بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

شذرات من سيرة « الإمام الكاظم عليه السلام »
•الأسم: الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).

• جده: الإمام محمد الباقر (عليه السلام).
• أبوه: الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
• أمه: حميدة بنت صاعد المغربي.
• ولادته: ولد بالإيواء ـ بين مكة والمدينة ـ يوم الأحد في السابع من شهر صفر سنة 128، وأولم الإمام الصادق (عليه السلام) عند ولادته فأطعم الناس ثلاثة أيام.
• صفته: أزهر اللون، ربع القامة، كثّ اللحية.
• كناه: أبو إبراهيم، أبو الحسن، أبو علي، أبو إسماعيل.
• ألقابه: العبد الصالح، الكاظم، الصابر، الصالح، الأمين، باب الحوائج، ذو النفس الزكية، زين المجتهدين، الوفي، الزاهر، المأمون، الطيب، السيد.
• نقش خاتمه: الملك لله وحده.
• أولاده: علي الرضا، إبراهيم، العباس، القاسم، إسماعيل، هارون، الحسن، أحمد، محمد، حمزة، عبد الله، إسحاق، عبيد الله، زيد، الحسن، الفضل، سليمان.
• بناته: فاطمة الكبرى، فاطمة الصغرى، رقية، حكيمة، أم أبيها، رقية الصغرى، كلثم، أم جعفر، لبابة، زينب، خديجة، علية، آمنة، حسنة، بريهة، عائشة، أم سلمة، ميمونة، أم كلثوم.
• شاعره: السيد الحميري.
• بوابه: محمد بن الفضل.
• ملوك عصره: المنصور، محمد المهدي، موسى الهادي، هارون الرشيد
• حياته: عاش فترة من عمره في ظلمات السجون، فقد سجنه المهدي العباسي ثم أطلقه وسجنه هارون الرشيد في البصرة عند عيسى بن جعفر، ثم نقله إلى بغداد عند الفضل بن الربيع، ثم عند الفضل بن يحيى، ثم عند السندي بن شاهك.
• وفاته: قبض يوم الجمعة، في الخامس والعشرين من شهر رجب، سنة 183 متأثراً بسم دسه إليه هارون الرشيد.
• مدة إمامته: خمس وثلاثون سنة.
• قبره: دفن في جانب الكرخ، في مقابر قريش، وقبره اليوم ينافس السماء علواً وازدهاراً، على أعتابه يتكدس الذهب، ويزدحم عنده الألوف من المسلمين من شرق الأرض وغربها لزيارته، والتطواف حول ضريحه الأقدس.

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
عبادة الإمام الكاظم ( عليه السلام )

أجمع الرواة على أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كان من أعظم الناس طاعة لله ومن أكثرهم عبادة له .
وكانت له ثَـفَنات من كثرة السجود لله كما كانت لِجدِّه الإمام السجاد ( عليه السلام ) حتى لُقِّب ( عليه السلام ) بذي الثـفنات .
وكان من مظاهر عبادته ( عليه السلام ) أنه إذا وقف مُصلّياً بين يدي الخالق العظيم أرسل ما في عينيه من دموع وخَفقَ قلبُه ، وكذلك إذا ناجى ( عليه السلام ) ربَّه أو دعاه .
ويقول الرواة : إنه ( عليه السلام ) كان يصلي نوافل الليل ، ويَصِلُها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس .
ويَخُرّ لله ساجداً ، فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد لله حتى يقرب زوال الشمس .
وكان من مظاهر الطاعة عنده ( عليه السلام ) أنه دخل مسجد جَدِّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أول الليل فسجد ( عليه السلام ) سجدة واحدة ، وهو يقول بِنَبْراتٍ تَقطر خوفاً من الله : ( عَظُم الذنبُ عندي فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة ) .
وجعل ( عليه السلام ) يُردّد هذا الدعاء بإنابة وإخلاص وبكاء حتى أصبح الصباح .
