05.June. 2013
بعيداً عن توظيف التعددية المذهبية لمصالح خاصة
زيارة الكاظمية توحّد سنة وشيعة العراق وتفضح حقيقة التناحر السياسي
شيعة عراقيون يقصدون مرقد الامام موسى الكاظم في منطقة الكاظمية في بغداد
ايلاف
قام احمد الجنابي في منطقة اليوسفية (25 كم جنوب غرب بغداد) بنصب سرادق لاستقبال الزوار الراجلين الذين يقصدون زيارة مرقد الامام الكاظم في منطقة الكاظمية في بغداد في ذكرى وفاته التي وصلت ذروتها اليوم الاربعاء.
والجنابي الذي ينتمي الى الطائفة السنية، يرى أن ما يقوم به ليس واجبًا دينيًا فحسب، بل واجب وطني في ظروف حساسة يمر بها العراق بسبب اللغط الكبير حول فتنة طائفية تعصف بالبلاد.
ويقول الجنابي: هذه المنطقة التي شهدت الكثير من اعمال القتل والتفجيرات على الهوية، كان اهلها على الدوام يعيشون أخوة لا تعرف فيها السني من الشيعي، مؤكدًا أنها بعد عام 2003، اصبحت بؤرة لجماعات مسلحة سيطرت على الاهالي ودفعتهم الى التحشيد الطائفي عنوة.
ويقدّم الجنابي أنواع المأكولات والمشروبات للزائرين واغلبهم يأتون من المناطق الوسطى والجنوبية، كما يأوي المرضى والنساء في بيته حيث يتلقون الراحة ثم يغادرون في اليوم التالي . ويشترك في موكب الجنابي افراد من عشيرته يمولون السرادق ويديرون أعماله.
ويؤشر الجنابي على طول الطريق الممتد من المحمودية (15 كلم جنوب بغداد) باتجاه بغداد قائلاً إن هذه المنطقة سكانها خليط عشائري من السنة والشيعة في انسجام دائم منذ القدم.
ويتابع: دخلت جماعات مسلحة كثيرة الى هذه المنطقة محاولة تسخير الخليط المذهبي فيها لصالح فعالياتها المسلحة.
وموسى بن جعفر الكاظم سابع أئمة الشيعة الإثني عشرية وأحد العلماء المشهود بفضلهم عند السنة ولقبه الكاظم والعبد الصالح. وتوفي في 25 رجب سنة 183هـ ودفن في مقبرة قريش المعروفة اليوم بالكاظمية.
ويقول الشيخ عمران الذي يحضر السرادق، حيث جلس نحو عشرين من الزوار للراحة وتناول الفاكهة وشرب الماء، ان الجماعات المسلحة التي يلقى القبض عليها لا ترتبط بمذهب معين، على الرغم من أن البعض يحاول ربطها بطائفة معينة.
وطوال الطريق الواصل الى بغداد يمكن احصاء نحو ثلاث الى اربعة اماكن استراحة للزوار في كل كيلومتر واحد.
هجمات رغم الاجراءات الامنية المشددة
ويحيي العراقيون كل عام ذكرى وفاة موسى بن جعفر وسط اجراءات امنية مشددة لكنها لم تصد كل الهجمات المسلحة على الزوار اثناء طريق ذهابهم وعودتهم.
ويشيد الزائر سعد حسين بأهالي المنطقة مؤكداً أن كثيرين حذروه من أن هذه المنطقة خطرة بسبب الاستهداف الطائفي للزوار . وتابع : ربما يحدث ذلك لكنه بفعل جماعات متطرفة تسعى الى الفتنة ، لكنه اختار مكان استراحته في سرادقين يعودان لأناس من اهالي السنة.
وقال : العراقيون لا يستهدفون بعضهم لكن الاجندة السياسية والأحزاب المستفيدة من التناحر الطائفي هي التي تفعل ذلك.
وتنتشر القوات الامنية بكثافة في المناطق التي تعتبر ساخنة من وجهة نظر امنية، بحسب ضابط المفرزة الامنية عادل حسين، حيث يقول إن احتمال الخطر في هذه الاماكن اكثر من غيرها بسبب وجود أنشطة للقاعدة وجماعات مسلحة في هذه المناطق.
لكن الزائر كريم الخفاجي الذي قطع نحو مائة كيلومتر، حيث قدم من منطقة المحاويل ( 70 كلم جنوب بغداد) في بابل (100 كم جنوب بغداد) ، يعترف أن الخوف انتابه كلما اقترب من بغداد بسبب التفجيرات والأوضاع الامنية غير المستقرة.
