سيكون كل من إستادي الغرافة وخليفة الدولي يوم الثلاثاء مسرحاً لمباراتي نصف نهائي كأس آسيا 2011 بين كوريا الجنوبية واليابان من جهة وأوزبكستان وأستراليا من جهة أخرى حيث نلحظ اعتماد الفرق الأربعة على تكتيكيين أساسيين أحدهما تقليدي بعض الشيء والآخر أكثر حداثة وفعالية وفقاً لما تشير إليه نتائج الفرق.
ولا شك أن التشكيلات التكتيكية التي يعتمدها مدربو كرة القدم في العالم قد شهدت تغييرات عديدة واكبت النقلات الثورية في كرة القدم على مختلف أوجهها، بدءاً من الارتقاء بعناصر اللياقة البدنية مروراً بتطور المهارات الفردية ورؤى توظيفها وصولاً إلى ارتفاع القدرات الذهنية والنفسية مع تطور أساليب التدريب مما وفّر تنوعاً للمدربين في وضع خططهم.
فمن خطة 1-2-7 في نهاية القرن التاسع عشر مروراً بـ 4-4-2 التقليدية الشهيرة التي تعتبر الأكثر تعميراً في عالم كرة القدم مع شيوع استعمالها منتصف القرن الماضي، وصولاً إلى الأكثر حداثة أو رواجاً 4-2-3-1 التي تعتبر السبب الرئيس في الإنجازات الكبيرة العام الماضي، تغييرات عديدة حتى في التكتيك نفسه لمسناها بوضوح في قطر 2011.
كوريا واليابان: النهج ذاته
رغم اختلاف المدرستين التدريبيتين لكوريا الجنوبية واليابان مع الوطني تشو وانغ راي للأولى والإيطالي ألبرتو زاكيروني للثانية، نرى أنّ المنتخبين ينتهجان الخيار التكتيكي نفسه منذ انطلاق منافسات كأس آسيا، 4-2-3-1 وهي الطريقة التي أمنت لإسبانيا بطولة العالم ولوصيفتها هولندا بلوغ النهائي.
مزايا هذه التشكيلة عديدة، وقد يبدو من الخطأ تصنيفها دفاعية - رغم إيحائها شكلاً بذلك- أو هجومية نظراً لمرونتها في الأسلوبين معاً وفقاً لمتطلبات اللعب وسير المباراة وقدرات اللاعبين وحسن توظيفها تبعا لمتطلبات كل مركز فيها.
دفاعياً تصبح هذه التشكيلة 4-5-1 بثلاثة خطوط غالباً، مع تراجع الوسط الهجومي فيما يبقى رأس الحربة متقدماً للشروع في المرتدات، وتؤمن هذه الطريقة كثافة في الخطوط الخلفية وقدرة سريعة على التحول نحو الهجوم مع وجود جناحين سريعين شأن الذي نراه في اليابان مع شينجي أوكازاغي في اليمين وشينجي كاغاوا في اليسار.
هجوميا توفر خطة 4-2-3-1 حلولاً كبيرة ومتنوعة، إن للاختراق من العمق أو عبر الأجنحة أو حتى خلق مساحات للتصويب، وكل هذه الأمور رأيناها في ربع النهائي بين قطر واليابان، حيث عمدت الأخيرة لاستخدام كافة الأسلحة الكروية المذكورة مع توفر عناصر تمتلك قدرات حركية فائقة معززة بمهارات كروية تسمح بالانزلاق من الرقابة وبتنفيذ خطط زاكيروني المنتفض على العقلية الدفاعية الإيطالية السائدة، بإقرار شخصي منه.
وإلى جانب إيجادها المساحات للجناحين، فإن هذه الخطة توفر مساحات أخرى للظهيرين لمواكبة الهجوم لا سيما أنّ المفهوم الحديث لكرة القدم لا بد أن يسند دوراً هجومياً للظهيرين وهي إحدى أساليب التنوع في الاختراقات وإيجاد الحلول والأمثلة على ذلك كثيرة لعل أبرزها في كأس آسيا نجم كوريا الجنوبية تشا دو ري وصاحب هدف الفوز لليابان في ربع النهائي أمام قطر ماساهيكو إينوها.
ومن منطلق امتلاك الساموراي الأزرق ومحاربي التايغوك لأسلحة مماثلة ونهج خططي متشابه قد تبدو القراءة الفنية صعبة وإن أظهرت لنا المباريات الأربع السابقة متعة وفعالية يابانية هجومية مقابل ضعف في التغطية الخلفية وفي أداء الحارس كاواشيما فيما بدا الكوري أكثر توازناً وحذراً في مغامراته الهجومية مع تميزه دفاعياً عن اليابان وكذلك في حراسة المرمى سانغ ريونغ جونغ.
