32 عامًا على اغتيال إسرائيل لحُلم العراق النووي

6/7/2013 1:54:00 PM
تقرير- محمد شعبان:مصراوي
مر 32عامًا على ضرب إسرائيل لمفاعل ''تموز'' النووي العراقي، وبالتحديد الأحد الموافق 7-6-1981، أجهز الكيان الصهيوني على حُلم امتلاك بلاد الرافدين للقوى النووية، لتحقيق نوعٍ من توازن القوى بالمنطقة، 32 عامًا ولم يتغير الحال.. فمازالت الأراضي العربية مسرحًا مباحًا للعمليات الإسرائيلية، فتنتهك الأعراض، وتستباح الدماء العربية الزكية، دون تحرك قويٍ من قادة العرب في ظل انشغالهم بـ''لعبة الكراسي''.
إسرائيل تتباهى بجريمة دولية
قال افيخاي أدرعي، المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي، إن في مثل هذا اليوم قبل 32 سنة أي في السابع من يونيو 1981، دمرت 8 مقاتلات من طراز F-16 إسرائلية مفاعل ''تموز'' النووي العراقي في ضربة جوية سريعة وقوية استمرت 15 ثانية فقط، فعندما تسترجع الذكريات والإنجاز التاريخي الكبير فنحيي أبطال سلاح الجو آنذاك واليوم حماة الوطن وذراعها الطويل.. شكرًا لكم!
العراق.. وحُلم الكبار
كان العراق في السبعينات فتيًا طامحًا، وكان يحسب الزمن ليصل مصاف الدول المتقدمة، وكان من حقه كأي بلد من بلدان المعمورة أن يسعى إلى بلوغ مراتب في التقدم العلمي، ومن ضمن هذه الطموحات كان بناء مفاعل نووي للأغراض السلمية ، والتفت العراقيون إلى فرنسا للحصول على التقنيات الغربية المتقدمة والمتطورة في مجال التسليح النووي، وفي يونيو 1960 تم التوقيع على بروتوكول نهائي لبناء مفاعل نووي تجريبي صغير للأغراض السلمية بطاقة 2 (ميجاوات) في التويثة، بين العراق والاتحاد السوفييتي وبالفعل سلمت موسكو بغداد اليورانيوم 235 المخصب بنسبة عالية، وبادرت إلى تأهيل وتدريب وتعليم خبراء عراقيين لإدارته.
وجاءت زيارة جاك شيراك إلى بغداد في كانون الأول (ديسمبر) عام 1975 عندما كان رئيسًا للوزراء لتكلل التعاون الفرنسي العراقي في صورة مفاعل يعمل بالماء المخفف واليورانيوم المخصب بنسبة 93% وتُوجت الاتفاقات بعد الزيارة الناجحة التي قام بها صدام حسين إلى فرنسا، لتكتمل الصورة ويتكامل عمل لجنة الطاقة الذرية التي كان يرأسها صدام حسين بنفسه.
وأكد برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام حسين، أثناء مقابلته للدكتور حسين الشهرستاني في زنزانته هدف صدام مبلورًا رغبته الأكيدة في برنامج نووي متكامل لأغراض عسكرية حيث طلب التكريتي من الدكتور الشهرستاني الخروج من السجن للعودة إلى لجنة الطاقة الذرية والمساهمة في صنع القنبلة الذرية العراقية.
إسرائيل وكعادتها ''الغدر''
لم يكن صباح ذلك اليوم مختلفًا عن بقية الأيام في العراق، حيث لم يصدم العراقيون بسماع أزيز الطائرات وأصوات الانفجارات التي اعتادوا عليها منذ ثمانية أشهر طوال قضوها في حرب مع إيران، حاول خلالها صدام حسين إقناع العراقيين والعرب بأنها حرب قومية واجبة باعتبارها حربًا بين العراق والفرس، وأن العراق بتصديه لإيران يقوم بالدور القومي لحماية (البوابة الشرقية) للوطن العربي من الغزو (الفارسي المجوسي)، ولكن المفاجأة التي صدمت العراقيين بحق هي أن أصوات القصف لم يكن مصدرها الطائرات الإيرانية بل إنها كانت طائرات صهيونية محملة بقنابل ذات أنواع مختلفة.
