::
::
تلك الأمور التي نعتادها لَا نرى فيها جمالها البرّاق !
إنّ السّيارة التي تتمنّاها طيلة سنين عملك وتنظر إليها دوماً متمنياً أن تكون لك
وتتوعّد بأنها لو وقعت بين يديك ستغسلها كل يوم مرتين وتقودها بهدوء حتى لا تتضرر و و و ،
ستَفرحُ بها جدّاً حين تشتريها وتتلهّف لتخرج لتقودها وتفعل ما توعّدت به في أول يومين ثلاثة قل أربعة !
وسيمر الزمن .. وتظل تراها جميلة لأنها حلمك المتحقق ،
لكنّه جمال اعتيادي!
ليس كما رأيتها للمرة الأولى وستعتني بها لكن ليس بتلك المبالغة ، اعتناءٌ عاديّ .
وكذلك لباس معين أنت تحبه أو بيت ذو إطلالة جذّابة
أو أثاث تعشق ألوانه ستعتادها جميعاً بمرور الوقت !
إنها الدّهشة التي نفقدها بالتكرار ..
وذلك يمتد لكل شيء لأنها الطبيعة التي فُطر الإنسان عليها وهي النسيان والاعتياد !
لكنّك حين تُريد أن تُعدّد مواطن الجمال أو تذكر أجمل ما فيها أو في أي شيءٍ قد اعتدت وجوده وجماله ،
ستسترجع ذلك الشعور الأول وإن كان منقوصاً !
فـ حتى كلام رب العزة ، جلّ عن مشابهة خلقه ،
حين تقرأه مرّات عديدة فإن تلك الآيات التي تجذبك للمرة الأولى يقل جاذبيتها لك للمرة العاشرة ،
وبعدها تبدأ بقراءتها دون تفكير حين تحفظها !
وهذا ما يحدث معي كثيراً ، خاصة تلك السّور التي لها مناسباتها الخاصة التي نقرؤها باستمرار
كـ المعوّذات يوميّاً وآية الكرسي بعد كل صلاة وسورة الكهف يوم الجمعة وغيرها ..
لكني اليوم قرأت سورة الكهف كأنّي لأول مرة أقرؤها ،
فتلك الآيات التي تجذبني بشكل عادي أذهلتني ،
قرأت كلمات وقرت في عقلي كأنها أُنزلت بالوحي للتو ،
نطق قلبي بالحمد مع بدايتها ، وذكرت اسم الله حين نسيت ،
عشت مع رحمة الله في "وربك الغفور ذو الرحمة " ،
تمشيت مع سيدنا موسى والرجل الصالح ، وتجوّلت في المدينة عند الجدار وفي السفينة !
كله كان بعد أن قررت أن أقرأ السورة لأختار أي الآيات أكثر تأثيراً ،
أيها الأجمل ، أيها لها الانطباع الخاص في نفسي في هذا اليوم وفي هذا الوضع وأدوّنها..
اقرأ كتاب الله كأنه لوحة فنية رُسمِت لَك وأنت تبحث فيها عن ذلك الجزء الذي تجده فيك
وفي كل مرة تكرر هذه الآيات تذكّر بأن اللوحة رُسِمت وأنت يجب أن تنظر إليها بشكل آخر حتى لا تعتادها ،
فهذا القرآن قد أُنزل لك ! فلا تقرأه على أنه لغيرك واختر ذلك الجزء الأبهى بعينك وقد كان كلّه يفيض جمالاً وحكمة :)
من ذائقتي لسماء ذائقتكم