وحينما أودعَهُ الطاغية الظالم هارون الرشيد العباسي في ظُلُمات السجون تفرغ ( عليه السلام ) للعبادة ، وشكر الله على ذلك قائلاً : ( اللَّهُم إني طالما كنت أسألك أن تُفرّغني لعبادتك ، وقد استجبتَ لي ، فَلَك الحمدُ على ذلك ) .
وكان الطاغية هارون يشرف من أعلى قصره على السجن ، فَيُبصر ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغير عن موضعه ، وعجب من ذلك ، وراح يقول للربيع : ما ذاك الثوب الذي أراهُ كلَّ يوم في ذلك الموضع ؟
فأجابه الربيع قائلاً : يا أمير المؤمنين ، ما ذاك بثوب ، وإنما هو موسى بن جعفر ، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال .
وبهر الطاغية وقال : أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم .
وسارَعَ الربيع طالباً منه أن يطلقَ سراحَ الإمام ( عليه السلام ) ولا يضيق عليه في سِجنه قائلاً : يا أمير المؤمنين ، مَالَكَ قد ضيقتَ عليه في الحَبس ؟
وسارع هارون قائلاً : هيهات ، لا بُدَّ من ذلك .

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
زهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وحلمه

كان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) زاهداً في الدنيا ، ومعرضاً عن مَبَاهجها وزينتها ، فآثرَ طاعة الله تعالى على كل شيء .
وكان بيته ( عليه السلام ) خالياً من جميع أَمتِعَة الحياة ، وقد تحدث عنه إبراهيم بن عبد الحميد فقال : دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي ( عليه السلام ) فيه ، فإذا ليس فيه شيء سوى خصفة ، وسيف مُعلَّق ، ومصحَف .
وكان ( عليه السلام ) كثيراً ما يتلو على أصحابه سيرة الصحابي الثائر العظيم أبي ذر الغفاري الذي طلّق الدنيا ، ولم يحفل بأي شيء من زينَتِها قائلاً : ( رحم الله أبا ذر ، فلقد كان يقول : جَزى الله الدنيا عني مَذمّة بعد رغيفين من الشعير ، أتغذّى بأحدهما ، وأتعشّى بالآخر ، وبعد شملتي الصوف ائتزرُ بأحدهما وأتَردّى بالأخرى ) .
لقد وضع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) نصب عينيه سيرة العظماء الخالدين من صحابة جَدِّه سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) يشيد بسيرتهم ، ويتلو مآثرهم على أصحابه وتلاميذه ، لتكون لهم قدوة حسنة في حياتهم .
وأما الحِلم فهو من أبرز صفات الإمام ( عليه السلام ) ، فقد كان مضرب المثل في حلمه وكَظْمِه للغَيظ .
ويقول الرواة : أنه ( عليه السلام ) كان يعفو عمن أساء إليه ، ويصفح عمن اعتدى عليه ، وذكر الرواة بَوادِر كثيرة من حلمه كان منها :
أولاً :
إن رجلاً كان يسيء للإمام ( عليه السلام ) ويسبُ جَدّه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأراد بعض شيعة الإمام ( عليه السلام ) تأديبه ، فَنَهَاهُم عن ذلك ، ورأى أن يعالجه بغير ذلك .
فسأل ( عليه السلام ) عن مكانه ، فقيل له : إن له ضيعة في بعض نواحي المدينة المنورة ، وهو يزرع فيها .
فركب الإمام ( عليه السلام ) بَغلَته ، ومضى متنكراً إليه ، فأقبل نحوه .
فصاح به الرجل : لا تَطأْ زرعنا .
فلم يحفل به الإمام ( عليه السلام ) إذ لم يجد طريقا يسلكه غير ذلك .
ولما انتهى إليه قابله الإمام ( عليه السلام ) بِبَسَمات فَيّاضة بالبشر قائلاً له : ( كم غرمت في زرعك هذا ) ؟
فقال : مائة دينار .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( كم ترجو أن تصيبَ منه ) ؟
فقال : أنا لا أعلم الغيب .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( إنما قلت لك : كَمْ ترجو أن يجيئَكَ منه ) ؟
فقال : أرجو أن يجيئَني منه مائتا دينار .
