسول الله (ص) : ( والدتي بلغها الكبر وهي عندي ألان، أحملها على ظهري، وأطعمها من كسبي، وأميط عنها الأذى بيدي، وأصرف عنها مع ذلك وجهي استحياء منها وإعظاماً لها، فهل كافأتها؟.. قال: لا، لان بطنها كان وعاءاً وثديها كان لك سقاءً وقدمها لك حذاء ويدها لك وقاء وحجرها لك حواء وكانت تصنع ذلك وهي تتمنى حياتك وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها ). مستدرك الوسائل، ج 2، ص 628.

وجاء في فقه الرضا (ع): واعلم ان حق الأم ألزم الحقوق وأوجب لانها حملت حيث لا يحمل أحد أحداً، ورقت بالسمع والبصر وجميع الجوارح مسرورة مستبشرة بذلك، فحملته بما فيه من المكروه الذي لا يصبر عليه أحد، ورضيت بان تجوع ويشبع، وتظمأ ويروى، وتعرى ويكتسي، وتظله وتضحي، فليكن الشكر لها، والبر والرفق بها على قدر ذلك. وان كنتم لا تطيقون بأدنى حقها إلا بعون الله. مستدرك الوسائل، ج2، ص628.

واعلم ان هذه الروايات قليلا من كثير، ويكفي المرأة (الأم)، عظمتا وجلالا ان رسول الله (ص) جعل الجنة تحت إقدامها فروي عنه أنه قال: ( الجنة تحت أقدام الأمهات )، وقال (ص): ( لأقدام الأمهات روضة من رياض الجنة ). مستدرك الوسائل، ج3 ص 228.
وهناك روايات عدة ذكرت عقوبة عقوق الوالدين اذكر منها ما روي عن النبي (ص)قال: ( من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين ). مستدرك الوسائل، ج2، ص 629.

وانظر إلى الرواية التالية واستخلص لنفسك منها عبرة مفيدة وهي واضحة ولا تحتاج إلى تفسير أو شرح إطلاقا، فقد روي عن سعيد بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (ع) يقول: ( ان رسول الله (ص) حضر شاباً عند وفاته.فقال له: قل: لا إله إلا الله فقال: اعتقل لسانه مراراً، فقال لامرأة عند رأسه: هل لهذا أم؟.. قالت: نعم أنا أمه.
فقال: أساخطة أنت عليه؟.. قالت: نعم، ما كلمته منذ ست حجج.قال لها : أرض عنه. قالت: رضي الله عنه يا رسول الله برضاك عنه.فقال له رسول الله (ص): قل: لا إله إلا الله، فقالها.. فقال له النبي: ما ترى؟.. قال : أرى رجلاً أسود اللون قبيح المنظر، وسخ الثياب، نتن الرائحة، قد وليني الساعة وأخذ بكظمي، فقال له النبي (ص):
قل: يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، أقبل مني اليسير واعف عن الكثير، انك أنت الغفور الرحيم!.. فقالها الشاب فقال له: انظر ما ترى؟.. قال: أرى رجلاً أبيض اللون، حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، قد وليني وأرى الأسود قد تولى عني.. فقال له: أعد فأعاد فقال له: ما ترى؟.. قال : لست أرى الأسود وأرى الأبيض قد وليني، ثم طفى (مات) على تلك الحال ).الأمالي، ص 287.

ان الإسلام راعى المرأة حتى في حقوقها الجسدية والروحية كزوجه لها الحق في الاستمتاع الجسدي والروحي الكامل في العملية الجنسية، قال الرسول الأعظم (ص): (إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها… ثم إذا قضى حاجته قبل ان تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها). مكارم الأخلاق. ان الإسلام اهتم كثيرا في تهذيب أخلاق رجال العرب المعروفين بالقسوة والجلفة وحب الذات والانا الشخصية، لهذا نلاحظ في الحديث التالي كيف يعالج رسول الله هذه الأمور وفروي عنه (ص): (لا يقعن أحدكم على امرأته ، كما تقع البهيمة، ولكن ليكن بينكما رسول، قيل : وما الرسول يا رسول الله؟.. قال: القبلة والكلام). لآلئ الأخبار: 3/233. وكان وما يزال كثير من الرجال يأنفون من قول كلمة احبك ِ للزوجة، وذلك خوفا من تعالى الزوجة على زوجها !، وهم لا يعلمون ان الأمر عكس ما يتصورون، لهذا قال رسول الله (ص): ( قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا ). الكافي ج5، ص 568. ولا ريب ان كلمة (احبك ِ) تعمق الصلة بين الزوجين، وتقوي الروابط الأسرية، وتديم بقاءها واستمرارها، والإسلام اعتنى بتكريم المرأة وجعل ملازمة بين زيادة الإيمان وزيادة حب النساء فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): (العبد كلما ازداد للنساء حباً أزداد في الإيمان فضلا). من لا يحضره الفقيه: 3/242.

