واشنطن ــ محمد المنشاوى:جمع مراسل «الشروق» فى واشنطن مع آخرين إفطار على شرف المهندس إريك شميت، رئيس شركة جوجل، قبل أيام.وعندما اقتربت عقارب الساعة من تمام الثامنة والنصف صباحا بدأ «شميت» الحديث، وعلى غير المتوقع لم يتحدث فى الأمور الفنية، فعلى ما يبدو يعتبر أن المنافسة باتت من الماضى، بعدما تفوق نظام تشغيل «أندرويد»، التابع لـ«جوجل»، على نظام «ios 6» التابع لـ«آبل»، فى تطبيقاتالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.فى عام 2012 بلغت نسبة مشغل جوجل من التليفونات 26% مقابل 40% للآبل، واليوم تغيرت النسبة لتصبح 53% لجوجل مقابل 36% لآبل.
غير أن «شميت» لم يتحدث عن تفاصيل هذه الأرقام وتداعياتها المهمة، بل تحدث عما هو أكثر أهمية بعرض رؤيته للعالم ومستقبله وطريقة التفاعل معه من خلال عرض كتابه الجديد «عصر التكنولوجيا الرقمية The New Digital Age».
حضر «شميت» مبكرا، فى الثامنة تقريبا، وتناول قهوته، ثم بدأ بالحديث عما ستفعله التكنولوجيا الرقمية فى حياتنا الخاصة، وفى علاقاتنا بمن حولنا. وببساطة يرى «شميت»، وجاريد كوهين، الذى ألف معه الكتاب، أن العالم المتصل تكنولوجيا سيضغط للسماح بشفافية أكبر وحرية تداول أوسع للمعلومات، وبالضرورة سيتبع ذلك حريات سياسية أكبر.
عنوان الكتاب الفرعى هو «إعادة تشكيل مستقبل الشعوب والأمم والأعمال»، يعكس ما ذكره «شميت» من أن التكنولوجيا تجعلنا عاجزين عن المعرفة الدقيقة لما سيأتى به المستقبل فيما يتعلق بالهوية والمواطنة ومستقبل الدولة الحديثة ومستقبل الثروات ومستقبل الإرهاب.
ويتناول «شميت» فى كتابه كذلك مستقبل الصراعات والتدخل الخارجى وإعادة بناء المجتمعات، معتبرا أن التكنولوجيا ستخلق واقعا جديدا فيما يتعلق بهذه القضايا.
فمثلا حق تقرير المصير لن يحدث مستقبلا قبل أن يشعر هؤلاء الساعون إليه أن هناك مصيرا واحدا حقيقيا يجمعهم على شبكة الإنترنت، وهم وما يزيد من شعورهم بهويتهم المميزة أو بحقهم المسلوب.
قبل تنحى حسنى مبارك فى فبراير 2011، قال «شميت» إن شركة جوجل تفتخر بوائل غنيم، وبما يقوم به، إذ يرى شميت أن التكنولوجيا وتطبيقاتها، مثل فيس بوك «تغير ديناميكيات القوة بين الحكومات والمواطنين».
إذ يعتقد أنه من السهل بدء الثورات بفضل التسهيلات التكنولوجية والتعبئة والتواصل بين البشر، إلا أنه من الصعوبة بمكان إنهائها. ويؤمن رئيس جوجل بأن انتشار التكنولوجيا وزيادة انتشار الإنترنت يزيد من سهولة إزاحة الديكتاتوريات الحاكمة، إلا أن ذلك لا يعنى سهولة بناء مؤسسات أو خلق قيادات سياسية واعية وملهمة.
ورغم أن أفكار «شميت» فى هذا الكتاب تعبر عن رجل من قادة «وادى السيليكون» المنغمسين فى التكنولوجيا على شواطئ الساحل الغربى الأمريكى فى بولاية كاليفورنيا، فإنه التقى كبار الساسة الأمريكيين والدوليين خلال إعداد كتابه.
ويرى رئيس «معهد أسبن» فى العاصمة الأمريكية، والتر إيزاكسون، أنه ينبغى على «قادة العالم أن يطلعوا على أفكار الكتاب؛ لأنهم ببساطة سيتبعونها.. شاءوا أم أبوا». ولا يعنى ذلك موافقة الجميع على آراء «شميت»، فهنرى كيسنجر، وزير الخارجيةالأمريكى، مستشار الأمن القومى الأسبق، يرى أن الأشخاص المؤهلين لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعى لقيادة ثورات شعبية ليسوا بالضرورة مؤهلين لقيادة مجتمعات ديمقراطية.
ويعتقد رئيس «جوجل» أن غالبية سكان العالم، البالغ عددهم نحو سبعة مليارات من البشر، غير متواصلين تكنولوجيا، ولا يتمتعون بالانترنت وتطبيقاتها المختلفة. فقط هناك حوالى ملياران فقط من البشر ممن يتواصلون تكنولوجيا عبر الإنترنت.
ويتساءل «شميت» كيف سيكون شكل العالم بعدما يدخل سوق التكنولوجيا وتطبيقاتها وآثارها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية خمسة مليارات شخص يوجد معظمهم فى مجتمعات ودول منغلقة، خاصة مع استمرار توافر الأجهزة الحديثة وانخفاض تكلفة الخدمات، حيث سيكون لدى البشر مزيد من المعلومات فى جميع المجالات، مما سيخلق ديناميكيات جيدة مختلفة.
ويستشهد بحالة حادثة قطار فائق السرعة وقعت عام 2011 فى مدينة «فينزهو» الصينية، نتج عنها مقتل وإصابة 250 شخصا. فرغم جهود الحزب الشيوعى الصينى لإخفاء معالم الحادث، وإلقاء اللوم على المناخ، فإنه لموقع «توتير»، عبر استخدامه من شهود عيان للحادث، تأثير فى إبلاغ العالم، كله، ولاسيما الصينيين، بتفاصيل الحادث، الذى اتضح أنه نتجت عن أخطاء بشرية وهندسية تتعلق بفساد المسئولين المحللين؛ وهو ما أدى إلى إقالة عدة مسئولين، على رأسهم وزير النقل، وإعادة هيكلة هيئة القطارات فائقة السرعة.
«شميت» تحدث أيضا عن الثورات ومستقبل الحكم والإرهاب وقضايا الخصوصية والملكية الفكرية، إلا أنه ومع ذاك لم يتحدث كمفكر أو كخبير إستراتيجى، بل كمهندس يستخدم ويطبق ويطور التكنولوجيا لتحسين فهم وتحسين التعامل مع هذه القضايا فى عالم يسيطر عليه عدم اليقين والسرعة الفائقة.
وقال إن التكنولوجيا جعلت كل شيء أسرع ومتغير، وعلينا أن نروضها لخدمة احتياجاتنا. إن أى تعاطف مع أفكار جيدة، مثل الرخاء الاقتصادى وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ونشر التعليم وحتى حق تقرير المصير، يجب أن يرتبط بتواصل أعداد اكبر من المواطنين بالإنترنت والتكنولوجيا؛ لما لها من تداعيات إيجابية على هذه الحقوق والمبادئ.
بقى أن نذكر أن «شميت» الذى يعد عجوزا بالمعايير التكنولوجية، إذ يبلغ من العمر 58 عاما، ورغم أن ثروته تجاوزت الثمانى مليارات دولار، فإنه يرى أن الإنترنت هو أول اختراع لا يفهمه البشر، وهى أكبر تجربة فوضوية فى التاريخ