فأعطاه سَلِيلُ النبوةِ ثلاثَ مِائة دينار وقال : هذه لك وزرعك على حاله .
فانقلب الرجل رأساً على عَقِب ، وخَجل على ما فَرّط في حقّ الإمام ( عليه السلام ) .
ثم انصرف الإمام ( عليه السلام ) عنه وقصد الجامع النبوي ، فوجد الرجل قد سبقه ، فلما رأى الإمام ( عليه السلام ) قام إليه ، وهو يهتف بين الناس : الله أعلمُ حيثُ يجعل رسالته فيمن يشاء .
وبادرَ أصحابه مُنكِرين عليه هذا التغيير ، فأخذ يخاصمهم ويذكر مناقب الإمام ( عليه السلام ) ومآثره .
لقد عامل الإمام ( عليه السلام ) مبغضيه ومناوئيه بالإحسان واللّطف ، فاقتلَعَ من نفوسهم النزعات الشريرة ، وغسل ( عليه السلام ) أدمِغَتَهم التي كانت مُترَعَة بالجهل والنقص .
وقد وضع ( عليه السلام ) أمامه قوله تعالى : ( إِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيْمٌ ) فصلت : 34 .
ثانياً :
ومن آيات حِلمه ( عليه السلام ) أنه اجتاز على جماعة من أعدائه ، كان فيهم ابن هَيّاج ، فأمر بعض أتباعه أن يتعلق بِلِجَام بَغْلَة الإمام ( عليه السلام ) ، ويَدّعي أنها لَه ، ففعل ذلك ، وعرف الإمام ( عليه السلام ) غايته ، فنزل عن البَغلة وأعطاها له .
وقد أعطى الإمام ( عليه السلام ) بذلك مَثَلاً أعلى للحلم وسِعَة النفس .
وكان ( عليه السلام ) يوصي أبناءه بالتَحَلّي بهذه الصفة الكريمة ، فقد قال ( عليه السلام ) لهم : ( يَا بني ، أوصيكم بوصية مَن حَفظَها انتَفَع بها ، إذا أتاكم آتٍ ، فأسمع أحدَكم في الأذن اليُمنى مَكروهاً ، ثم تَحوَّل إلى اليسرى فاعتذَرَ لَكم وقال : إِني لم أَقُلْ شيئاً ، فَاقبلُوا عُذرَه ) .

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
إحسان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إلى الناس

كان الإمام ( عليه السلام ) بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم ، فما قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائها ، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب ، وكان ( عليه السلام ) يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير ، فلذا لم يتوان قط في إجابة المضطر ، ورفع الظلم عن المظلوم ، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون ، وجعل كفّارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان مبرّراً له ، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءً ورحمة .
ومن هؤلاء الذين أغاثهم الإمام ( عليه السلام ) شخص من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها ، وخاف على نعمته أن تسلب منه ، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل ، فسأل عن حاكم الري ، فأخبر أنّه من الشيعة ، فطوى نيّته على السفر إلى الإمام ليستجير به ، فسافر إلى المدينة فلمّا انتهى إليها تشرّف بمقابلة الإمام ( عليه السلام ) فشكى إليه حاله ، فزوده ( عليه السلام ) برسالة إلى والي الري جاء فيها بعد البسملة : ( اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلاّ من أسدى إلى أخيه معروفاً ، أو نفّس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سروراً ، وهذا أخوك والسلام ) .
وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج ، اتّجه إلى وطنه ، فلمّا وصل ، مضى إلى الحاكم ليلاً ، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه ، فقال له : من أنت ؟
قال : رسول الصابر موسى .
فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك ، فخرج حافي القدمين مستقبلاً له ، فعانقه وقبّل ما بين عينيه ، وجعل يكرّر ذلك ، ويسأله بلهفة عن حال الإمام ( عليه السلام ) ، ثمّ إنّه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريماً ، فلمّا قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها ، وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة ، وهو يقول له : يا أخي هل سررتك ؟
فقال له : أي والله وزدت على ذلك .