المرأة والأعراف الاجتماعية
للأسف الشديد ان تفشي الجهل بأوامر الدين الإسلامي في المجتمع العربي على الخصوص أعادنا إلى عصر الجاهلية قبل فجر الإسلام من جديد، بالتعامل مع المرأة بصورة قد تختلف عن تلك الصور من حيث التطابق في المحتوى، لكن لا ريب أنها صور تتشابه من حيث الظلم والقهر والإجحاف والتمادي في سوء معاملة المرأة وهضم حقوقها، إلى درجة تصل إلى اعتبارها حيوان ( لا يصح ذكرها إمام الرجال )، وفي اللهجة العراقية يقال(تكرم من طاريها)!، وهناك صور من الظلم في العرف الاجتماعي، منها ما يوجد عندنا في العراق عند بعض العشائر حيث أنهم لا يزوجون بناتهم إلا من أبناء العشيرة !، وفي الوقت ذاته يحق لأبن العشيرة ان يتزوج بنت من خارج العشيرة، وهذا من اشد الظلم والقسوة اتجاه بناتهم اللاتي بيقين بلا زواج طول العمر إلى الممات، وقطعا ان هذا العرف يخالف حقوق المرأة في القانون المعاصر، كما يخالف الشريعة الإسلامية، روي عن رسول الله (ص): (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه ، فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). وما أشدها من فتنة عمياء هوجاء تحرم البنت من اقترانها بالزوج الصالح، وتحرم من حقوقها في ممارسة الحياة الزوجية، و من إشباع رغباتها الجسدية مع الزوج الصالح، وحرمانها من السكن الروحي والجسدي، وحق الأمومة وتربية الأطفال وجميع هذه الأمور جزء من المرأة لا يقبل التجزيء عن ذاتها وكينونتها وما جبلة عليه فطرتها في أصل الخلقة الأولى، ولا ريب ان هذا الحرمان يشكل خطر في انحراف البنت!، والخروج عن تلك الأعراف القهرية الظالمة، لا سيما إذا كانت البنت غير ملتزمة أخلاقيا أو دينيا، لهذا من الواجب الأخلاقي والديني، نصرة تلك المظلومات بالقضاء على هذا العرف الاجتماعي المقيت، من خلال أبناء تلك العشائر، على الخصوص منهم المثقفين والواعين.

ونفس هذا الجهل، جعل اغلب الرجال يقهرون الزوجات بمعاملتهم القاسية والغليظة، وكأن الزوجة مجرد خادمة أو (ملك يمين) له ولأبنائه، وكأن عقد الزواج وهبه جارية جميلة يقضي منها وطره، وهو يجهل ان عقد الزواج هو (عقد شركة بينه وبين الزوجة)، وهذا العقد قابل للفسخ متى ما أحست الزوجة أنها تظلم من زوجها، والإسلام حث الزوج ان يعامل الزوجة بأخلاق طيبة، قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ). الروم / 21. واوجب معاملتها بالحسنى وعدم التضييق عليها جسديا ونفسيا، قال تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ). النساء / 19. وقاله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ). الطلاق / 6. ونلاحظ كم اهتم الشارع المقدس بالمرأة حتى انه لم يوجب عليها إرضاع ولدها، وجعل لها على الإرضاع أجرا من الزوج، قال تعالى ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ). البقرة / 233. فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) انه قال: (ليس للمرأة ان تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين ان أرادا الفصال قبل ذلك عن تراض.منهما فهو حسن والفصال العظام). وسائل الشيعة، ج15، ص 176.وفي الوقت ذاته حثت السنة الشريفة المرأة على إرضاع طفلها لكونه الأفضل صحيا لها ولوليدها، كما جاء عن علماء النفس قولهم : ( ان إعطاء الثدي للطفل من شأنه أن يقوّي الروابط الحقيقية ويغذي الحب النبوي، فالسعادة والفرح عنصران رئيسيان في حفظ الصحة وصيانتها ). الغذاء لا الدواء ، ص 587.