وأضاف: زاد اطمئناني حين وجدت في منطقة الحصوة جنوب بغداد، أناساً ليسوا من الطائفة الشيعية يؤوون الزوار ويساعدونهم ويقدمون لهم العلاج الطبي والطعام.
وقال: القوات الامنية تنتشر في المكان لكن من دون تعاون الاهالي فإن هذه القوات لا تستطيع عمل شيء.
وفي العام الماضي انفجرت عبوة ناسفة في سيارة مركونة جنوب اللطيفية ( 35كم جنوب بغداد ) أدت الى مقتل عدد من الزوار . كما القي القبض على افراد مجموعة مسلحة تقول السلطات إنها كانت تستهدف زوار الامام الكاظم.
الاعظمية السنية تشارك
وفي مدينة الاعظمية في بغداد ذات الاغلبية السنية، المقابلة لمنطقة الكاظمية الشيعية عبر نهر دجلة نصبت سرادقات العزاء في كل مكان.
وتقول الحاجة ام توفيق إنها قدمت مشيًا على الاقدام من منطقة المدائن جنوبي بغداد، ووجدت أنها متعبة فاختارت هذا المكان الذي وفره الخيّرون من ابناء الاعظمية للزوار.
وتناولت ام توفيق الشاي والماء مع بعض الفاكهة، وتستعد الى المشي مرة أخرى بعد أخذ قسط من الراحة وتلقي العلاج.
ويشرف على تقديم الخدمات لزوار الامام الكاظم في الاعظمية شباب من الرجال والنساء من ابناء السنة، وحرصوا على أن تكون الطرق والمسارات التي يسلكها الزائرون امينة بالتعاون مع القوات الامنية.
وقال الزائر عمران القيسي : إنه للمرة الاولى يشعر بالأمان ليس بسبب وجود القوات الامنية بل بسبب التكاتف والتآلف من ابناء منطقة الاعظمية وهم يقدمون الخدمات للزوار.
وفي جامع أبي حنيفة النعمان في الاعظمية، عُلقت اليافطات التي تحيي زوار الامام الكاظم، وتقول احداها: "مرحبًا بزوار الامام الكاظم" وكتب على أخرى "الاعظمية تعزي باستشهاد الامام الكاظم".
ونظم الجامع مجاميع تطوعية تقدم الخدمات والنصائح والإرشادات والخدمات الطبية للزوار.
وقال عبد القادر المؤمن (مدرس) إنه تفرغ للعمل التطوعي لمدة اسبوع لتقديم الخدمات للزوار.
وتابع القول: هذا هي حقيقة الشعب العراقي اذا لم تستغل التعددية المذهبية لأغراض سياسية ومصالح حزبية.
ويؤكد المؤمن أن هناك من يسعى الى ربط الارهاب بطائفة معينة لكن الحقائق والتجارب التي عشتها بنفسي تؤكد أن التفجيرات والأعمال الارهابية ليست من صنع جماعة تنتمي الى مذهب معين بل تقوم بها جماعات ترتبط بأجندة الاحزاب في الكثير من الاحيان.
وقال: "العراقيون في هذه المناسبة يكشفون الاوراق فليس هناك اليوم اكثر أمناً من مدينة الاعظمية وهي تستقبل الزوار في طريقهم الى الكاظمية".
ويحصي المراقب للمكان عدد السرادقات وهي حوالي الثلاثين، نصبت في خدمة الزوار حيث يوزع على الزائرين الطعام الشعبي والمشروبات والعلاجات على طول الطريق، وأكد المؤمن :أهالي الاعظمية بعيدون عن الطائفية.
وفي حوار مع قائمقام الاعظمية هادي الجبوري الذي كان حاضرًا في أحد السرادقات، حيث يتدفق الزوار للراحة فيه، قال إن الزيارات الدينية تصبح في منطقة الاعظمية في كل عام رمزاً للوحدة الوطنية.
ويوضح الحاج فيصل البزاز من اهالي الاعظمية إنه بفضل المناسبات الدينية اصبحت له علاقات متينة مع الكثير من الزوارالشيعة يتبادل معهم الزيارات طيلة ايام السنة.
ويتابع : اذا لم توظف التعددية المذهبية في السياسة والمصالح الخاصة فإن العراقيين بخير.