ثمّ استدعى السجل فشطب على جميع الديون التي عليه ، وأعطاه براءة منها ، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحاً وسروراً ، ورأى أن يجازيه على إحسانه ومعروفه ، فيمضي إلى بيت الله الحرام فيدعو له ، ويخبر الإمام ( عليه السلام ) بما أسداه إليه من البر والمعروف ، ولمّا أقبل موسم الحج مضى إليه ثمّ اتّجه إلى يثرب فواجه الإمام ( عليه السلام ) وأخبره بحديثه ، فسرّ ( عليه السلام ) بذلك سروراً بالغاً ، فقال له الرجل : يا مولاي : هل سرّك ذلك ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( إي والله ! لقد سرّني ، وسرّ جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقد سرّ الله تعالى ) ، وقد دلّ ذلك على اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ، ورغبته الملحّة في قضاء حوائج الناس .

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
كرامات الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام )

يتميّز الأئمّة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمّة .
وللإمام الكاظم ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :
الكرامة الأولى :
قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( قال أبي موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) لعلي بن أبي حمزة مبتدئاً : تلقى رجلاً من أهل المغرب يسألك عنّي ، فقل له : هو الإمام الذي قال لنا به أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، فإذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه ، قال : فما علامته ؟
قال ( عليه السلام ) : رجل جسيم طويل اسمه يعقوب بن يزيد ، وهو رائد قومه ، وإن أراد الدخول إليّ فأحضره عندي ) ، قال علي بن أبي حمزة : فو الله إنّي لفي الطواف ، إذ أقبل رجل طويل جسيم ، فقال لي : أريد أن أسألك عن صاحبك ، قلت : عن أي الأصحاب ؟
قال : عن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، قلت : فما اسمك ؟ قال : يعقوب بن يزيد ، قلت : من أين أنت ؟ قال : من المغرب ، قلت : من أين عرفتني ؟ قال : أتاني آت في منامي فقال لي : الق علي بن أبي حمزة فسله عن جميع ما تحتاج إليه ، فسألت عنك فدللت عليك .
قلت : اقعد في هذا الموضع حتّى أفرغ من طوافي وأعود إليك ، فطفت ثمّ أتيته فكلّمته ، فرأيت رجلاً عاقلاً فهماً ، فالتمس منّي الوصول إلى موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) فأوصلته إليه .
فلمّا رآه قال : ( يا يعقوب بن يزيد قدمت أمس ، ووقع بينك وبين أخيك خصومة في موضع كذا حتّى تشاتمتما ، وليس هذا من ديني ولا من دين آبائي ، فلا نأمر بهذا أحداً من شيعتنا ، فاتق الله فإنّكما ستفترقان عن قريب بموت ، فأمّا أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل إلى أهله ، وتندم أنت على ما كان منك إليه ، فإنّكما تقاطعتما وتدابرتما فقطع الله عليكما أعماركما ) .
فقال الرجل : يا ابن رسول الله ، فأنا متى يكون أجلي ؟ قال : ( قد كان حضر أجلك فوصلت عمّتك بما وصلتها في منزل كذا وكذا ، فنسأ الله تعالى في أجلك عشرين حجّة ) ، قال علي بن أبي حمزة : فلقيت الرجل من قابل بمكّة ، فأخبرني أن أخاه توفّي ودفنه في الطريق قبل أن يصير إلى أهله .
الكرامة الثانية :
إنّ المفضّل بن عمر قال : لمّا مضى الصادق ( عليه السلام ) ، كانت وصيته في الإمامة إلى موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، فادعى أخوه عبد الله الإمامة ، وكان أكبر ولد جعفر ( عليه السلام ) في وقته ذلك ، وهو المعروف بالأفطح .
فأمر موسى ( عليه السلام ) بجمع حطب كثير في وسط داره ، فأرسل إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه ، فلمّا صار عنده ، ومع موسى ( عليه السلام ) جماعة من وجوه الإمامية ، فلمّا جلس إليه أخوه عبد الله ، أمر موسى ( عليه السلام ) أن تضرم النار في ذلك الحطب فأضرمت ، ولا يعلم الناس السبب فيه حتّى صار الحطب كلّه جمراً .