والمفاجأة الأكبر كانت في معرفتهم أن الطائرات الإسرائيلية دمرت المفاعل النووي العراقي ''حلم العراق في توازن القوى مع إسرائيل''، إن ما حذر منه البروفسور اليهودي إسرائيل ''شاحاك'' في كتابه (أسرار مكشوفة.. سياسات الكيان الصهيوني النووية والخارجية) قد تجسد واقعًا مؤلمًا، فقد قال في الصفحة 56 من الكتاب: (أشعر بأن من الواجب تذكير القراء من غير الصهاينة أنه في حين أن الاستراتيجيات الإسرائيلية إقليمية في توجهها فإن اهتمامها بالفلسطينيين ثانوي.. فالحقيقة أن قمع الفلسطينيين لا يهم، لأن هم الاستراتيجية الإسرائيلية في نهاية الأمر هو فرض سيطرتها على كامل الشرق الأوسط من خلال انفرادها بسياستها النووية).
واستغلت إسرائيل للهيمنة وتطبيق سياستها التي ذكرها البروفسور اليهودي الحرب العراقية الإيرانية ونقاط ضعف خطيرة في حماية المفاعل العراقي واستثمرت المعلومات والصور التي تلقتها من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، وهي الوكالة التي تختص بالعمل على تحقيق السياسة الأمريكية في اعتباراتها القائمة على أن إسرائيل هي الحليف الأوثق للولايات المتحدة، حيث ثبت قيامها بتزويد إسرائيل بصور المفاعل ومعلومات تحدد موقعه عن طريق رصده بالأقمار الصناعية وكان لهذه المعلومات الدور الكبير في نجاح الغارات الإسرائيلية.
وأجهزت إسرائيل على المفاعل النووي العراقي ''تموز'' في ضربة جوية سريعة وقوية استمرت 15 ثانية فقط، وذلك على مسمع ومرأى دول العالم المختلفة، ولم يكتف الصهاينة بذلك، بل قاموا بتصفية العلماء العراقيين الذين عملوا فيه وعلى فترات زمنية واسعة، كلما تتوفر الفرصة لهم.
تضارب في الأقوال
ما أكثر ما قيل بعد تدمير مفاعل تموز أو ''أوزيراك''، فقد أكدت بعض المصادر أن المفاعل لم يتفجر بعد ضرب الطائرات الإسرائيلية؛ لأنه موجود تحت الأرض ومحمي بسقوف وجدران خرسانية شديدة القوة، ويقع في عمق دولة في حالة حرب وكل قطعاتها العسكرية في حالة قصوى من التأهب والاستنفار، وهذه الرواية أسعدت الإسرائيليين والأمريكان على حد سواء لأنهما يعتبران ذلك مبررًا قويا للعدوان على العراق في أي وقت يحددانه.
ونشرت جريدة التايمز الأمريكية في عددها الصادر 19/1/1991 خبرًا يقول: (الخبراء الإسرائيليون يؤكدون استحالة ضرب المفاعل الذري العراقي لأن معظم المشروع تحت الأرض ولتدميره من قبل القوات الجوية يجب استخدام قنابل ذات نوع خاص, وحتى هذه لا يمكنها أن توقف المفاعل..).
إنجلاء الحقيقة
أفرجت بريطانيا في عام 2012 عن بعض وثائقها السرية التي مر عليها ثلاثون عاما، ففي نهاية كل عام في شهر ديسمبر (كانون الأول) تزيل الحكومة البريطانية قيود السرية المفروضة على نقاشات رئاسة الوزراء ومحاضر جلساتها ومراسلات سفاراتها مع جهازها الإداري في وزارة الخارجية ولقاءات وزرائها مع نظرائهم في الدول الأخرى وطواقم مباحثاتها الدولية ومفاوضاتها في أمور الساعة والقضايا الدولية.
