رجلاً كان يسيء للإمام الكاظم ( عليه السلام ) ويسبُ جَدّه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأراد بعض شيعة الإمام ( عليه السلام ) تأديبه ، فَنَهَاهُم عن ذلك ، ورأى أن يعالجه بغير ذلك .
فسأل ( عليه السلام ) عن مكانه ، فقيل له : إن له ضيعة في بعض نواحي المدينة المنورة ، وهو يزرع فيها .
فركب الإمام ( عليه السلام ) بَغلَته ، ومضى متنكراً إليه ، فأقبل نحوه .
فصاح به الرجل : لا تَطأْ زرعنا .
فلم يحفل به الإمام ( عليه السلام ) إذ لم يجد طريقا يسلكه غير ذلك .
ولما انتهى إليه قابله الإمام ( عليه السلام ) بِبَسَمات فَيّاضة بالبشر قائلاً له : ( كم غرمت في زرعك هذا ) ؟
فقال : مائة دينار .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( كم ترجو أن تصيبَ منه ) ؟
فقال : أنا لا أعلم الغيب .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( إنما قلت لك : كَمْ ترجو أن يجيئَكَ منه ) ؟
فقال : أرجو أن يجيئَني منه مائتا دينار .
فأعطاه سَلِيلُ النبوةِ ثلاثَ مِائة دينار وقال : هذه لك وزرعك على حاله .
فانقلب الرجل رأساً على عَقِب ، وخَجل على ما فَرّط في حقّ الإمام ( عليه السلام ) .
ثم انصرف الإمام ( عليه السلام ) عنه وقصد الجامع النبوي ، فوجد الرجل قد سبقه ، فلما رأى الإمام ( عليه السلام ) قام إليه ، وهو يهتف بين الناس : الله أعلمُ حيثُ يجعل رسالته فيمن يشاء .
وبادرَ أصحابه مُنكِرين عليه هذا التغيير ، فأخذ يخاصمهم ويذكر مناقب الإمام ( عليه السلام ) ومآثره .
لقد عامل الإمام ( عليه السلام ) مبغضيه ومناوئيه بالإحسان واللّطف ، فاقتلَعَ من نفوسهم النزعات الشريرة ، وغسل ( عليه السلام ) أدمِغَتَهم التي كانت مُترَعَة بالجهل والنقص .
وقد وضع ( عليه السلام ) أمامه قوله تعالى : ( إِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيْمٌ ) فصلت : 34 .