ثمّ قام ( عليه السلام ) وجلس بثيابه في وسط النار ، وأقبل يحدّث القوم ساعة ، ثمّ قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس ، فقال لأخيه عبد الله : ( إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس ) ، قالوا : فرأينا عبد الله قد تغيّر لونه ، فقام يجر رداءه حتّى خرج من دار موسى ( عليه السلام ) .
الكرامة الثالثة :
قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( قال أبي موسى ( عليه السلام ) للحسين بن أبي العلا : اشتر لي جارية نوبية ، فقال الحسين : أعرف والله جارية نوبية نفيسة ، أحسن ما رأيت من النوبة ، فلولا خصلة لكانت من شأنك ، قال ( عليه السلام ) : وما تلك الخصلة ؟ قال : لا تعرف كلامك ، وأنت لا تعرف كلامها ، فتبسم ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : اذهب حتّى تشتريها ، فلمّا دخلت بها إليه ، قال لها بلغتها : ما اسمك ؟ قالت : مؤنسة .
قال : أنت لعمري مؤنسة ، قد كان لك اسم غير هذا ، وقد كان اسمك قبل هذا حبيبة ، قالت : صدقت ، ثمّ قال : يا ابن أبي العلا إنّها ستلد لي غلاماً لا يكون في ولدي أسخى ولا أشجع ولا أعبد منه ، قلت : فما تسميه حتّى أعرفه ؟ قال : اسمه إبراهيم ) .
فقال علي بن أبي حمزة : كنت مع موسى ( عليه السلام ) بمنى إذ أتى رسوله ، فقال : ألحق بي بالثعلبية ، فلحقت به ومعه عياله وعمران خادمه ، فقال : أيما أحب إليك المقام هاهنا أو تلحق بمكّة ، قلت : أحبهما إليّ ما أحببت ، قال ( عليه السلام ) : ( مكّة خير لك ) ، ثمّ سبقني إلى داره بمكّة ، وأتيته وقد صلّى المغرب ، فدخلت عليه ، فقال : ( اخلع نعليك إنّك بالوادي المقدس طوى ) ، فخلعت نعلي وجلست معه ، فأتيت بخوان فيه خبيص فأكلت أنا وهو .
ثم رفع الخوان وكنت أحدّثه ، ثمّ غشيني النعاس ، فقال لي : ( قم فنم حتّى أقوم أنا لصلاة الليل ) ، فحملني النوم إلى أن فرغ من صلاة الليل ، ثمّ جاءني فنبّهني ، فقال : ( قم فتوضّأ ، وصل صلاة الليل ، وخفّف ) ، فلمّا فرغت من الصلاة صلينا الفجر ، ثمّ قال لي : ( يا علي أنّ أم ولدي ضربها الطلق ، فحملتها إلى الثعلبية مخافة أن يسمع الناس صوتها ، فولدت هناك الغلام الذي ذكرت لك كرمه وسخاءه وشجاعته ) ، قال علي : فو الله لقد أدركت الغلام ، فكان كما وصف .
الكرامة الرابعة :
قال ابن أبي حمزة : كنا عند أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، إذ دخل عليه ثلاثون غلاماً مملوكاً من الحبشة قد اشتروا له ، فتكلّم غلام منهم ، وكان جميلاً بكلام ، فأجابه ( عليه السلام ) بلغته ، فتعجّب الغلام ، وتعجّبوا جميعاً ، وظنّوا أنّه لا يفهم كلامهم .
فقال له ( عليه السلام ) : ( إنّي أدفع إليك مالاً ، فادفع إلى كل واحد منهم ثلاثين درهماً ) ، فخرجوا وبعضهم يقول لبعض : إنّه أفصح منّا بلغتنا ، وهذه نعمة من الله علينا ، قال علي بن أبي حمزة : فلمّا خرجوا ، قلت : يا ابن رسول الله ، رأيتك تكلّم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ؟
قال : ( نعم ) ، وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم ؟ قال : ( نعم ، أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً ، وأن يعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهماً ، لأنّه لمّا تكلّم كان أعلمهم ، فإنّه من أبناء ملوكهم ، فجعلته عليهم ، وأوصيته بما يحتاجون إليه ، وهو مع ذلك غلام صدق ) .
