قال اللهُ تعالى في مُحكمِ كتابه العزيز

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23

: تمهيدٌ مفاهيمي :
-------------
من الواضح أنَّ هذه الآيةَ الشريفة قد توفّرتْ في منطوقها على مفاهيم لها حدودها وموضوعها وحكمها لابد من بيانها بإيجاز .

وتمثّلتْ هذه المفاهيم بمايلي


المؤمنين

(وهم الجماعة التي آمنتْ بربها ودينه الحق قلبا وعملا
حتى دخل الإيمانُ في قلوبهم طوعا وقناعة )


رجالٌ (جَمعٌ رجل مُنكَّر)
ويُفيد القلة العددية ولاعموم فيه على المشهور
:انظر:
:معالم الدين وملاذ المجتهدين:نجل الشهيد الثاني: ص106:
:قوانين الأصول:الميرزا القمي:ص220.


الصدق
يُطلَقُ على نقيض الكذب
ويُقصد به هنا هو مُطابقيّة الإعتقاد للواقع
(وهو حكمٌ وقع في مُنطبقه على القلة من الرجال المؤمنين )


العهد
( وهوإلتزام من جانب المُتعهد بكل ماعاهد عليه غيره وهوالموثِق والوفاء به)


قضاء النحب
(وهو الوفاء بالعهد وتنجيز الصدق بالفعل إما بالموت أو الشهادة في سبيل الله تعالى )


ومِنهم مَنْ يَنتَظِر
( أي ومن الرجال القلّة مَن ينتظر تنجيز عهده وإيقاع صدقه بالفعل في الواقع الذي ينتظره )

:7:
وما بدَّلوا تبديلا
( أي وما غيَّروا عهد الله تعالى ولانقضوه ولابدّلوه أبدا )

وتبديلا هو مفعولُ مُطلق جاءَ مؤكِّداً لعامله من نوعه
وهو :ما بدلوا :
وتقريرا لحقيقة الثبات الذي يتصف به الرجالُ القلّة من المؤمنين .


وبعد أن بيّنا المفاهيم أعلاه بوجازة
يجب أن نؤمن بأنَّ هذه الآية الشريفة هي من القرآن الكريم ومشمولةٌ بأحكامه ومعاييره العلمية والمعرفية والفكرية والعقيدية .

لنعتقد بأنَّ هذه الآية نزلتْ بنحو
القضية الخارجية وهي التي يكون الحكمُ فيها واقعاً على أفراد مُحققة الوجود بنظر الله تعالى في وقت النزول وبعده .
وهذا يستوجب تحقق وجود الأفراد أولاً ومن ثمَّ الحكم عليها

بمعنى أنَّ هذه الآية الشريفة نزلت بمثابة الحكم والشهادة من الله تعالى
بوجود رجالٍ قلّة من المؤمنين الصادقين

بماعاهدوا الله عليه حتى قضوا نحبهم على ذلك الوصف والتلبس الفعلي في شخصياتهم البشرية .

وواقعاً إنَّ القدر المُتيقّن في كونه مُنطبقا فعليّا لحكم الله تعالى وشهادته بكون الرجال القلة
هم الصادقون بما عاهدوا الله عليه ليس له مصاديق مقطوعٌ بها إلاّ المعصومين
:عليهم السلام:

والروايات الشهيرة والمتواترة تكفلت بذلك
وأعرضنا عنها للموضوعية فقط.

ونزلتْ هذه الآية أيضا
بنحو القضية الحقيقية وهي التي يكون الحكم فيها مجعولاً على موضوعها المُقدَّرِ الوجود .

أي يكون الحكم فيها واقعاً على الطبيعة بإعتبارها مرآة لأفرادها .
وتحقق الفعلية للقضية الحقيقية هو منوط بتحقق الطبيعة ضمن فرد خارجي لها.

ذلك ماعناه ذيل الآية الشريفة في قوله تعالى

{ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23

وهذا الذيلُ الأخير من الآية الشريفة والذي هو منطوقٌ بنحو القضية الحقيقية والتي تنتظر تحقق موضوعها بالفعل

ليكون منطبقاً للحكم والشهادة من الله تعالى
بكون من ينتظر هو من الرجال القلة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه يقيناً .

لايكون تحققه فعلاً إلاَّ في الذي نعتقده بحق
وهو وجود وظهور الإمام المهدي :عليه السلام:

ذلك الفرد المعصوم والذي هو أحد أفراد القلة من الرجال
المحكوم عليهم والمشهود لهم من الله تعالى بالصدق والوفاء بالعهد والإنتظار في تنجيز ذلك واقعا وتطبيقا .

والدليل على ذلك هو أنَّ خطابات القرآن الكريم لم تقصد المشافهين في وقت النزول فقط

بل قصدت حتى من لم يُشافهوا بالخطاب آنذاك.

إكمالاً لحجيّة الخطاب القرآني ونفوذيته الإطلاقية على الناس أجمعين
ظهوريا ودلاليا .