الفاتحه على روح الشهيد الغيور عثمان العبيدي
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1).
في ذكرى الشهيد العراقي الغيور عثمان العبيدي
في بيت متواضع في مدينة الاعظمية كانت "أم عثمان" تعد الشاي لابنها الوحيد "عثمان" ،فيما جلس الشاب الاعظمي ذو الثمانية عشر ربيعا المليء بروح الشباب والمحبوب من قبل أهله و أصدقائه جلس يذاكر دروسه استعدادا لأداء امتحانات الدور الثاني ، فهو طالب في إعدادية الصناعة في فرع الكهرباء.
الشاب (عثمان) كان شغوفا بلعبة المصارعة التي كان يمارسها في (نادي الاعظمية)فترى جسمه قويا وعضلاته مفتولة ،فضلاً عن ولعه بالمصارعة فقد كان سباحا ماهرا يجيد الغوص في الماء والسباحة لمسافات طويلة ، تعلم السباحة مذ كان صغيرا فقد علمه عمه (نبيل) السباحة مبكرا ، ويستذكر عمه هذا الموضوع فيقول :( آه ... لقد كنت آخذه معي إلى النهر لأعلمه السباحة منذ كان عمره ثلاثة سنوات ، كان الناس يلومونني لأنه كان صغيرا فكنت أقول لهم : أريده أن يصبح جريئا و شجاعا)، في هذه الأثناء كان المشهد غريبا على(جسر الأئمة) القريب من بيت (عثمان) ، نساء وأطفال يتساقطون من أعلى الجسر ، صياح وعويل، اضطراب وتدافع فوق الجسر، قتلى وجرحى ينقلون بالعربات والسيارات ، وضع غريب ومحزن مما حدا بمؤذن جامع الإمام الأعظم أن يدعو أهل الاعظمية عبر مكبرات الصوت إلى نجدة إخوانهم وتقديم المساعدة لهم.
سمع "عثمان" نداء المسجد ، فلبى النداء دون تفكير،وفي لحظات ارتدى ملابسه وانطلق مسرعا نحو النهر ليرى ماذا يحدث هناك ، عندما وصل إلى مكان الحادث رأى الناس تقوم بنقل الجرحى والقتلى ،فلما نظر باتجاه أعلى الجسر رأى الناس تتساقط إلى النهر في منظر مؤلم ، ركض "أبو الغيرة" بسرعة إلى جهة النهر ورمى جسده فيه ، تسارعت يد المصارع عثمان لتضرب ماء دجلة بقوة وتمنعه من التهام أهله ، وعند وصوله إلى منتصف النهر سقط طفل بجانبه فقام بإخراجه على الفور وذهب به إلى ضفة النهر ، ثم عاد بسرعة لينقذ أخواته واخوانه الغرقى الواحد تلو الأخر ، ما إن يوصل إحدهم إلى الضفة حتى يرجع مسرعا لإنقاذ الأخريات ، لم يسترح البطل لحظة واحدة وهو يسارع ويسبح ضد التيار لينقذ ما يمكن إنقاذه ، وطلب منه أصدقاؤه أن يستريح قليلا بعد أن راؤا علامات الإعياء بادية عليه فرفض ، وبعد أن أنقذ الشاب الاعظمي الشهم المرأة السابعة قفز من جديد إلى النهر ليتقابل مع امرأة كبيرة في السن ، فمسكت به من عنقه بكل قوتها وهي تقول :(أبو الغيرة ... أبو الغيرة .... لا تتركني)، حاول عثمانأن يفلت منها ليتسنى له إنقاذها لكنها لم تفهم حركاته وتعليماته فتمسكت به وأنزلته معها إلى قاع النهر ، معتذرة منه بأنها لا تجيد قوانين السباحة وهو لا يجيد ترك (إغاثة الملهوف)، (أم عثمان) كانت متواجدة في بيتها تساعد الناس الجرحى وتقدم الماء والغذاء للآخرين ، فبيوت الاعظمية أصبحت مستشفيات تقدم العون والمساعدة لإخوانهم وأخواتهم المصابين ، فجأة جاء شخص وصاح :(لقد مات عثمان) ، نزل الخبر على(أم عثمان) نزول الصاعقة ، فخارت قواها وسقطت على الأرض ، ومر أمام عينيها شريط الذكريات سريعا منذ أن كان عثمان طفلا صغيرا تلاعبه وتعتني به إلى أن أصبح شاباً قوياً ودوداً يغبطها أهل منطقتها عليه ، نزلت الدموع من عينيها بغزاره ، و أحست باضطراب وشعرت بان روحها تكاد تقبض ، لكنها انتبهت عندما صاح احد الذين كانوا حولها : "عثمان بطل ... عثمان بطل .... أنقذ سبعة أشخاص ثم استشهد "، شعرت الوالدة بان الروح قد عادت إليها بعد أن سمعت هذا الكلام ، فاستجمعت قواها وتهلل وجهها فرحا وقالت قولة المؤمن بقضاء الله وقدره :( إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن القلب ليحزن وان العين لتدمع ، وانا على فراقك يا "عثمان" لمحزونون) ، أبو الشهيد" يتكلم اليوم عن شبله في منتهى الفخر فيقول :(أنا فخور بابني الوحيد، " عثمان" بطل ، ضحى بحياة لإنقاذ إخوانه وأهله )، ويضيف قائلا :(كان ابني يكره الاقتتال الطائفي ، كان حلمه أن يتوحد العراقيون بصرف النظر عن مذاهبهم التي ينتمون إليها).
لقد اثبت "عثمان علي العبيدي" أن العراقيين هم بيت واحد واسرة واحدة في الشدائد والمحن ، وان ما يطلقه الخائبون من نعرات وثقافات طائفية إنما هي بالونات يتفنن في صنعها رجال الطوائف والأغراب ، "أم عثمان" أرضعت ولدها حليبا طاهرا خاليا من العرقية والطائفية ، ومهما حاول بائعو الشعارات المفبركة والتاريخ المزيف من جهد فلن يغيروا من سلوك المواطن العراقي من شيء ، سيبقى "درس الشهيد" يدرس فيكل مدن ومدارس العراق ، وسيتعلم منه العراقيون أنهم شعب واحد وان لهم مستقبلاً واحداً ، ووري جثمان الاعظمي البطل "عثمان علي العبيدي" الثرى ، لكنه سيبقى حاضرا في ذاكرة الأمة وشاخصا في جسور وشوارع ومدن العراق