ثمّ قال : ( لعلّك عجبت من كلامي إيّاهم بالحبشية ؟ ) قلت : إي والله ، قال : ( فلا تعجب ، فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب من كلامي إيّاهم ، وما الذي سمعته منّي إلاّ كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة ، افترى هذا الذي يأخذه بمنقاره ينقص من البحر ؟ والإمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أكثر من عجائب البحر ) .
الكرامة الخامسة :
قال عيسى المدائني : خرجت سنة إلى مكّة فأقمت بها ، ثمّ قلت : أقيم بالمدينة مثل ما أقمت بمكّة ، فهو أعظم لثوابي ، فقدمت المدينة ، فنزلت طرف المصلّى إلى جنب دار أبي ذر ، فجعلت أختلف إلى سيّدي ، فأصابنا مطر شديد بالمدينة ، فأتيت أبا الحسن ( عليه السلام ) مسلّماً عليه يوماً ، وإن السماء تهطل ، فلمّا دخلت ابتدأني ، فقال لي : ( وعليك سلام الله يا عيسى ، ارجع فقد انهدم بيتك على متاعك ) .
فانصرفت راجعاً ، وإذا البيت قد انهار ، واستعملت عملة فاستخرجوا متاعي كلّه ، ولا افتقدته غير سطل كان لي ، فلمّا أتيته الغد مسلّماً عليه قال : ( هل فقدت من متاعك شيئاً ؟ فندعو الله لك بالخلف ) ، قلت : ما فقدت شيئاً ما خلا سطلاً كان لي أتوضّأ منه فقدته ، فأطرق ملياً .
ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي : ( قد ظننت أنّك قد أنسيت السطل ، فسل جارية رب الدار عنه ، وقل لها : أنت رفعت السطل في الخلاء فرديه ، فإنّها ستردّه عليك ) ، فلمّا انصرفت أتيت جارية رب الدار ، فقلت : إنّي نسيت السطل في الخلاء فرديه عليّ أتوضأ منه ، فردت عليّ سطلي .
الكرامة السادسة :
قال إسحاق بن عمّار : لمّا حبس هارون أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) ، دخل عليه أبو يوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد أمرين : إمّا أن نساويه وإمّا أن نشاكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكّلاً به من قبل السندي بن شاهك ، فقال : إنّ نوبتي قد انقضت ، وأنا على الانصراف ، فإنّ كانت لك حاجة أمرتني حتّى آتيك بها في الوقت ، الذي تلحقني النوبة .
فقال له : ( ما لي حاجة ) ، فلمّا أن خرج قال ( عليه السلام ) لأبي يوسف ومحمّد بن الحسن : ( ما أعجب هذا ، يسألني أن أكلّفه حاجة من حوائجي ليرجع ، وهو ميت في هذه الليلة ) ، قال : فغمز أبو يوسف محمّد بن الحسن للقيام ، فقاما فقال أحدهما للآخر : إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة ، وهو الآن جاء بشيء آخر ، كأنّه من علم الغيب .
ثمّ بعثا برجل مع الرجل ، فقالا : اذهب حتّى تلزمه وتنتظر ما يكون من أمره في هذه الليلة ، وتأتينا بخبره من الغد ، فمضى الرجل ، فنام في مسجد عند باب داره ، فلمّا أصبح سمع الواعية ، ورأى الناس يدخلون داره ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علّة .
فانصرف الرجل إلى أبي يوسف ومحمّد ، وأخبرهما الخبر ، فأتيا أبا الحسن ( عليه السلام ) ، فقالا : قد علمنا أنّك قد أدركت العلم في الحلال والحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكّل بك ، أنّه يموت في هذه الليلة ؟ قال : من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ) ، فلمّا أورد عليهما هذا ، بقيا لا يحيران جواباً .
