بدء أول أعمال التأهيل للتزامن مع الاحتفال ببغداد عاصمة للثقافة العربية الشرق الأوسط/بغداد: أفراح شوقي:بعد ثلاثين عاما وبفعل عوامل التعرية المناخية التي تعاقبت عليه، فضلا عن المياه الجوفية وتعرضه للتخريب والسرقة في أحداث عام 2003، يستعد «طاق كسرى» لارتداء حلته الجديدة لاستقبال زواره بنهاية العام الحالي، حيث اعتادت العوائل البغدادية في الماضي تنظيم السفرات السياحية إلى هذا المعلم الحضاري المهم.
مصادر مطلعة في هيئة الآثار والتراث العراقية كشفت لـ«الشرق الأوسط» عن أن الأسبوع المقبل سيشهد أول أعمال صيانة وتأهيل الموقع الآثاري (طاق كسرى) (سلمان باك) والمباني المجاورة له (جنوب شرقي بغداد)، وبتخصيصات مالية قدرت بأكثر من ثلاثة مليارات دينار عراقي من قبل وزارة الثقافة، ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية للعام الحالي.
ورغم تأكيد وزارة السياحة والآثار العراقية حرصها على إعادة الحياة لجميع المواقع الآثارية، بما فيها «طاق كسرى» من أجل تطوير الحركة السياحية في البلاد، فإن الجدل حول هوية الصرح، وأصل معماره، وأهميته التاريخية، وإدامته أو إزالته - ما زال قائما، من ذلك تداول أقاويل مفادها أن مبادرات إعادة تأهيله جاءت لأجل ترضية الجانب الإيراني، أو بتدخل منه.
المهندس ظافر صبحي صالح مدير عام قسم الصيانة الآثارية والحفاظ على الآثار في هيئة الآثار والتراث، نفى أي بعد سياسي لعملية التأهيل والصيانة لموقع «طاق كسرى» خلال هذه الفترة، معترفا بتلقي الدائرة أكثر من مبادرة من قبل إيران لأجل تأهيل الصرح والأراضي المجاورة لها، والاهتمام به على نحو خاص دون غيره من الآثار العراقية، «لكننا (والحديث لظافر) لم نتلق منهم أي شيء ملموس حتى الآن».
وطاق كسرى الذي حمل تسميات مختلفة منها «إيوان كسرى»، أو سلمان باك، هو الأثر الباقي من أحد قصور كسرى أنوشروان، وهو أكبر قاعة فيه، ويقع على نهر دجلة (جنوب شرقي بغداد حاليا) في منطقة المدائن، ويعرف لدى عامة الناس بـ«سلمان باك» على اسم الصحابي الشهير سلمان الفارسي المدفون هناك، والصرح جرى تسقيفه بالآجر على شكل عقد دون استخدام دعامات أو تسليح ما. وتشير مصادر تاريخية إلى أن بناء الطاق يعود إلى عهد كسرى الأول المعروف بعد الحملة العسكرية على البيزنطيين عام 540م، ويعد أحد أقدم الأقواس الباقية إلى الآن في العالم، وهو يمتد 75 قدما وارتفاعه 110 أقدام.
وقال ظافر صبحي في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «إن المصادر التاريخية من زمن الخليفة أبي جعفر المنصور، تخبرنا بأن الأخير قام بنقل بعض أحجاره لأجل عمارة وبناء أسوار بغداد العاصمة، لكنه عدل عن ذلك بعد أن نصحه آخرون، أما في زمن النظام السابق فقد كانت الحروب المتواصلة سببا مهما في إهماله وتأخير صيانته كما حصل مع معظم المواقع الآثارية في البلاد». وأضاف «أن رغبة الجهات العراقية في تأهيل الصرح كانت الأقوى لأجل أن يكون متنفسا سياحيا مميزا لأهالي بغداد؛ نظرا لاعتدال أجوائه في موسم الصيف، وانخفاض درجة الحرارة فيه بمعدل 8 درجات مئوية».
وحول عمليات تأهيله الأخيرة من قبل شركة جيكية، قال صبحي: «عمليات التأهيل قسمت إلى قسمين مهمين، 90 في المائة منها كانت عبارة عن فحوصات مختبرية للأسس والجدران ونسبة الرطوبة وغيرها، أما الـ10 في المائة الباقية فخصصت للأعمال الفنية الرامية لإطالة عمر الصرح أكثر مما مضى من عمره الحالي. ويتركز العمل على صيانة طاق كسرى أكثر من المباني المجاورة، عبر نصب سقالات شبه عملاقة بطول 30 مترا لإسناده وإزالة بعض طبقات الإسمنت التي أضيفت له في فترة ماضية وشوهت الكثير من معالمه، وسيتم تغليف صرح الطاق بمادة سليكونية (غير مرئية) مقاومة لمياه الأمطار والرطوبة وأشعة الشمس».
وأضاف: «ستتم إضافة الإنارة الليزرية للصرح بعد اكتمال عمليات تأهيله لأول مرة في المباني الآثارية في العراق التي ستشمل لاحقا بذلك، إضافة إلى مبان خدمية متعددة لتقديم الخدمات للزوار والسياح».
يذكر أن المدائن كانت مقرا لكنيسة العراق (المشرق) طيلة الحكم الفارسي، ويتكون إيوان كسرى من جزأين أساسيين: المبنى نفسه والقوس الذي بجانبه. ويبلغ ارتفاع القوس 37 مترا، وعرضه 26 مترا، وارتفاعه 50 مترا، ويعتبر من أعظم الأبنية من نوعها في ذلك العصر. وهناك أيضا غرفة العرش التي يتوقع أن تكون تحت أو خلف القوس، وكان ارتفاعها يربو على 30 مترا، وعرضها 24 مترا، وطولها 84 مترا. والمعروف أن المسلمين استولوا على إيوان كسرى سنة 637م، وقد حول إلى مسجد في عام 1888م، وتعرض ثلث المبنى للتدمير إثر تعرضه للسيول
كاردينيا