العريس يهرب من البيت
العريس مجبرٌ على إثبات رجولته بطقوس غريبة
العريس يهرب من البيت لشهر في أرياف تلمسان
عروس تلمسانية تفتيت حبة بصلة وبيضة تحت القدم اليمنى للعريس وركله دلو ماء لإثبات رجولته
العريس يتجنب ملاقاة أبيه في الشوارع وحتى في المسجد
رغم ما أحدثته "النكهة" العصرية من تغيرات في الأعراس التلمسانية على غرار باقي أعراس الجزائر العميقة، إلا أن ذلك لم يضع حدا نهائيا لبعض العادات والتقاليد التي لا يمكن إلا أن نصنفها في خانة الغريب والمثير، خاصة بالريف التلمساني ولدى العديد من العائلات التلمسانية في كبرى حواضر المدينة، حيث لا يزال "اختفاء" العريس لمدة شهر كامل حاضرا في بعض الأعراس، كما أن عديد الأمهات لا يزلن متمسِّكات ببعض الطقوس الغريبة والتي غالبا ما يجد العريس نفسه، دون العروس، مجبرا على تنفيذها وأمام مرأى المدعوين للزفاف فتتحول بذلك الفرحة إلى "فرجة".
غالبا ما تخرج العروس من دائرة الفرجة، ومن تلك الأعباء التي تفرضها الطقوس المتوارثة لدى بعض العائلات خاصة بالريف التلمساني وإن كان انتشارُها قد تقلصت مساحته وأصبحت مختصرة في جهات معنية دون غيرها من الجهات الأخرى بحكم متغيرات الزمن والتحولات الحاصلة، إلا أن ذلك لم يأتِ على جميع الطقوس الغريبة التي تشكل إحدى أهم العادات المثيرة للاستغراب والتي يضطر العريس للقيام بها مُكرهاً؛ إذ عليه أن يُثبت حياءَه أو كما هو متعارفٌ عليه في الأوساط الشعبية "الحشمة" وقد يضطر إلى الغياب والاختفاء عن الأنظار لمدة شهر كامل عن رؤية والده دون باقي أفراد العائلة.
ويبدأ هذا "الاختفاء" أو "الهروب" من البيت، أسبوعاً قبل موعد الزفاف متنقلا من منزل إلى منزل متحاشيا المشي أو السير في الطرقات التي يستعملها والدُه، أو حتى تلك الأماكن التي يرتادها أبوه، حتى وإن كان الأمر يتعلق بمسجد فعليه أن يختار مسجدا أخر لأداء فريضة الصلاة مثلا.
هذه "الهجرة" المؤقتة التي تجعله ينتسب إلى فئة "أشخاص بدون مأوى" تصبح إلزامية بأمر العادة المتوارثة قبل الزفاف وإجبارية بعد موعد ليلة العرس، إلى أن ينقضي الشهر وتزول "الحشمة" تدريجيا، هذه الحشمة التي لا تجد لها أي مكان عند والدة العريس في إحدى أغرب العادات التي يطالب "مولاي السلطان" بممارستها وتنفيذ جميع مراحلها خاصة ليلة الدخلة، التي تبقى تحتفظ لنفسها بذروة الفرجة لما يتخلل ساعاتها من طقوس مثيرة تعلن ليس على دخول عش الزوجية وإنما عن بداية الصراع ما بين الكنة والعروسة، فهي بمثابة إعلان ضمني عن بداية ذلك الصراع الأزلي في محاولة من أم العريس السيطرة وإثبات سلطتها الدائمة على ابنها ومن أجل تجسيد ذلك ميدانيا فعلى العريس الاستسلام للأمر الواقع بدون أي معارضة ملتزما بـ"السمع والطاعة" على الأقل في ليلة الدخلة، أو بعدما يسلمه أصدقاؤه وأحبابه واضعين إياها تحت رحمة تلك الطقوس التي تبدأ عند عتبة المنزل العائلي، حيث تقوم والدته برفع رجلها وتثبيت قدمها على أحد عمودي الباب، وعلى العريس المرور من تحت رجلها، ليس لأن الجنة تحت أقدام الأمهات وإنما لحاجة في نفس يعقوب لا تعلمها إلا "أم العريس" وأغلب الظن حسب ما هو متداول، فإن السبب من وراء هذه الطريقة يكمن في مدى إثبات العريس طاعته لوالدته.
وبعد هذا الفعل التحصيني من أي محاولة "ردّة" مستقبلية، يجد العريس نفسه مجبرا على تفتيت حبة "بصلة" تحت قدمه ثم فقس حبة "بيض" ودائما باستعمال قدمه اليمنى وبعد ذلك "ركْل" دلو مملوء بالماء بكل ما يملك بقوة إلى أن يتبلل بالماء، وسبب القيام بذلك من أجل إزالة "الخلعة" أولا وثانيا من أجل إثبات "رجولته" ومدى قوته، حيث يكون هذا المشهد الفرجوي قبل دخوله على زوجته، فيما تبقى حادثة تفتيت البصلة وفقس حبة البيض مستعصية على الفهم وإن كانت تشكل إحدى أهم الثوابت الأساسية في هذه الطقوس الغريبة التي لا تزال متداولة لدى بعض العائلات التلمسانية وإن كانت الأغلبية من هذه العائلات قد أعلنت "توبتها" منذ بضع سنوات لا أكثر بعد دخول قاعات الحفلات على الخط وتفضيلها تنظيم مراسيم حفل الزفاف في هذه القاعات بدل منازلها العائلية محافظة بذلك فقط على ما هو جميل وممتع مثل "الحصان" و"الزغاريد" و"الشدة التلمسانية" وغيرها من العادات الأخرى التي تتميز بها أعراس عاصمة الزيانيين دون غيرها من أعراس المدن الجزائرية أخرى واضعة بذلك حد لكل ما هو "غريب" أو بعبارة أخرى لكل ما هو "شاذ".