الكرامة السابعة :
قال إسماعيل بن سالم : بعث إليّ علي بن يقطين وإسماعيل بن أحمد ، فقالا لي : خذ هذه الدنانير وائت الكوفة ، فالق فلاناً فاستصحبه ، واشتريا راحلتين وامضيا بالكتب ، وما معكما من الأموال حتّى تأتيا المدينة ، وادفعا ما معكما من كتب ومال إلى موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، ففعلنا حتّى إذا كنا ببطن الرمة ، وقد اشترينا علفاً ، ووضعناه بين الراحلتين ، وجلسنا نأكل ، فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) على بغلة له ، وخلفه شاكري ، فلمّا رأيناه وثبنا إليه ، فسلّمنا عليه .
فقال : ( هاتيا ما معكما ) ، فأخرجناه ودفعناه إليه ، وأخرجنا الكتب فناولنا إيّاه ، فأخرج كتباً من كمّه ، فقال لنا : ( هذه جوابات كتبكم ، فانصرفا في حفظ الله ) .
قلنا : فقد فنى زادنا ، وقد قربنا من المدينة ، ولو أذنت لنا فزرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتزوّدنا زاداً ، فقال : ( أبقي معكما من زادكما شيء ؟ ) قلنا : نعم .
قال : ( ائتوني به ) ، فأخرجناه إليه ، فقلّبه بيده ، وقال : ( هذه بلغتكم إلى الكوفة ، امضيا في حفظ الله ) ، فرجعنا وكفانا الزاد إلى الكوفة .
الكرامة الثامنة :
قال هشام بن سالم : كنت أنا ومحمّد بن النعمان صاحب الطاق بالمدينة بعد وفاة جعفر ( عليه السلام ) ، وقد اجتمع الناس على عبد الله ابنه ، فدخلنا عليه ، وقلنا : الزكاة في كم تجب ؟ قال : في مائتي درهم خمسة دراهم ، فقلنا : ففي مائة ، قال : درهمان ونصف .
فخرجنا ضلالاً ، فقعدنا باكين في موضع ، نقول : إلى من نرجع ؟ إلى المرجئة ؟ إلى المعتزلة ؟ إلى الزيدية ؟ فنحن كذلك ، إذ رأيت شيخاً لا أعرفه يومئ إليّ ، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، فإنّه أمر بضرب رقاب من يجتمع على موسى ( عليه السلام ) ، وقتله إن اجتمعوا عليه .
فقلت للأحول : تنح لا تهلك ، فإنّي خائف على نفسي ، وتبعت الشيخ حتّى أخرجني إلى باب موسى ( عليه السلام ) ، وأدخلني عليه ، فلمّا رآني موسى ( عليه السلام ) قال لي ابتداء منه : ( إليّ إليّ لا إلى المرجئة ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الزيدية ) ، فقلت : مضى أبوك ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : فمن لنا بعده ؟ قال : ( إن شاء الله أن يهديك هداك ) ، فقلت في نفسي : لم أحسن المسألة فقلت : وعليك إمام ؟
قال : ( لا ) ، فدخلني هيبة له ، قلت : أسألك كما سألت أباك ، قال : ( سل تخبر ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح ) ، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف ، قلت : شيعة أبوك ضلال فأدعوهم إليك ، قال : ( من آنست منه الرشد ) ، فلقيت أبا جعفر الأحول وزرارة وأبا بصير ، وندخل عليه إلاّ طائفة عمار الساباطي ، وبقي عبد الله لا يدخل عليه إلاّ القليل .
الكرامة التاسعة :
قال أبو بصير : قلت لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : بما يعرف الإمام ؟ قال : ( بخصال : أمّا أوّلهن ، فإنّه خص بشيء قد تقدّم فيه من أبيه ، وإشارته إليه ليكون حجّة ، ويسأل فيجيب ، وإذا سكت عنه ابتدأ بما في غد ، ويكلّم الناس بكل لسان ) ، ثمّ قال : ( أعطيك علامة قبل أن تقوم ) .
