قوله تعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء﴾
المسألة:
﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾(1)
السؤال: ما هو تفسير الآية؟ وهل معناها عدم القدرة على العدل بين الزوجات ثم ما هي عقوبة من لا يعدل بين زوجاته؟
الجواب:
الآية تنفي القدرة على المساواة في المودة:
الآية المباركة تنفي القدرة على المساواة بين الزوجات في المودة والحب، فليس بمقدور أحدٍ عنده أكثر من زوجة انْ يساوي بينهما في الميل القلبي، ذلك لانَّ الميل النفساني أمر خارج عن الاختيار، وهذا هو معنى قوله تعالى:﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء﴾.
ثم انَّ الآية المباركة نهت عن ترتيب الأثر العملي على الميل النفساني، ذلك لانَّ الأثر العملي أمر مقدور للإنسان، فهو يستطيع ان يساوي بين زوجتيه في المعاملة حتى وإن ْكان ميله النفسي لإحداهما أكثر من الأخرى، فالفقرة الثانية من الآية المباركة تنهى عن الظلم وعدم التسوية في المعاملة كالنفقة والمخالطة والمعاشرة والبيتوتة والقسمة، وتنهى عن التمييز في الاعتناء بأن يرعى احدى زوجتيه ويترك الأخرى معلَّقة وكأنه لا زوج لها، فلا هي تحظى بحقوق الزوجة ولا هي مطلَّقة تتأمل انْ يتزوَّجها رجل آخر فيرعى حقوقها.
هذا وقد أفادت الروايات الواردة عن النبي(ص) وأهل بيته(ع)(2)ما شرحناه من انَّ المراد من عدم القدرة على العدل هو عدم القدرة على التسوية في المودة والميل النفسي وانَّ المنهيَّ عنه هو عدم التسوية في المعاملة بين الزوجات.
فقد ورد عن النبي(ص) انَّه كان يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: "هذه قسمتي فيما أملك فلا تأخذني فيما تملك ولا أملك"(3)، فما لا يملكه النبي(ص) بوصفه من البشر هو التسوية بين نسائه في المحبَّة، فهو يحبُّ بعض نسائه أكثر من حبِّه للبعض الآخر إلا انَّ الذي يملكه هو المساواة بينهنَّ في المعاملة والمخالقة والقسمة والنفقة، لذلك كان في منتهى العدل معهنَّ جميعاً.
الجمع بينها وبين قوله ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾:
وبما ذكرناه يتضح معنى قوله تعالى:﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً﴾(4) فالمراد من الأمر بالاكتفاء بالواحدة حين الخوف من عدم العدل هو عدم العدل في النفقة والقسمة وسائر شئون المعاشرة بالمعروف، فإنَّ الإنسان قد يكون قادراً على ذلك، وقد لا يكون قادراً، فمن كان قادراً على المساواة والعدل في المعاشرة والنفقة كان له ان يتزوج بأكثر من زوجة، ومن كان يخشى عدم القدرة على العدل في المعاملة فالاجدر به أنْ لا يتزوج إلا واحدة.
وأما الآية التي نحن بصدد بيانها فالمراد من عدم الاستطاعة على العدل هو عدم الاستطاعة على التحكُّم في المشاعر حيث لا اختيار للإنسان فيما يحب وفي مستوى ما يُحب.
وأما ما ورد في عقوبة مَن يَظلم إحدى زوجتيه ولا يساوي بينها وبين الأخرى في المعاملة فروايات عديدة.
منها ما روي عن النبي(ص): (من كانت له امرأتان يميل مع احداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل)(5).
1- سورة النساء آية رقم 129.
2- الكافي- الشيخ الكليني- ج5 ص362، وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج21 ص345 باب 7 من أبواب القسم والنشوز ح1، تفسير العياشي- محمد بن مسعود العياشي- ج1 ص279، تفسير القمي- علي بن إبراهيم القمي- ج1 ص155.
3- تفسير جوامع الجامع- الشيخ الطبرسي- ج1 ص447، سنن الترمذي- الترمذي- إلا انه روى انَّه قال: (فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) ج2 ص304.
4- سورة النساء آية رقم 3.
5- زبدة البيان- المحقق الأردبيلي- ص538، رواه أحمد في مسنده إلا انه ذكر (وأحد شقيه ساقط).