بعض الملفات تبقى بالطبع قيد السرية لمدة أطول من ذلك، كما أن بعض الوثائق قد تحتوي على أسماء أشخاص مازالوا في مواقع حكومية رسمية وقد يتعرض أصحابها للإحراج أو الأذى الشخصي، فتجد أن بعض الأسماء حذفت عمدا من الوثيقة.
الوثائق التي تم الافراج عنها والتي نشرت منها صحيفة الشرق الاوسط وقتها حلقات يومية، تناولت بعض القضايا العربية المهمة ومنها ضرب مفاعل تموز العراقي في7 حزيران 1981، حيث إن الوثائق البريطانية التي أزيح عنها ستار السرية تلقي بعض الأضواء حول هذا الحدث الذي كانت من الأحداث الكبرى في الشرق الأوسط، ويمكن الإشارة هنا إلى أربع ملاحظات تم استقاؤها من هذه الوثائق، وتحديدا فيما يتعلق بالملف النووي العراقي:
أولاً: بعض الوثائق بهذا الخصوص تبين كيف أن إسرائيل كانت تتعامل من دون تنسيق مع حلفائها الغربيين، خصوصًا الولايات المتحدة، وجاء هذا في برقية من سفارة بريطانيا في واشنطن، والتي تبين أن وزير الدفاع الأميركي كاسبر واينبرغر آنذاك كان غاضبًا وهاجم مناحم بيغن (رئيس وزراء الكيان الصهيوني وقتها، عندما سمع الخبر قائلاً إن ''بيغن قد فقد صوابه''.
هذا إلى جانب احتمال إعطاء إسرائيل معلومات إلى حليفاتها الغربيات قبل تنفيذ الهجوم، ومنها تنبيه فرنسا وايطاليا باخراج طواقمهم الفنية من المنشآت النووية العراقية المستهدفة، حيث تم ابعادهم قبل لحظات من تنفيذ الغارات الجوية الإسرائيلية.
وتلقي وثيقة أرسلت من السفارة البريطانية في العاصمة الأردنية عمان الضوء على ذلك، وتقول البرقية المؤرخة في الـ 10من يونيو1981، أي بعد ثلاثة أيام من الهجوم الإسرائيلي، إن الدبلوماسي في السفارة الفرنسية الذي ودع الطاقم الفني الفرنسيلدى مغادرته بغداد، أبدى بعض الملاحظات ''في نقاشه معنا'' حول الهجوم الجوي الإسرائيلي على المنشآت النووية العراقية قائلاً: أولا،إنه من العادة أن يعمل الطاقم في المنشآت العراقية في التويثة أيام الأحد، كون العطلة الرسمية بالنسبة لهم هي يوم الجمعة من كل أسبوع (حسب المعمول به في البلدان الإسلامية) كون في ذلك اليوم غادر الفنيون الفرنسيون المكان بشكل غير متوقع، واستقلوا، وعلى غير العادة، الحافلات للرجوع إلى أماكن سكنهم بدلا من المشي وهذا ما كانوا يقومون به دائما.
ويقول إن هذا القرار بمغادرة المكان فورا وبسرعة كان السبب وراء النجاة بحياتهم، لأن الطائرات الإسرائيلية ظهرت بعد دقائق من مغادرة الفريق الفرنسي.
ثانيا: مبادرة إسرائيل إلى قصف المنشآت النووية العراقية جاءت رغم علمها المسبق بعدم وصول تلك المنشآت إلى مرحلة إنتاج اليورانيوم المخصب، وتنقل بعض الوثائق عن دبلوماسي فرنسي قوله، إن المنشآت العراقية غير قادرة على إنتاج مواد انشطارية نووية قبل فترة لاتقل عن 5 إلى 7 سنوات، وحتى في تلك الفترة سيكون من الصعب عليها إنتاج أسلحة نووية من دون تقنيات إضافية والتي ما زالت المنشآت تفتقد إليها.