فلم ألبث أن دخل عليه خراساني فكلّمه بالعربية ، فأجابه أبو الحسن ( عليه السلام ) بالفارسية ، فقال الخراساني : ما منعني أن أكلّمك بلساني إلاّ ظننت أنّك لا تحسنها ، فقال ( عليه السلام ) : ( سبحان الله ، إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ؟ فبما أستحق به الإمامة ) ، ثمّ قال : ( إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ، ولا منطق الطير ، ولا كلام شيء فيه روح ) .
الكرامة العاشرة :
إنّ علي بن يقطين كتب إلى الإمام موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، اختلف في المسح على الرجلين ، فإنّ رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت ، فكتب أبو الحسن ( عليه السلام ) : ( الذي آمرك به ، أن تتمضمض ثلاثاً ، وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلّل شعر لحيتك ، وتغسل يديك ثلاثاً ، وتمسح رأسك كلّه ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك ثلاثاً ، ولا تخالف ذلك إلى غيره ) .
فامتثل أمره ، وعمل عليه ، فقال الرشيد يوماً : أحب أن استبرئ أمر علي بن يقطين ، فإنّهم يقولون : إنّه رافضي ، والرافضة يخففون في الوضوء ، فطلبه فناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، فوقف الرشيد من وراء حائط الحجرة ، بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، وقد بعث إليه بالماء للوضوء ، فتوضّأ كما أمره موسى ( عليه السلام ) .
فقام الرشيد وقال : كذب من زعم أنّك رافضي ، فورد على علي بن يقطين بعد ذلك كتاب موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) : ( من الآن توضّأ كما أمر الله ، اغسل وجهك مرّة فريضة ، وأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدّم رأسك ، وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما يخاف عليك )

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
مواهب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) العلمية

لا شك فيه أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كان أعلم أهل عصره ، وأدراهم بجميع العلوم .
أما علم الفقه والحديث فكان ( عليه السلام ) من أساطينه ، وقد احتَفّ به العلماء والرُواة وهم يسجلون ما يفتي ( عليه السلام ) به وما يقوله من روائع الحِكَم والآداب .
وقد شهد الإمام الصادق ( عليه السلام ) عملاق هذه الأمة ورائد نهضتها الفكرية بوفرة علم ولده بقوله ( عليه السلام ) : ( إنّ ابني هذا - وأشار إلى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) - لو سألتَه عما بين دَفّتَي المصحف لأجابك فيه بِعِلم ) .
وقال ( عليه السلام ) في فضله أيضاً : ( وعنده عِلم الحِكمة والفِهم والسّخاء ، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمْرِ دينهم ) .
وقد روى العلماء عنه ( عليه السلام ) جميع أنواع العلوم مما امتلأت به الكتب .
وقال الشيخ المفيد : وقد روى الناس عن أبي الحسن ( عليه السلام ) فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه .
ونقل عن أبي حنيفة أنه قال : حججتُ في أيّام أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، فلمّا أتيتُ المدينة دخلتُ دارَه ، فجلستُ في الدهليز أنتظر إذنه ( عليه السلام ) ، إذ خرج صبيّ فقلت : يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم ؟
قال : على رَسْلِك ، ثم جلس مستنداً إلى الحائط ثم قال :
تَوَقَّ شُطوط الأنهار ، ومَساقط الثمار ، وأفنية المساجد ، وقارعة الطريق ، وتوارَ خلف جدارٍ ، وشلّ ثوبك ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، وضع حيث شئتَ .
فأعجبني ما سمعت من الصبي ، فقلت له : ما اسمك ؟
فقال : ( أنا موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ) .
فقلت له : يا غلام ، ما المعصية ؟
فقال : ( إن السيّئات لا تخلو من إحدى ثلاث : إمّا أن تكون من الله وليست من العبد ، فلا ينبغي للرب أن يعذّب العبد على ما لا يرتكب ، وإمّا أن تكون منه ومن العبد ، وليست كذلك ، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الضعيف .
وإمّا أن تكون من العبد – وهي منه – ، فإن عَفا فَكرمه وَجُوده ، وإن عاقب فبذنب العبد وجَريرَته ) .
قال أبو حنيفة : فانصرفت ولم ألقَ أبا عبد الله ، واستغنيتُ بما سمعتُ .