وحثت السنة الشريفة على الإحسان والمعاملة الجميلة مع الزوجة، فكان نبي الإنسانية محمد (ص)، أول من أسس لحسن معاملة المرأة، فقد جاء في الروايات عن رسول الله (ص) أنه قال: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). وجاء في الروايات أن النساء في عهد النبي كُن قد وجدن فيه لأنفسهن نصيراً مشفقاً وملجأً حتى أنهن كُن يشكين إليه أدنى اعتداء يصلهن من أزواجهن وكان أزواجهن يحذرون أن يبدر منهم إليهن ما يشكينه إلى النبي. وجاء في الروايات عن الرسول (ص) أنه قال: ( خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ). وجاء عنه أيضاً: ( ليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة ).

وحث الإسلام الرجل المسلم على إدخال السرور والتوسعة على زوجته وأبنائه في روايات منها، قال رسول الله (ص) : (الخلق عيال الله ، فأحب الخلق إلى الله تعالى من نفع عيال الله ، وأدخل على أهل بيته سرورا ، ومشى مع أخ مسلم في حاجة ، أحب إلى الله تعالى من اعتكاف شهرين في المسجد الحرام ). النوادر11.

وعن الإمام علي بن الحسين (ع) : ( ألا إن أحبكم إلى الله عز وجل أحسنكم عملا ، وإن أعظمكم عند الله حظا أعظمكم فيما عند الله رغبة ، وإن أنجى الناس من عذاب الله أشدهم لله خشية ، وإن أقربكم من الله عز وجل أوسعكم خلقا ، وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله ، وأن أكرمكم عند الله أتقاكم ). من لا يحضره الفقيه 4/293.

وشدد الإسلام وحذر من سوء عاقبة معاملة الزوج السيئة إلى زوجته، في روايات كثيرة نذكر منها، قال رسول الله (ص) : ( من أضر بامرأة حتى تفتدي منه نفسها ، لم يرض الله تعالى له بعقوبة دون النار، لأن الله يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم ). عقاب الأعمال ص 285.
وفي حديث أخر قال رسول الله (ص) : ( ألا وإن الله ورسوله بريئان من مختلعات بغير حق ، ألا وأن الله عز وجل ورسوله بريئان ممن أضر بامرأة حتى تختلع منه ). عقاب الأعمال ص 286.

وشدد الإسلام على الزوج المتزوج بأكثر من واحدة، على وجوب العدل والقسمة العادلة في نفسه وماله، وإلا كان مصيره اسود، قال رسول الله (ص) : ( من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما القسمة من نفسه وماله ، جاء يوم القيامة مغلولا مائلا شفته حتى يدخل النار ). عقاب الأعمال ص 283.

كما حث الإسلام الرجل على الصبر والعفو عن المرأة المسيئة، والتجاوز عن إساءتها من كرم الأخلاق لا من ضعف شخصية الرجل كما يضن بعض الرجال، قال رسول الله (ص) : ( من صبر على سوء خلق امرأة واحتسبه ، أعطاه الله تعالى بكل مرة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب (ع) على بلائه ، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج ، فإن ماتت قبل أن بعينه وقبل أن يرضى عنها ، حشرت يوم القيامة منكوسة مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ومن كانت له امرأة لم توافقه ولم تصبر على ما رزقه الله تعالى وشقت عليه ، وحملته ما لم يقدر عليه ، لم يقبل الله منها حسنة تتقي بها حر النار، وغضب الله عليها ما دامت كذلك . عقاب الأعمال ص 287.
وقال رسول الله (ص) : ( ألا ومن صبر على خلق امرأة سيئة الخلق ، وحتسب في ذلك الأجر، أعطاه الله ثواب الشاكرين ). من لا يحضره الفقيه ص 4/9.