وفي برقية أرسلت من مكتب البعثة البريطانية في فيينا إلى قسم الطاقة في وزارة الخارجية البريطانية، تقول بأن ديفيد فيشر من الوكالة الدولية قد قدم إجابات واضحة لجميع الأسئلة التي طرحت حول البرنامج النووي العراقي. الوثيقة مستقاة من وثيقة أخرى للوكالة الذرية والتي سربها فيشر بإيعاز من مدير الوكالة لبعض البعثات الدولية في فيينا.
وتقول البرقية الموجهة إلى قسم الطاقة بوزارة الخارجية إن الوثيقة تقدم إجابات مقنعة لجميع الأسئلة والانتقادات الموجهة للوكالة بخصوص العراق، وتضيف الوثيقة للأسف فإن الوثيقة لم تنشرعلنا، لكنها مازالت قيمة ومهمة لمن يريد أن يطلع عليها في وزارة الخارجية.
ثالثا، أن إسرائيل هي مصدر المعلومات المفبركة والتي استندت عليها في تبرير قصفها للمفاعل النووي العراقي.
فبالنسبة لاتهام البرازيل بتزويدها اليورانيوم للعراق فتبين بعض الوثائق أن التقارير الصحافية التي نشرت في البرازيل حول الموضوع كان مصدرها جهاز المخابرات الإسرائيلية الموساد، وتقول، وثيقة أرسلت من السفارة البريطانية في تل أبيب إلى مكتب الشرق الأوسط في وزارة الخارجية ومؤرخة في 24 يونيو 1981، بأن السفير البرازيلي قد تم استدعاؤه من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية لمناقشة الادعاءات البرازيلية بأن الموساد كان وراء المعلومات التي نشرتها الصحافة البرازيلية حول بيع اليورانيوم للعراق. وكان السفير البرازيلي قد عاد لتوه إلى تل أبيب بعد فترة غياب (لاتعرف أسبابها) دامت ثلاثة شهور.
وتقول البرقية إن السفير ماريز قد صرح للصحافة بأن لاتقرأ الكثير حول غيابه المستقبلي، وأنه لايفضل أن يفسرغيابه بأنه احتجاج على عمله في السفارة، وتضيف أن السفير ماريز قد سئم العمل في المكان، ويرى أن سياسات رئيس وزراء الكيان الصهيوني مناحم بيغن صعب هضمها وأنه لايشعر بالسعادة في عمله هنا، وسوف يحاول استخدام الحادث كوسيلة للبحث عن سفارة أخرى في مكان آخر، وأن يترك السفارة في تل أبيب لنائبه.
وتضيف البرقية كذلك أن وزير الخارجية الإسرائيلي قد نفى نفيا قاطعا بأن تكون أي وكالة إسرائيلية أو أي مسؤول رسمي إسرائيلي وراء الاتهامات بأن البرازيل باعت اليورانيوم للعراق، لكن البرقية تؤكد أن قصة بيع اليورانيوم كانت إسرائيل بالتأكيد وراءها، كجزء من سلسلة من الاختلاقات وتلفيق الحقائق التي قامت بها إسرائيل في محاولتها تبرير هجومها على المنشآت العراقية.
يبقى الحال كما هو عليه
ولكن كما هي العادة في مثل تلك الأحداث، لا تظهر إدانة متميزة من المجتمع الدولي؛ لأن الصهاينة المساكين يدافعون عن أنفسهم وسط العرب المتوحشين الذين يريدون شرا ً بهم !، وهكذا هو الحال عندما يقتلون الفلسطينين ويدمرون مزارعهم ويهجرونهم ويجلسون مكانهم في مستوطنات سرطانية، فإن الفلسطينيين إرهابيين يستحقون القتل والموت بأحدث ما تنتجه المصانع الأمريكية والغربية من أسلحة، وأن الإسرائيليين حملان وديعة تدافع عن النفس.
وكان قادة العرب جل همهم هو الحفاظ على كراسيهم وقتها، وعندما يجتمعون في قمم كارتونية، كانوا يعمقون خلافاتهم الشخصية ولكنها كانت تؤثر في الوحدة العربية والإسلامية، وتطلعات شعوبهم وتعمق الفرقة.