وبين إجادة اليابان لـ4-2-3-1 هجومياً أكثر من كوريا مع تمكن الأخيرة منها دفاعياً أكثر من الأولى، سيكون الحسم لمن تكون أخطاؤه أقل وحضوره النفسي أقوى، وهذا عامل ظهر قوياً لدى الفريقين لاسيما اليابان التي فازت بمباراتين وهي ناقصة لاعب، وأدركت التعادل في أخرى أمام الأردن في الوقت القاتل دون إغفال المقدرة على إيقاف تمويل كيسوكي هوندا لرفيقيه أوكازاغي وكاغاوا من جهة وبارك جي سونغ لزميليه دونغ وون جي وكو يا شيول رغم أن لاعبي سكا موسكو ومانشستر يونايتد لا يتصدرا الإحصاءات إنما لإدارتهما الفنية التأثير الكبير.
أوزبكستان وأستراليا: التقليد والتطوير
في الضفة المقابلة يصطدم فاديم أبراموف الأوزبكي بالألماني هولغر اوسيك في موقعة تاريخية كونها ستسفر عن اسم جديد سيخوض نهائي كأس آسيا 2011.
المتابعة للمنتخبين تظهر بعض التماثل في خططهما خصوصاً أن كليهما يعتمد على نهج 4-4-2، مع تغيير في المراكز لاسيما لدى اوزبكستان لتصبح فعلياً 4-2-2-2، وهي طريقة أكثر ابتكارا ومتعة من الأولى علماً أن قدرات اللاعبين تتحكم بمقدرة المدرب على وضع خطط مرنة تتغير وفقاً لسير اللعب وعليه قد تتحول التشكيلة المذكورة لتشكيلات أخرى أثناء اللعب كـ4-1-2-1-2 أو غيرها.
الطريقة المعهودة لـ4-4-2 توفر أربعة مدافعين ومثلهم في الوسط إلى جانب مهاجمين قد يقفان على الخط نفسه أو يتقدم أحدهما الآخر، ويحتاج هذا النمط الكروي من اللعب لمجهود إضافي من لاعبي الارتكاز في الوسط لتأمين الربط بين الدفاع والهجوم مما يضع عليهما أحمالاً بدنية وتكتيكية كبيرة وهذا ما رأيناه مع اللاعبين الأستراليين جديناك وفاليري أمام العراق في ربع النهائي.
وغالباً ما يتقدم أحد لاعبي الوسط لمواكبة الهجمات فيما يقف زميله وراءه للتأمين الخلفي في الوقت الذي يتقدم الجناحان مع عدم إغفالهما المساحات الخلفية خصوصاً أن الانجراف للأمام من خلال توزيع مماثل قد يخلق هوة بين الوسط والدفاع تزيد من أعباء لاعبي الدفاع.
وعند استعمال هذا الأسلوب بشكله التقليدي نرى أنه يقيد اللعب ويفقده جماليته كما يحصر دور خط الظهر بالدفاع لكنه يؤمن عند الذود المنظم خطين أساسيين قوام كل منهما 4 لاعبين أو خمسة للخط الأمامي وهذا يجعل الاختراق عملية صعبة على هجوم المنافس.
ورغم اعتماد أبراموف على لعب مماثل، إلا أننا نجد فريقه أكثر متعة في الهجوم، نظراً لأنه وزّع الوسط بحيث اعتمد على لاعبين متجاورين للوسط الدفاعي غالباً ما كانا تيمور كابادزي وعزيزبك حيدروف وأمامهما لاعبين يضطلعان بمهمات مزدوجة بين الاختراق عبر الأجنحة وتأمين المساعدة للظهيرين فيما نرى الكسندر غينريخ وماكسيم شاتسكيخ في خط الهجوم مع تقدم الأول صاحب القدرات العالية في الاختراق والتصويب.
شأن المباراة الأولى، يملك المنتخبان أسلحة كروية متنوعة إنما تبدو أوزبكستان أقرب للفوز شرط استطاعتها أن تقفل منطقتها الخلفية بشكل جيد إذ رأيناها ترتكب الكثير من الهفوات منذ مباراتها الأولى مع قطر، فيما تمتلك أستراليا قوة دفاعية يصعب أن تنسحب هجومياً إذا ما تم إبطال مفعول هاري كيويل وتيم كاهيل خصوصاً أن كلاسيكيتها في اللعب تجعلها مقروءة النوايا الفنية بخلاف منافستها.