ويقول أحد الرواة : ان الإمام جعفر الصادق (ع) كانت عنده امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها. مكارم الأخلاق، ص : 214.
وهكذا هم عظماء التاريخ ومؤسسين علم الأخلاق الفاضلة، وفي الرواية التالية قصة وعبرة مفيدة للرجال، فقد ورد عن الرسول الأعظم (ص) : (انه لا يفلت من ضغطة القبر وعذاب الآخرة)، كما حدث مع الصحابي الجليل سعد بن معاذ في زمن الرسول (ص) مع ان الرسول شيعه ودخل في قبره واليك نص الحادثة:روى الصدوق وغيره عن الصادق (ع) قال: ( أوتي رسول الله (ص) فقيل له: ان سعد بن معاذ قد مات فقام رسول الله (ص) وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب، فلما ان حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله (ص) بلا حذاء ورداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة، حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله (ص) حتى ألحده وسوى اللبن عليه وجعل يقول ناولوني حجرا، ناولوني تراباً رطبا، يسد به ما بين اللبن، فلما ان فرغ وحثى التراب عليه وسوى قبره، قال رسول الله (ص): اني لأعلم انه سيبلى ويصل البلاء اليه ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه، فلما ان سوى التراب عليه قالت ام سعد: يا سعد هنيئا لك الجنة، فقال رسول الله: يا أم سعد مه!.. لا تجزمي على ربك، فان سعدا قد أصابته ضمة – أي ضغطة القبر – قال : فرجع رسول الله ورجع الناس فقالوا له: يا رسول الله لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، انك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء، فقال (ص) : ان الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء فتأسيت بها، قالوا : وكنت تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير أخرى، قال (ص): كانت يدي في يد جبرائيل آخذ حيث يأخذ، قالوا: أمرت بغسله وصليت على جنازته ولحدته في قبره، ثم قلت: ان سعداً قد أصابته ضمة، قال: فقال (ص): نعم، انه كان في خلقه مع أهله سوء ). حق اليقين في معرفة أصول الدين، ج2، ص 81.

وقد تعرض الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق إلى حق الزوجة على زوجها، قائلا: (وأما حق الزوجة: فان تعلم ان الله عز وجل، جعلها لك سكنا وإنسا، فتعلم ان ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها، وان كان حقك عليها أوجب فان عليك ان ترحمها لأنها أسيرك وتطعمها وتسقيها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها). مكارم الأخلاق، ص 420-421.

وعلى الزوج أن يراعي مشاعر زوجته وأحاسيسها دوما دون ملل أو ضجر، وان يقلل من الضغوط عليها في ما تبذله من جهود لم تكن مألوفة لديها قبل الزواج، وليعلم أنها بحاجة ماسة إلى مساعدته، وعليه ان لا يستنكف من المساعدة لها ولعياله، فان خدمة العيال في البيت خير من العبادة الطويلة، واقل المساعدة هي (الكلمة الطيبة)، التي لها الأثر الحسن في نفس الزوجة المتعبة، وفي الرواية التالية معاني جليلة واثأر عظيمة تدل على ان الخير كل الخير في الإسلام ورسالته السمحة، ورغم طولها سوف اذكرها، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: (دخل علينا رسول الله (ص) وفاطمة (عليها السلام) جالسة عند القدر، وأنا أنقي العدس، فقال:
يا علي!.. اسمع مني، وما أقول إلا عن أمر ربي، ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه من الثواب مثل ما أعطى الصابرين وداود ويعقوب وعيسى.
يا علي!.. من كان في خدمة العيال، ولم يأنف كتب اسمه في ديوان الشهداء، وكتب له بكل يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة، وأعطاه الله بكل عرق في جسده مدينة.
يا علي!.. ساعة في خدمة العيال في البيت، خير له من عبادة ألف سنة وألف حجة وألف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة وألف غزوة وألف مريض عاده وألف جنازة وألف جائع يشبعهم وألف عار يكسوهم، وألف فرس يوجهه في سبيل الله، وخير له من ألف دينار يتصدق بها على المساكين، وخير من ان يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وخير له من ألف بدنة يعطي المساكين ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه في الجنة.
يا علي!.. من لم يأنف من خدمة العيال، دخل الجنة بغير حساب.
يا علي!.. خدمة العيال كفارة الكبائر، وتطفئ غضب الرب.

فليعلم الرجال ان النساء نعمة كبرى من نعم الله تعالى عليهم، ولينظر الرجل إلى نفسه نظرة الفيلسوف المحقق، فهل يرى لكيانه ووجوده، إي اثر يذكر لولا هذا المخلوق المؤنس واللطيف (المرأة)، وان كان الرجل أصل النبتة، فالمرأة هي الأرض الحاضنة لتلك النبتة، وهي الراعية لها في العوالم الثلاثة المظلمة، وهي المطلقة لتلك الثمرة من أصل النبتة لهذا الوجود الرحب بألم وعسرة تصل إلى حد الموت، وإخراج الروح من البدن، وجزاء هذه النعمة العظمى، في معرفة وجلالة قدرها وشأنها العظيم، فهي الروح ووالدة الروح، وهي الأرض والسكن للجسد والروح معا، وهي الريحانة العطرة، التي يفوح عطرها ليملأ الأرض والفضاء الرحب، (فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة)، واختم الحديث وأقول : ان المرأة زهرة رائعة الجمال في بستان الرجل، واستمرار جمالها المتألق، وحسن روعتها، برعايتها وحسن الاعتناء بها .